من كنسية القديس بطرس، أهم الكنائس المسيحية- القائمة الآن في العالم- تاريخيا ودينيا ومعماريا وفنيا. وخلال قداس عيد الفصح (عيد قيامة السيد المسيح) أهم الأعياد الدينية المسيحية. وبإشراف شخصي من رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكت السادس عشر. وفي بث حي مباشر، موجه إلى جميع أنحاء العالم. تابع الجميع على شاشات الفضائيات، ومنها العربية، الإجراءات الكنسية الطقسية، لعملية تعميد وتنصير المسلم المرتد عن الإسلام مجدي علام.
كثيرون من المسيحيين، وخاصة في الشرق، يعتنقون الإسلام، إما باقتناع وإيمان، أو لأسباب شخصية، ويعلنون إسلامهم، ويعيشون حياتهم بعد ذلك بشكل عادي طبيعي، آمنين مطمئنين. أما إذا اعتنق بعض المسلمين المسيحية، فإنه يعتنقها في الخفاء. ويخشى أن يعلم بحاله أقرب المقربين.
إنها المرة الأولى على امتداد التاريخ الإسلامي- بعد حروب الردة- التي يعلن فيها مسلم في احتفال عام، وعلى الملأ، وأمام عدسات الكاميرات، ارتداده عن دين الإسلام، واعتناق المسيحية، غير عابئ بالنتائج والعواقب، والفتاوى والأحكام التي قد تكون وخيمة جدا على حياته، جراء هذا الارتداد.
فمنذ أن أعلن أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل ألف وأربعمائة عام، الحرب على الذين ارتدوا عن دين الإسلام، وأرسل الجيوش، وأخضع المرتدين، وأعادهم إلى الدين الإسلامي. ومنذ أن تداول المسلمون حديثا منسوبا إلى النبي، يأمر فيه بقتل المرتد عن دين الإسلام (من بدل دينه فاقتلوه).
منذ ذلك الحين ثبت في الفقه والضمير الجمعي الإسلامي أن الردة فتنة تضر بالمسلمين، وتشجع ضعاف النفوس والمارقين على الجهر بالكفر، وهي بمثابة عدوان وإعلان حرب على الإسلام والمسلمين.
لم يجرؤ أحد بعد ذلك على الردة. وكثيرا ما استخدم السلطان هذا الحد- لأسباب عدة- ضد بعض العلماء والمثقفين المسلمين، فاتُهموا بالكفر، ونُفذ فيهم حكم الإعدام. ولم تتوقف هذه الاتهامات بالكفر والارتداد إلى الآن، حيث ينبري للحكم فيها، والتنفيذ، بعض الجماعات الإسلامية السياسية. وفي العصر الحديث عام (1985) تم إعدام محمود طه بحكم قضائي في السودان.
والمسلم المرتد (مجدي علام) ليس شخصية نكرة أو عادية، ولا هو جاهل غر حديث السن، أو فقير يبحث عن لقمة وعمل، أو يسعى للهجرة إلى أوروبا لينال اللجوء الإنساني فيها. أو مهاجر غير شرعي يخشى أن ترحله السلطات. بل هو رجل ثري، وظيفته هامة ومرموقة، ويحمل شهادات عليا، وقد بلغ من العمر عتيا (55 عاما). هاجر منذ خمس وثلاثين سنة إلى إيطاليا، ودرس فيها، ونال جنسيتها. متزوج وله أولاد، ومعروف في الأوساط الصحفية والثقافية والسياسية الإيطالية، وصاحب عمود مؤثر سياسيا في أكبر جريدة يومية إيطالية (كورييرا دي لا سيرا) ونائب رئيس تحريرها، وكاتب افتتاحياتها.
لم يسبق للكنيسة المسيحية أن جاهرت من قبل بتنصير مسلم. وكانت شديدة الحذر في هذا الموضوع لاعتبارات عديدة، منها الخوف على أتباعها في الشرق من غضب المتعصبين، ومنها كما تقول الكنيسة: الخوف على حياة المسلمين المتنصرين. لكن خطوة الكنيسة هذه فاجأت الجميع، المسيحيين، وطبعا المسلمين، وأثارت غضب بعضهم. خاصة وأنها صدرت بمباركة من أعلى سلطة دينية مسيحية.
لن يزيد تنصير مجدي علام في عدد المسيحيين، ولن يُنقص من عدد المسلمين. فلماذا إذن كل هذه الضجة التي أثيرت؟ وهل من مغزى لهذا التنصير؟ بل هل ثمة رسالة أراد بابا الفاتيكان أن يوجهها إلى قادة وشيوخ المسلمين؟
لعل بابا الفاتيكان من خلال تنصيره شخصيا لمجدي علام الذي يتهم الإسلام في مقالاته الصحفية بأنه: (دين يحمل في داخله العنف، ويتصف بالتعصب والكراهية) لعله أراد من ذلك، الرد على الذين طالبوه بالتكفير عن ذنبه والاعتذار جاثيا على ركبتيه، أو الذين طالبوه باعتناق الإسلام إثر المحاضرة التي ألقاها بُعيد تنصيبه ك (بابا) في جامعة رغنسبورغ بعنوان (الإيمان والعقل وذكريات وتأملات) والتي اقتبس فيها ما معناه أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأثارت حينها غضب الكثيرين من المتشددين المسلمين.
ولعل بابا الفاتيكان أراد أيضا، من خلال إشرافه الشخصي على هذا التنصير، وما صاحبه من ضجة إعلامية احتفالية، أن يبعث برسالة- قبل انعقاد مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي- يقول فيها: سنعاملكم بالمثل. فليس لكم أن تؤسلموا أبناءنا، ولا ننصّر أبناءكم. وكما تشجعون المسيحيين على اعتناق الإسلام، سنشجع المسلمين على اعتناق المسيحية. وإذا اعتبرتم أن عملية تنصيري لمجدي علام هي تعبير عن موقف الكنيسة من الإسلام، فسنعتبر أن أسلمة المسيحيين من قبلكم هو تعبير عن موقفكم من المسيحية. وسنراعي مشاعركم، إذا ما راعيتم مشاعرنا.
ولعله أراد كذلك أن يكسر حاجز الخوف لدى المسلمين، ويفتح كوة في الجدار الصلد، ويخترق تشدد المتعصبين المسلمين ضد الآخر المختلف عنهم دينيا، وربما أراد أن يدفعهم لمزيد من ردود الفعل التي تزيد من حدة الموقف الغربي ضدهم، في وقت يدور فيه جدل حامي الوطيس حول حقيقة الخوف من الإسلام في الغرب. وحول الرسوم الدنمركية، والفيلم الهولندي (الفتنة) لخيرت فيلدرز، الذي رفضت- خوفا- جميع دور السينما الأوروبية عرضه. وحول افتتاح كنيسة في دولة قطر، والموقف المعادي لهذا الافتتاح الذي اتخذه بعض المتشددين.
لا أظن أن أحدا من شيوخ المسلمين سيقوم بإصدار فتوى علنية بإهدار دم (مجدي علام) فقد تغيرت الظروف كثيرا، ولم يعد الغرب لا مباليا بخصوص هذه المسألة كما كان. خاصة وأن كل مساعي المسلمين تتجه الآن للتأكيد على سماحة وتسامح الإسلام، وإظهار وجهه الحقيقي، لتصحيح المعلومات الخاطئة التي قُدمت للغرب عنه، وشوهت سمعته وصورته.
قبل أيام معدودات على تعميد بابا الفاتيكان لمجدي علام، هدد بن لادن بابا الفاتيكان، واتهمه بالتحريض على الإسلام، وبأن له ضلعا في مسألة الرسوم المسيئة للنبي. فهل كانت اتهاماته محقة؟ وهل يستطيع تنفيذ تهديده؟
[email protected]
كثيرون من المسيحيين، وخاصة في الشرق، يعتنقون الإسلام، إما باقتناع وإيمان، أو لأسباب شخصية، ويعلنون إسلامهم، ويعيشون حياتهم بعد ذلك بشكل عادي طبيعي، آمنين مطمئنين. أما إذا اعتنق بعض المسلمين المسيحية، فإنه يعتنقها في الخفاء. ويخشى أن يعلم بحاله أقرب المقربين.
إنها المرة الأولى على امتداد التاريخ الإسلامي- بعد حروب الردة- التي يعلن فيها مسلم في احتفال عام، وعلى الملأ، وأمام عدسات الكاميرات، ارتداده عن دين الإسلام، واعتناق المسيحية، غير عابئ بالنتائج والعواقب، والفتاوى والأحكام التي قد تكون وخيمة جدا على حياته، جراء هذا الارتداد.
فمنذ أن أعلن أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل ألف وأربعمائة عام، الحرب على الذين ارتدوا عن دين الإسلام، وأرسل الجيوش، وأخضع المرتدين، وأعادهم إلى الدين الإسلامي. ومنذ أن تداول المسلمون حديثا منسوبا إلى النبي، يأمر فيه بقتل المرتد عن دين الإسلام (من بدل دينه فاقتلوه).
منذ ذلك الحين ثبت في الفقه والضمير الجمعي الإسلامي أن الردة فتنة تضر بالمسلمين، وتشجع ضعاف النفوس والمارقين على الجهر بالكفر، وهي بمثابة عدوان وإعلان حرب على الإسلام والمسلمين.
لم يجرؤ أحد بعد ذلك على الردة. وكثيرا ما استخدم السلطان هذا الحد- لأسباب عدة- ضد بعض العلماء والمثقفين المسلمين، فاتُهموا بالكفر، ونُفذ فيهم حكم الإعدام. ولم تتوقف هذه الاتهامات بالكفر والارتداد إلى الآن، حيث ينبري للحكم فيها، والتنفيذ، بعض الجماعات الإسلامية السياسية. وفي العصر الحديث عام (1985) تم إعدام محمود طه بحكم قضائي في السودان.
والمسلم المرتد (مجدي علام) ليس شخصية نكرة أو عادية، ولا هو جاهل غر حديث السن، أو فقير يبحث عن لقمة وعمل، أو يسعى للهجرة إلى أوروبا لينال اللجوء الإنساني فيها. أو مهاجر غير شرعي يخشى أن ترحله السلطات. بل هو رجل ثري، وظيفته هامة ومرموقة، ويحمل شهادات عليا، وقد بلغ من العمر عتيا (55 عاما). هاجر منذ خمس وثلاثين سنة إلى إيطاليا، ودرس فيها، ونال جنسيتها. متزوج وله أولاد، ومعروف في الأوساط الصحفية والثقافية والسياسية الإيطالية، وصاحب عمود مؤثر سياسيا في أكبر جريدة يومية إيطالية (كورييرا دي لا سيرا) ونائب رئيس تحريرها، وكاتب افتتاحياتها.
لم يسبق للكنيسة المسيحية أن جاهرت من قبل بتنصير مسلم. وكانت شديدة الحذر في هذا الموضوع لاعتبارات عديدة، منها الخوف على أتباعها في الشرق من غضب المتعصبين، ومنها كما تقول الكنيسة: الخوف على حياة المسلمين المتنصرين. لكن خطوة الكنيسة هذه فاجأت الجميع، المسيحيين، وطبعا المسلمين، وأثارت غضب بعضهم. خاصة وأنها صدرت بمباركة من أعلى سلطة دينية مسيحية.
لن يزيد تنصير مجدي علام في عدد المسيحيين، ولن يُنقص من عدد المسلمين. فلماذا إذن كل هذه الضجة التي أثيرت؟ وهل من مغزى لهذا التنصير؟ بل هل ثمة رسالة أراد بابا الفاتيكان أن يوجهها إلى قادة وشيوخ المسلمين؟
لعل بابا الفاتيكان من خلال تنصيره شخصيا لمجدي علام الذي يتهم الإسلام في مقالاته الصحفية بأنه: (دين يحمل في داخله العنف، ويتصف بالتعصب والكراهية) لعله أراد من ذلك، الرد على الذين طالبوه بالتكفير عن ذنبه والاعتذار جاثيا على ركبتيه، أو الذين طالبوه باعتناق الإسلام إثر المحاضرة التي ألقاها بُعيد تنصيبه ك (بابا) في جامعة رغنسبورغ بعنوان (الإيمان والعقل وذكريات وتأملات) والتي اقتبس فيها ما معناه أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأثارت حينها غضب الكثيرين من المتشددين المسلمين.
ولعل بابا الفاتيكان أراد أيضا، من خلال إشرافه الشخصي على هذا التنصير، وما صاحبه من ضجة إعلامية احتفالية، أن يبعث برسالة- قبل انعقاد مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي- يقول فيها: سنعاملكم بالمثل. فليس لكم أن تؤسلموا أبناءنا، ولا ننصّر أبناءكم. وكما تشجعون المسيحيين على اعتناق الإسلام، سنشجع المسلمين على اعتناق المسيحية. وإذا اعتبرتم أن عملية تنصيري لمجدي علام هي تعبير عن موقف الكنيسة من الإسلام، فسنعتبر أن أسلمة المسيحيين من قبلكم هو تعبير عن موقفكم من المسيحية. وسنراعي مشاعركم، إذا ما راعيتم مشاعرنا.
ولعله أراد كذلك أن يكسر حاجز الخوف لدى المسلمين، ويفتح كوة في الجدار الصلد، ويخترق تشدد المتعصبين المسلمين ضد الآخر المختلف عنهم دينيا، وربما أراد أن يدفعهم لمزيد من ردود الفعل التي تزيد من حدة الموقف الغربي ضدهم، في وقت يدور فيه جدل حامي الوطيس حول حقيقة الخوف من الإسلام في الغرب. وحول الرسوم الدنمركية، والفيلم الهولندي (الفتنة) لخيرت فيلدرز، الذي رفضت- خوفا- جميع دور السينما الأوروبية عرضه. وحول افتتاح كنيسة في دولة قطر، والموقف المعادي لهذا الافتتاح الذي اتخذه بعض المتشددين.
لا أظن أن أحدا من شيوخ المسلمين سيقوم بإصدار فتوى علنية بإهدار دم (مجدي علام) فقد تغيرت الظروف كثيرا، ولم يعد الغرب لا مباليا بخصوص هذه المسألة كما كان. خاصة وأن كل مساعي المسلمين تتجه الآن للتأكيد على سماحة وتسامح الإسلام، وإظهار وجهه الحقيقي، لتصحيح المعلومات الخاطئة التي قُدمت للغرب عنه، وشوهت سمعته وصورته.
قبل أيام معدودات على تعميد بابا الفاتيكان لمجدي علام، هدد بن لادن بابا الفاتيكان، واتهمه بالتحريض على الإسلام، وبأن له ضلعا في مسألة الرسوم المسيئة للنبي. فهل كانت اتهاماته محقة؟ وهل يستطيع تنفيذ تهديده؟
[email protected]
التعليقات