التعذيب الجسدي والنفسي، وأحيانا العائلي، ضد المشتبه بهم في البلدان العربية والإسلامية، حالة قديمة متوارثة اعتادت عليها شعوبنا وألفتها. وهي طريقة في الاستجواب متفق عليها بين المحققين. والغاية من التعذيب هي الحصول على معلومات يخفيها المشتبه بهم، تساعد المحققين على معرفة الجناة وآلية الجريمة، والمخططين والشركاء المنفذين، وما ارتكبوه في الماضي، وما يبيتون له في المستقبل.
ويتم التعذيب في العصر الحديث ضد المشتبه بهم في أقبية سرية مقفلة، بعيدا عن أعين الفضوليين، لا خوفا من الناس، ولا مداراة لمشاعرهم، بل خوفا من تقارير المنظمات الحقوقية الأجنبية. والدول الغربية في عصر حقوق الإنسان، إن كانت تمارس التعذيب، فهي تمارسه ضد الغرباء عنها، ولا تمارسه ضد أبنائها الذين يحملون جنسيتها. بعكس الدول إياها التي تمارس التعذيب بالخصوص ضد مواطنيها وأبناء جلدتها ودينها، ولا تمارسه ضد الغرباء عنها، خاصة إن كانوا أوروبيين أو أمريكيين.
لقد رفضت بريطانيا ودول غربية أخرى تسليم المسلمين المقيمين على أراضيها، الذين قاموا بأعمال إرهابية، أو حرضوا على الإرهاب، وأساءوا إليها، رغم فضلها عليهم. فحكمتهم بالسجن، ورفضت تسليمهم إلى دولهم الإسلامية الأصلية التي طالبت بهم، بدعوى الخوف من الإساءة إليهم، وتعريضهم للتعذيب. دون أن ننسى أن أمريكا كي لا تستخدم ضد المشتبه بهم أساليب التعذيب، قد سلمت بعض المعتقلين الإرهابيين إلى بلدان عربية وإسلامية لاستجوابهم، بسبب خبرة هذه الدول في طرق الاستجواب، وقدرتها في الحصول على المعلومات من المتهمين.
ولا يخفى أيضا أن أمريكا خوفا من قوانين بلادها أقامت للإرهابيين معتقلا بعيدا عن أراضيها. وأن كثيرا من هؤلاء الإرهابيين المعتقلين في غوانتانامو، وسجون أوروبية أخرى، فضلوا ويفضلون البقاء في معتقلاتهم الأجنبية الكافرة، على أن يسلموا إلى بلدانهم الإسلامية الأصلية.
قلت إن التعذيب في العصر الحديث يتم في سرية تامة، بعيدا عن أعين المراقبين. والغاية منه الحصول على معلومات من المشتبه بهم والمتهمين. لكن دولة الخلافة الإسلامية لم يكن هدفها الحصول على معلومات، بل الانتقام من المخالفين والمعارضين. كما إن التعذيب في عهدها لم يكن يتم في السر، بل علانية وعلى رؤوس الأشهاد، بقصد إخافة الناس وإرهابهم وإخضاعهم. ف (عبد الله بن الزبير) أول مولود في دار الهجرة، وابن أحد العشرة المبشرين بالجنة، أمه ذات النطاقين- أخت أم المؤمنين عائشة- أسماء بنت أبي بكر خليفة رسول الله وحموه، صُلب جسده في مكان، ووضع رأسه في مكان آخر، وبقي على هذه الحال أكثر من شهرين.
والحلاج حُكم عليه بالموت، فوضع قبالة الناس على الصليب، وقُطعت أطرافه واحدا إثر آخر، ببطء شديد على مدى ثلاثة أيام، وأُطعم من لحمه. ومحمد بن أبي بكر قُبض عليه، وحكم بالموت من قبل معتقليه، فوضع في بطن حمار وأحرق حيا. ويبدو أن هؤلاء القوم يستمتعون بالتعذيب، فالخليفة العباسي (السفاح) دعا الأمويين لتناول الطعام وأعطاهم الأمان. لكنه قتلهم ومد فوق جثثهم بساطا وتناول عشاءه على أنغام أنينهم واستغاثاتهم وصرخاتهم.
كما كان يتم دفن الناس أحياء. ومقابر صدام لم تكن سابقة تاريخية، فقد اقتدى بمن سبقوه. وليس هذا فحسب، بل كان الاعتداء على الأموات من خلال التمثيل بجثثهم، عادة معروفة لدى الأعراب، استخدمها الإرهابيون المتأسلمون في الفلوجة. وأمير المؤمنين الخليفة العباسي (السفاح) حين نبش قبور الأمويين وأحرق عظامهم. ولهذا لم يأت من عبث قول الشاعر العربي القديم (لا يضير الشاة بعد الذبح أن تُسلخ). ولا ننسى في عصرنا الحديث أن دولة صدام الذي خط بيده على العلم العراقي عبارة (الله أكبر) كانت تقطع ألسنة المخالفين وآذانهم، وتعتدي على ذويهم، وربما على نسائهم.
لقد ابتكرت دولة الخلافة الإسلامية على أنواعها ومسمياتها، التي يطالب بعودتها الإخوان وحزب التحرير وجماعات بن لادن ومن حذا حذوهم وفكرهم، وما يسمى بالصحويين، ابتكرت أنواعا وفنونا من التعذيب، تقشعر لهولها وبشاعتها الأبدان، كان اللاحقون يضيفها لمخترعات السابقين. حدثنا عنها الأستاذ هادي العلوي في كتابه الذي سنستعرضه لاحقا (من تاريخ التعذيب في الإسلام) والذي يقول بعد أن يصف أنواعه وفنونه ويعددها: quot;إني كلما خضت في تاريخ هذه الهمجية وددت لو أن البشرية لم توجد على الأرض، وأن الحياة بقيت عند حدود القردة العليا ، وذلك لأن همجية الإنسان معززة بالعقل المدبر الذي يفتح أبواب الخيال الإجرامي على مصراعيها. بينما تقتصر همجية الحيوان على تمزيق فريسته بسرعة تيسيرا لأكلهاquot;.
[email protected]