1
سخّرتم عقولكم وعواطفكم للدجالين والمنافقين، فتلاعبوا بكم، وتاجروا بقضيتكم، وجعلوا منكم دمى خيوطها بين أصابعهم، وأصابع سادتهم، يحركونها وفقا لمصالحهم.
بعتم أحلامكم للمشعوذين والغشاشين، فباعوكم بأبخس الأثمان في سوق الصراعات المحلية والإقليمية والدولية.
سوّقوا لكم الشعارات واليافطات التي زرعت الأوهام في نفوسكم، فاشتريتم، وأكثرتم، وخزّنتم حتى انتفخت بطونكم، فانفجرتْ بكم، وحلّتْ البغضاء في دياركم، فتشتت شملكم، وجاعت أطفالكم، واكتسح الخوف بلادكم، فكانت تجارة خاسرة لكم، رابحة لقادتكم، وقادة قادتكم.
حاصروكم قبل أن يحاصركم أعداءكم. زرعوا اليأس وكراهية الحياة في صدوركم، وزينوا الموت لكم، ونشروا بين فتيانكم وفتياتكم ثقافة القتل والانتحار، فاقتتلتم، وانتحرتم، وسالت دماءكم، وتيتمت أطفالكم، وترملت نساءكم.
2
اتهمتم وخوّنتم وكفّرتم وتآمرتم على بعضكم بعضا، ولم يتآمر عليكم، سوى جهلكم وتعصبكم وخرافاتكم.
استبدلتم عدوكم الخارجي، بعدو داخلي، وأعلامكم الوطنية، بأخرى حزبية وحركية.
لم يعد البحر والنهر قضيتكم، فقد شغلكم الغزو والجهاد الحزبي والمغانم، ضد المخالفين في الرأي
تفرقتم مللا ونحلا ودكاكين، فقطّعتم أوصالكم، ومزقتم بلادكم إلى مزارع واقطاعات تحولت إلى سجون أُحكم إغلاقها بمتاريسَ صلدة، وأسوار شاهقة الارتفاع، وليس ثمة مخرج سوى الأنفاق.
مأساتكم أصبحت ملهاة، وملهاتكم أصبحت مأساة.
3
كم من الخطف والاغتيالات نفذتم؟
كم من الأحرار الذين التجأوا إليكم سلمتموهم إلى الأجهزة الأمنية التي تطاردهم؟
أرهبتم الكتاب والشعراء والرسامين والمفكرين، ومارستم عليهم سياسة التخوين والتخويف والابتزاز.
قتلتم دون رادع، الأطفال، وتلاميذ المدارس، انتقاما من ذويهم
استبحتم دماء إخوانكم ومضيفيكم، فاستباح الإخوان والأشقاء والأعداء دماءكم
أنكرتم جميل المحسنين إليكم، وهتفتم للغزو والحجّاج، وشمِتّم بالتي كانت حلوبا، تدرّ لكم، وتملأ بطونكم لبنا، وعروقكم دماء
ناصرتم الطغاة والمستبدين، فطغت قضيتهم، وغطت على قضيتكم
حولتم الإعلام إلى إعلان، فتجاهلكم الإعلام العربي والإسلامي والعالمي
سخرتم واستهنتم بالرأي العام، فأنكركم، وأشاح بوجهه عنكم
وما زلتم
تسربون الوطن من بين أصابعكم وشعاراتكم وأفعالكم
وتقبلون اليوم ما ترفضونه بالأمس
وتنقضون في الصباح ما تعقدونه في المساء
وتُقسمون، وتحنثون بأيمانكم
4
كرمى لسواد عيونكم نهش الفساد أجسادنا
كرمى لسواد عيونكم أمضينا طفولتنا وشبابنا في الفقر والحسرة والتشهي
كرمى لسواد عيونكم ينخفض كل عام مستوى معيشتنا، ويزداد عدد العاطلين عن العمل
كرمى لسواد عيونكم يترك الابن أباه، والأخ أخاه، والزوج زوجته، بحثا عن الأمان ولقمة العيش في البلاد البعيدة
كرمى لسواد عيونكم تكاثرنا وأكثرنا حتى ضاقت بنا الأزقة والأحياء والمقابر والغرف
كرمى لسواد عيونكم اتهمنا وخوّنّا وقتلنا بعضنا بعضا
كرمى لسواد عيونكم وُضعت الدساتير والقوانين على الرف
كرمى لسواد عيونكم أٌكلت حقوقنا، وضُرب جلدها وعظمها بعرض الحائط
كرمى لسواد عيونكم امتلأت بنوك أوروبا وسويسرا بالدولارات المنهوبة
كرمى لسواد عيونكم نشأت وانتشرت الأحزاب التكفيرية والشمولية، وكُفرت الديمقراطية، وخُوّن الديمقراطيون
5
رحلتم، وتركتم أهلكم وأصدقاءكم وأرضكم وذكريات طفولتكم
لكنكم والحق يقال لم تبخلوا بالتحيات والدعاء والتمنيات الطيبة.
رحلتم، وتركتم بلادكم في الخوف والجوع والبطالة والمرض، واستمتعتم بالحليب والمساعدات والخطابات والتحريض والأمان
لم تعد تخلو منكم مدينة عربية أو عاصمة أجنبية
ومع ذلك ما زلتم تبحثون عن منافٍ جديدة، ترحب بكم صباحا، وتتململ منكم ظهرا، وتكرهكم مساء
رحلتم، وتركتم بلادكم تتخبط في الشعارات والتكفير والحُفر
بلادكم التي تتناقص كل يوم مساحتها وعدد مدارسها، وأسرّة مستشفياتها، وكمية الأدوية، والحب والواقعية
بلادكم التي تتوسل ممن تكفرونهم، الخبز والماء والكهرباء والدفاتر وأقلام الرصاص
بلادكم التي تزداد كل يوم خوارا وتمزقا وضعفا وكانتونات
وأحزابها اعوجاجا وجهلا وتبعية
وتعصبا وضغينة وطمعا
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات