الشرق الأوسط مصطلح سياسي أكثر مما هو جغرافي، يضم مجموعة كبيرة من البلدان العربية والإسلامية، تتصف بالتضخم في عدد سكانها، وتكاثرهم الذي يزداد تسارعه بلا ضابط عاما إثر عام. كما تتصف بتخلف أهلها وفقرهم المتقع، وكسل أكثريتهم الساحقة، وقعودهم، ولجوءهم- نتيجة جهلهم- إلى الاستخارة في تصريف شؤونهم. واتكالهم على الغيب، وعلى الدعاء في محاربة أعدائهم، والتخلص من فقرهم، والشفاء من أمراضهم التي يظنون أنها جن يتلبسهم. واقتناعهم أن لا يد لهم في تحسين أوضاعهم، لأن حياتهم مرسومة من قبل أن يولدوا.
وعدا عن تخلف الشرق الأوسط في كل مناحي الحياة العلمية والفنية والطبية والصناعية والزراعية. فإن المقولات المنتشرة في أزقته وزواريبه المكتظة بالجهل والمجهلين، والمدّعين والتائهين، ما زالت تروج لمحاصرة المرأة وعزلها، وتكميمها وحجبها، والانتقاص من قدرها وعقلها. كما ما زالت تروج لتكفير الآخرين وكراهيتهم، ومعاداتهم وإرهابهم. بالرغم من اعتماد المكفرين على هؤلاء الآخرين الذين يكفرونهم في كل منحى من مناحي حياتهم، بدءا من صناعة الأدوية التي يتطببون بها من أمراضهم، إلى صناعة مأكلهم، وملبسهم، وصحونهم ومعالقهم وسكاكينهم، ودراجاتهم وسياراتهم، وهواتفهم ووسائل اتصالاتهم.
وعدا عن ارتفاع نسبة الأمية في فك الحرف بين صفوفهم، فإن للجهل سلطة واسعة على الأكثرية الساحقة من المتعلمين منهم. أولئك الذين لم يقرأوا سوى كتبهم المدرسية أو الجامعية أو الدينية المقررة لهم، أو كتب الجن التي تنشر الخرافة والخوف في عقولهم، وتزين حياة الكهوف والأنفاق لهم. فالمعرفة والاطلاع على الثقافات العالمية التي تُغنيهم وتفتح عيونهم، ممنوعة في هذا الشرق الذي أنشأ له سادته الدينيين والقبليين- خوفا على إيمان أهله ومعتقداتهم- لجانا تعلب المعرفة لهم، وتقرر ما يجب أن يقرأوا ويعرفوا، وما يجب أن يُحجب عنهم، ويظل مجهولا لديهم. لأنهم ما زالوا معاقين قاصرين، لا يحسنون الاختيار، ولا يعرفون ما يضرهم أو ما ينفعهم. فانتشر الفكر المعلب الراكد منذ مئات السنين، واستقر راسخا- وهم فرحين سُعداء- في عقولهم. فانعدم التمايز بينهم، وضلوا طريق الخلاص، وفقدوا القدرة على الرؤية والإبصار والتمييز، ومن ثم الإبداع والابتكار.
ورب قائل يقول إن هؤلاء قد ولدوا مبرمجين على مقولة واحدة، ورؤية واحدة، وطريقة في الفهم والتحليل والتركيب واحدة. لا بل تُعلب أدمغتهم وهم ما زالوا حيوانات منوية في خصي آبائهم، وبويضات في رحم أمهاتهم. يفكرون بذات الطريقة، ويضعون ذات المقدمات، ويصلون جميعا إلى ذات النتائج المتطابقة.
أبا عن جد عن جد، لم يكن لمواطني الشرق الأوسط في يوم من الأيام رأي في اختيار حاكمهم، وزعيم عشيرتهم، فحد السيف، والأعراف، فيصلهم وموجههم. وأبا عن جد عن جد لم يذق هؤلاء طعم الحرية أبدا. فالرق الجسدي بقي حتى نهايات خمسينيات القرن العشرين منتشرا في أوساطهم- وما زال إلى الآن في بعض أصقاعهم- إلى أن أزالته الأمم الحرة- الكافرة بنظرهم- بموجب قوانين مدنية وضعية ملزمة لهم ولسادتهم الدينيين المتبجحين. أما الرق الفكري، وهو أخطر أنواع الرق وأبشعه، فما يزال كالوباء يتفشى فيهم، ويستعمر عقولهم.
لم يمتلك هؤلاء المساكين يوما حق الاختيار، ولا حق الإفصاح والتعبير عن آراءهم. لا بل سُلبوا حتى حق التفكير في الخفاء أو في سرهم. وعوقبوا على نواياهم، وقُتلوا لمجرد الشك والظن بهم. ومن سولت له نفسه أن يكون حرا، اتهم بالزندقة والكفر والمروق، وعُذب علنا حتى الموت، بالتحريق وقطع الأوصال وسمل العينين وسلخ الجلد والصلب، على مرأى كل الناس، ليكون عبرة لمن يعتبر.
وحقوق الإنسان دسيسة دخيلة عليهم، لأنها لا تنبع من بيئتهم وفكرهم، ولذا فهي محتقرة لديهم، تتوجب محاربتها عليهم، لأن غايتها شق صفوفهم وتغريب أبنائهم. ولأنها تؤدي حسب معتقداتهم إلى الزندقة والكفر والعصيان، والخروج عن الجماعة والعادات والتقاليد، وعن ولي الأمر الذي تتوجب طاعته عليهم طالما لم يعلن على الملأ كفره البواح.
الدين الذي جاء ليحرر عقولهم، ويغسل قلوبهم، وينشر الحب والصفاء والمودة فيما بينهم. أساؤوا فهمه، وقصده، والتعامل معه والاستفادة منه. فجمّد عقولهم، وعلّب تفكيرهم، وأعمى عيونهم، وقسّا قلوبهم. ولم يجمعهم أو يوحدهم، بل فرقهم أمما ومذاهب شتى، ونشر الكراهية والبغضاء فيما بينهم. فحلت العداوة في أرضهم ونفوسهم، وصارت كل أمة تكفّر أختها وجيرانها، وتتمنى الشر والموت لهم ولنسلهم. فانتشرت الحروب فيما بينهم.
الخوف والتخويف هو القانون الذي يحكمهم، ويسيّرهم. فالإيمان سببه الخوف من عذاب الآخرة. والالتزام بالواجبات الدينية سببها الخوف من عصيان أوامر الله، والرغبة في دخول الجنة، والاستمتاع بملذاتها الحسية. وطاعة الله سببها الخوف من انتقام المنتقم الجبار، ومن عذاب نار جنهم. والتقيد بالأنظمة والقوانين سببه الخوف من عقوبة الحاكم، لا حب النظام واحترام القوانين. وتربية الأطفال تقوم على التخويف من عقاب الله الذي هو الحرق بالنار، ومن عقوبة الأهل، وعقوبة المجتمع، لا على ترغيب الطفل بالعمل الصالح والفعل الحسن.
الريح راكدة في الشرق الأوسط. والذي يجتاح حياتنا من غبار وعجاج إنما هي رياح الخماسين التي تهب محملة بأطنان الرمال والتراب من الصحراء المقفرة الجدباء التي تعج بالعقارب والأفاعي والضِبَاب، والتي لا أثر فيها للخضرة والطراوة والماء. فمتى تهب رياح الحياة؟
[email protected]
وعدا عن تخلف الشرق الأوسط في كل مناحي الحياة العلمية والفنية والطبية والصناعية والزراعية. فإن المقولات المنتشرة في أزقته وزواريبه المكتظة بالجهل والمجهلين، والمدّعين والتائهين، ما زالت تروج لمحاصرة المرأة وعزلها، وتكميمها وحجبها، والانتقاص من قدرها وعقلها. كما ما زالت تروج لتكفير الآخرين وكراهيتهم، ومعاداتهم وإرهابهم. بالرغم من اعتماد المكفرين على هؤلاء الآخرين الذين يكفرونهم في كل منحى من مناحي حياتهم، بدءا من صناعة الأدوية التي يتطببون بها من أمراضهم، إلى صناعة مأكلهم، وملبسهم، وصحونهم ومعالقهم وسكاكينهم، ودراجاتهم وسياراتهم، وهواتفهم ووسائل اتصالاتهم.
وعدا عن ارتفاع نسبة الأمية في فك الحرف بين صفوفهم، فإن للجهل سلطة واسعة على الأكثرية الساحقة من المتعلمين منهم. أولئك الذين لم يقرأوا سوى كتبهم المدرسية أو الجامعية أو الدينية المقررة لهم، أو كتب الجن التي تنشر الخرافة والخوف في عقولهم، وتزين حياة الكهوف والأنفاق لهم. فالمعرفة والاطلاع على الثقافات العالمية التي تُغنيهم وتفتح عيونهم، ممنوعة في هذا الشرق الذي أنشأ له سادته الدينيين والقبليين- خوفا على إيمان أهله ومعتقداتهم- لجانا تعلب المعرفة لهم، وتقرر ما يجب أن يقرأوا ويعرفوا، وما يجب أن يُحجب عنهم، ويظل مجهولا لديهم. لأنهم ما زالوا معاقين قاصرين، لا يحسنون الاختيار، ولا يعرفون ما يضرهم أو ما ينفعهم. فانتشر الفكر المعلب الراكد منذ مئات السنين، واستقر راسخا- وهم فرحين سُعداء- في عقولهم. فانعدم التمايز بينهم، وضلوا طريق الخلاص، وفقدوا القدرة على الرؤية والإبصار والتمييز، ومن ثم الإبداع والابتكار.
ورب قائل يقول إن هؤلاء قد ولدوا مبرمجين على مقولة واحدة، ورؤية واحدة، وطريقة في الفهم والتحليل والتركيب واحدة. لا بل تُعلب أدمغتهم وهم ما زالوا حيوانات منوية في خصي آبائهم، وبويضات في رحم أمهاتهم. يفكرون بذات الطريقة، ويضعون ذات المقدمات، ويصلون جميعا إلى ذات النتائج المتطابقة.
أبا عن جد عن جد، لم يكن لمواطني الشرق الأوسط في يوم من الأيام رأي في اختيار حاكمهم، وزعيم عشيرتهم، فحد السيف، والأعراف، فيصلهم وموجههم. وأبا عن جد عن جد لم يذق هؤلاء طعم الحرية أبدا. فالرق الجسدي بقي حتى نهايات خمسينيات القرن العشرين منتشرا في أوساطهم- وما زال إلى الآن في بعض أصقاعهم- إلى أن أزالته الأمم الحرة- الكافرة بنظرهم- بموجب قوانين مدنية وضعية ملزمة لهم ولسادتهم الدينيين المتبجحين. أما الرق الفكري، وهو أخطر أنواع الرق وأبشعه، فما يزال كالوباء يتفشى فيهم، ويستعمر عقولهم.
لم يمتلك هؤلاء المساكين يوما حق الاختيار، ولا حق الإفصاح والتعبير عن آراءهم. لا بل سُلبوا حتى حق التفكير في الخفاء أو في سرهم. وعوقبوا على نواياهم، وقُتلوا لمجرد الشك والظن بهم. ومن سولت له نفسه أن يكون حرا، اتهم بالزندقة والكفر والمروق، وعُذب علنا حتى الموت، بالتحريق وقطع الأوصال وسمل العينين وسلخ الجلد والصلب، على مرأى كل الناس، ليكون عبرة لمن يعتبر.
وحقوق الإنسان دسيسة دخيلة عليهم، لأنها لا تنبع من بيئتهم وفكرهم، ولذا فهي محتقرة لديهم، تتوجب محاربتها عليهم، لأن غايتها شق صفوفهم وتغريب أبنائهم. ولأنها تؤدي حسب معتقداتهم إلى الزندقة والكفر والعصيان، والخروج عن الجماعة والعادات والتقاليد، وعن ولي الأمر الذي تتوجب طاعته عليهم طالما لم يعلن على الملأ كفره البواح.
الدين الذي جاء ليحرر عقولهم، ويغسل قلوبهم، وينشر الحب والصفاء والمودة فيما بينهم. أساؤوا فهمه، وقصده، والتعامل معه والاستفادة منه. فجمّد عقولهم، وعلّب تفكيرهم، وأعمى عيونهم، وقسّا قلوبهم. ولم يجمعهم أو يوحدهم، بل فرقهم أمما ومذاهب شتى، ونشر الكراهية والبغضاء فيما بينهم. فحلت العداوة في أرضهم ونفوسهم، وصارت كل أمة تكفّر أختها وجيرانها، وتتمنى الشر والموت لهم ولنسلهم. فانتشرت الحروب فيما بينهم.
الخوف والتخويف هو القانون الذي يحكمهم، ويسيّرهم. فالإيمان سببه الخوف من عذاب الآخرة. والالتزام بالواجبات الدينية سببها الخوف من عصيان أوامر الله، والرغبة في دخول الجنة، والاستمتاع بملذاتها الحسية. وطاعة الله سببها الخوف من انتقام المنتقم الجبار، ومن عذاب نار جنهم. والتقيد بالأنظمة والقوانين سببه الخوف من عقوبة الحاكم، لا حب النظام واحترام القوانين. وتربية الأطفال تقوم على التخويف من عقاب الله الذي هو الحرق بالنار، ومن عقوبة الأهل، وعقوبة المجتمع، لا على ترغيب الطفل بالعمل الصالح والفعل الحسن.
الريح راكدة في الشرق الأوسط. والذي يجتاح حياتنا من غبار وعجاج إنما هي رياح الخماسين التي تهب محملة بأطنان الرمال والتراب من الصحراء المقفرة الجدباء التي تعج بالعقارب والأفاعي والضِبَاب، والتي لا أثر فيها للخضرة والطراوة والماء. فمتى تهب رياح الحياة؟
[email protected]
التعليقات