لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى... حتى يراق على جوانبه الدم.
هذا ما قاله الشاعر الجاهلي أبن أبي سلمى. وتلك هي أهمية الشرف، ومعناه، في المجتمع الجاهلي، وما زالت تلك الأهمية، وذلك المعنى، على حالهما حتى يومنا هذا. فما هو ذاك الشرف الرفيع الذي لا يمكن حمايته وصيانته من عبث العابثين والأعداء، إلا بطريقة واحدة لا ثانية لها، ألا وهي إراقة الدماء على جانبيه؟ ثم.. أين يكمن هذا الشرف الذي يستوجب الحرب والقتال والدماء؟
بالطبع لا يحتاج المرء إلى كثير عناء للإجابة على هذا السؤال. فالشرف في ثقافتنا وفي مفهومنا، ليس في صدق الرجل وأمانته واحترامه لكلمته، وليس الإخلاص في العمل. ولا الوفاء للأهل والأصدقاء. ولا في فعل الخير، ومساعدة المحتاجين والمقهورين. وليس في محاربة الغش والرشوة والفساد، أو في نبذ الكذب والسرقة، وشهادة الزور، والدس والتحايل والخداع، والإيقاع بالزملاء. فشرف الرجل كما نراه ليس في الرأس والقلب والضمير. بل شرف الرجل في مفهمونا، وبالتحديد، بين فخذي امرأة، لا في خلفية رجل أو فتى.
أليس من المخجل أن يكون شرف الرجل بين فخذي امرأة؟ أليس من المعيب أن تكون هذه المرأة التي نؤكد دائما، بمناسبة وبدون مناسبة، أن الشيطان يأتينا على صورتها، وأنها من أكثر أهل النار، وأنها ضعيفة، قليلة الخبرة والمعرفة، ناقصة العقل والدين. أن تكون هذه المرأة هي المكلفة بحماية وصيانة شرف الرجل، والدفاع عنه؟
إن مناسبة هذا الحديث، هو الخبر الذي تناقلته المواقع الإلكترونية، ومنها العربية، من أن شابا أردنيا قتل شقيقه طعنا متتاليا بالسكين، بعد اكتشافه أن هذا الأخ الشقيق، قد اغتصب شقيقتهما وفض عذريتها، مما استدعى أن يعيدها عريسها ليلة الزفاف إلى أهلها، لاكتشافه أنها غير عذراء.
إن أكثر حالات الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة والفتاة تتم في المنزل، لا خارجه. ومن قبل الأهل أو الأقرباء والمحارم. وتكون الفتاة في هذه الحالة، كبالع الموسى على الحدين. فلا هي إن تكلمت ترتاح، ولا إن سكتت ترتاح. وحاليا على المواقع الإلكترونية خبر لحالة اغتصاب تعرضت لها طفلة في التاسعة من عمرها، من قبل جدها. ويكاد لا يخلو سجن من أخ اغتصب أخته، أو أب اغتصب ابنته، أو عم أو خال اغتصب ابنة شقيقه أو ابنة شقيقته. وهؤلاء الذين في السجون هم فقط من تم الإبلاغ عنهم، واكتشاف جرائمهم، أما المخفي، ومن تم التستر عليهم، فأظنه أكثر وأعظم. وقد سبق لي أن قرأت تبريرا لرجل اغتصب ابنته لعدة سنوات، وكان يوصف هذا الرجل في حيه وبين معارفه بأنه تقي وقور. وقد برر هذا الرجل فعلته، بالقول: إنه غرس شجرة مثمرة، وسقاها، ورعاها، حتى نمت وكبرت وأثمرت، وهو أحق بثمارها من الغريب الذي لم يتعب بها.
إن العواطف التي تجيش في صدر الرجل، تجيش في صدر الفتاة. وعندما يقيم شاب علاقة، فإنه يقيمها- ما عدا المثليين- مع فتاة. وحين تُكتشف تلك العلاقة في مجتمعاتنا، يفر الرجل بجلده، وربما يفرح به أهله لفحولته ورجولته. وتُحاسب وتُعاقب الفتاة.! فما هو مسموح له، ممنوع عليها. وما هو حق له، ليس حقا لها. وكأن المشاعر والأحاسيس وقفا على الفتى دون الفتاة.
الاغتصاب جريمة شنعاء في كل المجتمعات والقوانين والأعراف. وآثاره مريرة على الفتاة مهما كان لونها ودينها وانتماءها. ولكن من المجتمعات من تتفهم أن الفتاة المغتصبة ضحية لا ذنب لها، وأن الذنب كل الذنب على من اغتصبها. فتتعاطف معها، وتساعدها على تجاوز محنتها، والالتفات إلى مستقبلها.
ومن المجتمعات من- إذا ما أبقت على الفتاة حية- من تعيب عليها وعلى أهلها، وتتهمها بأنها أغوت مغتصبيها، أو سهلت الأمر عليهم. وتعاملها على أنها نفاية، أو سلعة رخيصة مبتذلة، يطمع ويتحرش الأوباش بها. فتزيد من مأساتها، وتسود عيشها، وتدمر مستقبلها وحياتها، وحياة أهلها وأشقائها وشقيقاتها وأقربائها.
إن بعض حالات الاغتصاب للمرأة- وإن تكن نادرة كما في مسلسل الحصرم الشامي- تتم على مرأى من الزوج أو الأهل الذين يغمضون أعينهم ألماً، دون أن يستطيعوا حمايتها والدفاع عنها. وبدلا من أن يرأفوا بحالها ويواسوها في مصابها، ويساعدوها على تجاوز مأساتها. يعمد الزوج (غسلا للعار!) إلى تطليقها، والأهل إلى قتلها.! وتنطلق الزغاريد، فيستردون شرفهم الذي ضاع، ورجولتهم التي أثناء المحنة فقدوها.
ليس الاغتصاب وقفا على الفتاة فقط. بل إنه يقع على الفتيان أيضا. لكن الصبي المغتصب لا ينبذونه أو يقتلونه، كما ينبذون أو يقتلون الفتاة المغتصبة، بل يتستر أهله عليه، ويدللونه، ويساعدونه على تخطى محنته ومأساته، ونسيان ما حدث له، وما ألمّ به. وحتى المجتمع حين يدري باغتصاب الفتى، يشفق عليه، ويتعاطف معه، ويجد العذر له. أوليسَ اغتصاب الفتى انتهاك للعرض وتلويث للشرف، كاغتصاب الفتاة؟ أم أن الفتى لا يُعاب مهما جرى ومهما حدث؟
لا أظن أن الحديث عن التربية، ومسببات الكبت، وعن أهمية الاختلاط في المدارس الابتدائية والجامعات، وعدم العزل بين الأشقاء والشقيقات والأقرباء والقريبات، سيكون حديثا مجديا أو مقبولا لدى بعض الناس. وكنت قد قرأت عن رجل- أصلحه وأصلحنا الله- في إحدى القبائل والمجتمعات، طرد ولده وتبرأ منه- تماشيا مع سياسة سد الذرائع، وخوفا مما قد لا تحمد عقباه- لأنه ضبطه يتناول طعام الغداء مع أمه وشقيقاته في غيابه. ومما لا شك فيه أن مضاعفات الكبت، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، هي السبب في وجود زواج المتعة، وزواج الفرند، وزواج المسيار.
[email protected]
بالطبع لا يحتاج المرء إلى كثير عناء للإجابة على هذا السؤال. فالشرف في ثقافتنا وفي مفهومنا، ليس في صدق الرجل وأمانته واحترامه لكلمته، وليس الإخلاص في العمل. ولا الوفاء للأهل والأصدقاء. ولا في فعل الخير، ومساعدة المحتاجين والمقهورين. وليس في محاربة الغش والرشوة والفساد، أو في نبذ الكذب والسرقة، وشهادة الزور، والدس والتحايل والخداع، والإيقاع بالزملاء. فشرف الرجل كما نراه ليس في الرأس والقلب والضمير. بل شرف الرجل في مفهمونا، وبالتحديد، بين فخذي امرأة، لا في خلفية رجل أو فتى.
أليس من المخجل أن يكون شرف الرجل بين فخذي امرأة؟ أليس من المعيب أن تكون هذه المرأة التي نؤكد دائما، بمناسبة وبدون مناسبة، أن الشيطان يأتينا على صورتها، وأنها من أكثر أهل النار، وأنها ضعيفة، قليلة الخبرة والمعرفة، ناقصة العقل والدين. أن تكون هذه المرأة هي المكلفة بحماية وصيانة شرف الرجل، والدفاع عنه؟
إن مناسبة هذا الحديث، هو الخبر الذي تناقلته المواقع الإلكترونية، ومنها العربية، من أن شابا أردنيا قتل شقيقه طعنا متتاليا بالسكين، بعد اكتشافه أن هذا الأخ الشقيق، قد اغتصب شقيقتهما وفض عذريتها، مما استدعى أن يعيدها عريسها ليلة الزفاف إلى أهلها، لاكتشافه أنها غير عذراء.
إن أكثر حالات الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة والفتاة تتم في المنزل، لا خارجه. ومن قبل الأهل أو الأقرباء والمحارم. وتكون الفتاة في هذه الحالة، كبالع الموسى على الحدين. فلا هي إن تكلمت ترتاح، ولا إن سكتت ترتاح. وحاليا على المواقع الإلكترونية خبر لحالة اغتصاب تعرضت لها طفلة في التاسعة من عمرها، من قبل جدها. ويكاد لا يخلو سجن من أخ اغتصب أخته، أو أب اغتصب ابنته، أو عم أو خال اغتصب ابنة شقيقه أو ابنة شقيقته. وهؤلاء الذين في السجون هم فقط من تم الإبلاغ عنهم، واكتشاف جرائمهم، أما المخفي، ومن تم التستر عليهم، فأظنه أكثر وأعظم. وقد سبق لي أن قرأت تبريرا لرجل اغتصب ابنته لعدة سنوات، وكان يوصف هذا الرجل في حيه وبين معارفه بأنه تقي وقور. وقد برر هذا الرجل فعلته، بالقول: إنه غرس شجرة مثمرة، وسقاها، ورعاها، حتى نمت وكبرت وأثمرت، وهو أحق بثمارها من الغريب الذي لم يتعب بها.
إن العواطف التي تجيش في صدر الرجل، تجيش في صدر الفتاة. وعندما يقيم شاب علاقة، فإنه يقيمها- ما عدا المثليين- مع فتاة. وحين تُكتشف تلك العلاقة في مجتمعاتنا، يفر الرجل بجلده، وربما يفرح به أهله لفحولته ورجولته. وتُحاسب وتُعاقب الفتاة.! فما هو مسموح له، ممنوع عليها. وما هو حق له، ليس حقا لها. وكأن المشاعر والأحاسيس وقفا على الفتى دون الفتاة.
الاغتصاب جريمة شنعاء في كل المجتمعات والقوانين والأعراف. وآثاره مريرة على الفتاة مهما كان لونها ودينها وانتماءها. ولكن من المجتمعات من تتفهم أن الفتاة المغتصبة ضحية لا ذنب لها، وأن الذنب كل الذنب على من اغتصبها. فتتعاطف معها، وتساعدها على تجاوز محنتها، والالتفات إلى مستقبلها.
ومن المجتمعات من- إذا ما أبقت على الفتاة حية- من تعيب عليها وعلى أهلها، وتتهمها بأنها أغوت مغتصبيها، أو سهلت الأمر عليهم. وتعاملها على أنها نفاية، أو سلعة رخيصة مبتذلة، يطمع ويتحرش الأوباش بها. فتزيد من مأساتها، وتسود عيشها، وتدمر مستقبلها وحياتها، وحياة أهلها وأشقائها وشقيقاتها وأقربائها.
إن بعض حالات الاغتصاب للمرأة- وإن تكن نادرة كما في مسلسل الحصرم الشامي- تتم على مرأى من الزوج أو الأهل الذين يغمضون أعينهم ألماً، دون أن يستطيعوا حمايتها والدفاع عنها. وبدلا من أن يرأفوا بحالها ويواسوها في مصابها، ويساعدوها على تجاوز مأساتها. يعمد الزوج (غسلا للعار!) إلى تطليقها، والأهل إلى قتلها.! وتنطلق الزغاريد، فيستردون شرفهم الذي ضاع، ورجولتهم التي أثناء المحنة فقدوها.
ليس الاغتصاب وقفا على الفتاة فقط. بل إنه يقع على الفتيان أيضا. لكن الصبي المغتصب لا ينبذونه أو يقتلونه، كما ينبذون أو يقتلون الفتاة المغتصبة، بل يتستر أهله عليه، ويدللونه، ويساعدونه على تخطى محنته ومأساته، ونسيان ما حدث له، وما ألمّ به. وحتى المجتمع حين يدري باغتصاب الفتى، يشفق عليه، ويتعاطف معه، ويجد العذر له. أوليسَ اغتصاب الفتى انتهاك للعرض وتلويث للشرف، كاغتصاب الفتاة؟ أم أن الفتى لا يُعاب مهما جرى ومهما حدث؟
لا أظن أن الحديث عن التربية، ومسببات الكبت، وعن أهمية الاختلاط في المدارس الابتدائية والجامعات، وعدم العزل بين الأشقاء والشقيقات والأقرباء والقريبات، سيكون حديثا مجديا أو مقبولا لدى بعض الناس. وكنت قد قرأت عن رجل- أصلحه وأصلحنا الله- في إحدى القبائل والمجتمعات، طرد ولده وتبرأ منه- تماشيا مع سياسة سد الذرائع، وخوفا مما قد لا تحمد عقباه- لأنه ضبطه يتناول طعام الغداء مع أمه وشقيقاته في غيابه. ومما لا شك فيه أن مضاعفات الكبت، وآثاره المدمرة على الفرد والمجتمع، هي السبب في وجود زواج المتعة، وزواج الفرند، وزواج المسيار.
[email protected]
التعليقات