المجتمعات التي تكثر فيها الممنوعات والمحظورات، والعقوبات البدنية والاجتماعية. هي مجتمعات خائفة، مغلولة، مقيدة الفكر، محدودة العطاء، تضطر للكذب حماية لنفسها. تنظر للآخرين بعين الريبة والشك بسبب خوفها من مخالفة محظوراتها ومن العقوبات، وتخشى الانفتاح على غيرها، فتنغلق على نفسها، وتتزمت. وتكره حياتها وزمانها ومكانها والآخرين. ومن علاماتها تهميش المرأة والطفل والآخر، واضطهادهم، ومنعهم من ممارسة حقوقهم، وازدراءهم.
ومن علاماتها أيضا الكسل والتواكل والتفاخر، وادعاء الفهم والفضل وامتلاك الحقيقة وانتشار الخرافات. وهي مجتمعات متخلفة غارقة في بحار الظلمات رغم استخدامها لمنتجات الحضارة الغربية من هواتف نقالة وانترنت وسيارات فخمة، وباقي المنتجات التكنولوجية التي تعجز عن فهم سرها العفاريت والجان.
لم يتطرق مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان إلى قضية المرأة التي تعاني في مجتمعاتنا كما يعاني الآخر المختلف دينيا من قمع ومنع وتهميش وازدراء. فهي ناقصة عقل ودين، شهادتها نصف شهادة، وميراثها نصف ميراث. وهي عورة من صوتها حتى أخمص قدميها، يتوجب سترها وتغطيتها. وهي كالكلب الأسود والحمار تقطع الصلاة. وهي ممنوعة من الحصول على بطاقة هوية إلا بموافقة ولي أمرها. وممنوعة من مراجعة الدوائر الرسمية لوحدها. وممنوعة من ممارسة الرياضة في مدارسها. وممنوعة من قيادة الدراجة والسيارة. ولا يحق لها الدراسة إلا في فروع معينة، ولا العمل إلا في مجالات محددة خصصت لها. كما لا يحق لها الاعتراض إذا طلقها زوجها وانتزع منها أطفالها وأكلها لحما ورماها عظما، أو إذا تزوج عليها مثنى وثلاث ورباع، واستمتع بما ملكت يمينه وأمواله من نساء. مهمتها في الحياة الكنس والغسل والطبخ، وإمتاع الرجل، والإنجاب، والطاعة العمياء، والرضى بما قُسم لها.
كما لم يتطرق مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان إلى موضوع الطفل، وحقه في المساواة مع باقي الأطفال دون النظر إلى دينه أو لونه أو جنسه أو إعاقته. وحقه في تلقي تربية تنمي فيه روح المحبة والتسامح والتعاون، ولا تغرس فيه مشاعر الكراهية والعداء للآخرين المختلفين عنه. وكذلك حقه في اللعب والاستمتاع بطفولته وحمايتها من سرقة الأهل والمجتمع لها والسطو عليها، إن كان ذلك بالقمع والضرب، أو بتزويج الصغيرات، أو فرض الحجاب عليهن في سن الطفولة. وكذلك حماية الطفل من التشرد والتسول والاعتداء الجنسي والاغتصاب. وحقه في حياة صحية هانئة يملؤها الفرح والتفاؤل. وحقه في العيش بأمان واطمئنان دون خوف وتخويف من المنتقم الجبار، ومن نار جهنم، والثعبان الأقرع وعذاب القبر. وحقه في المعرفة، والتعليم العلمي الذي ينمي شخصيته المستقلة، وينمي فيه حب البحث والتقصي والإبداع، لا التعليم الذي يعلب المعرفة له، ويحشو دماغه بالجن والعفاريت والخرافات، والذي يهدف إلى خلق الطفل المطيع التابع لسيده وولي أمره، مما يؤدي إلى هروب الأطفال إلى الشوارع للعمل، أو الالتحاق بالجماعات الإرهابية.
إن اضطهاد المرأة والطفل وعدم الاعتراف بحقوقهما يتناسبان طردا مع اضطهاد الآخر المختلف دينيا أو أثنيا، والعكس صحيح. فكلما ازداد في المجتمع اضطهاد المرأة وتحقيرها كلما ازداد اضطهاد وتحقير المختلف دينيا وتهميشه. وكلما ازداد قبول المرأة والطفل في المجتمع، كلما ازداد قبول الآخر. والمجتمعات التي تحترم المرأة وحقوقها، وتهتم بالطفل وترعاه، هي المجتمعات التي تحترم حقوق الإنسان، ولا تميز بين أبيض وأسود، أو بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وكافر، وتعامل الناس جميعا على قاعدة واحدة، وقانون واحد.
لن تتحرر المجتمعات العربية والإسلامية من أغلالها وتخلفها، ما لم تتحرر نساءها وأطفالها. ولن تكون قادرة على بناء ذاتها ما دام نصفها مشلول غير قادر على الحركة، ممنوع من المشاركة والطموح والتفكير. ولن تستطيع هذه المجتمعات أن تبني أجيال المستقبل ما دامت النساء الأمهات التي تربي هذه الأجيال إماء مدفونات داخل أربع جدران، يشعرن بالخوف والقلق وعدم المساواة، لا يعرفن طعم الحرية والثقة بهن، ولا يمتلكن حقوقهن، ولا يشاركن في الحياة العامة. يُنتقص من عقولهن ودينهن وقدراتهن، ويُنظر إليهن بعين الريبة والشك والازدراء.
إننا نأمل من مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان أن يضم إلى أجندته مسألتي المرأة والطفل. وأن يتابع مهامه التي تعهد بها، ويتصدى لها بما أملناه منه من جدية ونية صادقة. وأن لا يلتفت إلى أقوال المشككين الذي يدعون أن غاية المؤتمر التصدير الإعلامي لتحسين صورة السعودية.
[email protected]