لا بد من التركيز على نقاط مهمة فيما يخص وضع الاكراد في الشرق الاوسط ، أهمها حين وضعت واشنطن الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على لائحة المنظمات الإرهابية بموجب قانونها الوطني الذي صدر بعد اعتداءات 11أيلول/سبتمبر 2001بسبب نشاطاتهما خلال المواجهات بين بعضهم البعض في التسعينيات ، ورغم ذاك القرار استمرت في دعمها لقيادتي الحزبين من الناحية السياسية والعسكرية ، وهو ذات الشيء بالنسبة لحزب العمال الكردستاني الموضوع على قائمتها السوداء ، والغريب في السياسة الامريكية هي انها تضع من تشاء على قائمة الارهاب في حين ان من تضعهم هم انفسهم شركاء لها في محاربة الارهاب ، وما يجري من تنسيق ودعم ومشاركة عسكرية بينها وبين الكرد في اقليم كردستان والمناطق الكردية في سوريا لمحاربة تنظيم داعش الارهابي خير دليل على تلك الغرابة ، او ربما ليس بغريب ما يحصل طالما انها سيدة العالم وصاحبة القرار في ساعة الصفر لأي حدث، ولا سيما ايضاٌ انها ازالت الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني فيما بعد من قائمة الارهاب عام 2014لتبدء مرحلة جديدة مع الكرد وفق غطاء شرعي . 

تتوضح العلاقة بين الادرة الامريكية والكرد من خلال المصالح المشتركة في منطقة الشرق الاوسط ، فهناك ميزان أمام الرئيس الامريكي دونالد ترامب، يتم وزن قوة الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني مع قوة حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان المعتقل في تركيا ، فبعد حرب العراق عام 2003 وسقوط نظام البعث تمسك الامريكان بالكرد واستقروا في مناطقهم بشكل واسع ، وقدموا الدعم للديموقراطي الكردستاني بشكل خاص حتى بات المساس به من قِبل الانظمة الغاصبة لدولة كردستان خط احمر وبالذات النظام الايراني الذي حاول جاهداٌ ان يضع العثرات امامهم من خلال تحريضهم للحكومة المركزية في بغداد بتعطيل المادة 140 والتي ترتبط تلقائيا بالمناطق المتنازع عليها بين حكومة الاقليم وحكومة بغداد ومن ضمنها ( كركوك ) ، وانشائهم الحشد الشيعي فيما بعد لمواجهة قوات البيشمركة ، ومن جهة اخرى الدعم الامريكي لحزب العمال الكردستاني الذي يتولى قيادة القوات الكردية في سوريا المحاربة لتنظيم داعش ، وحمايتهم من الهجمات التركية المتكررة في سوريا حتى وصل بها الحال الى نشر مدرعات وجنود على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا داخل المناطق الكردية ، تظهر هذه المعادلة الجديدة مدى قلة الخيارات بين الحزبين امام امريكا ، فمن دون العودة كثيرا الى الماضي ما حصل في الثورة السورية منذ عام 2011 وامتناع الطرفين عن محاربة النظام السوري وعدم دعم الشعب الكردي في سوريا لنيل حقوقه كان بمثابة امر غريب في ميزان البيت الابيض ، حزبان رئيسيان للكرد يمتلكان القوة العسكرية والاقتصادية يقفان عاجزين عن تحقيق متطلبات ابناء جلدتهم في سوريا رغم الفرصة السانحة من خلال الفوضى العارمة التي حصلت خلال الثورة ، وذاك ليس بالأمر السهل للتغاضي عنه ، وما حصل للشهيدة فريناز خسرواني في ايران 3 مايو 2015 حين تعرضت لمحاولة الاغتصاب من قِبل ضابط ايراني وأقدمت على الانتحار حفاظا على كرامتها والتي بدورها ادت الى اندلاع ثورة ضد نظام الملالي ، وقف الحزبان ايضا دون أي مساعدة في دعم الثورة الكردية في طهران ، وذاك ايضا داخل ميزان واشنطن ، فالحدثان تاريخيان واكدا بالدليل القاطع ان الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني لا يتجاوزان خطوطهم العريضة الحزبية وغير مستعدان لخسارة ما اكتسبوه طوال تلك الاعوام او المجازفة في سبيل الاجزاء الاخرى من كردستان ، وهذا ما يوضح لمؤسسي خارطة الشرق الاوسط الجديد ان دولة كردستان انتهت ، واصبح لكل جزء خصوصيته الخاصة به ، فلكلاُ منهما معركته ، احدهم مع الحكومة العراقية والثاني مع الحكومة التركية ، ومن خلال هذه الوقائع فان الادارة الجديدة تراجع نقاطها بين البرزاني واوجلان ولا يمكن ان تتغاضى عنها ، فالرئيس البرزاني استطاع ايجاد تفاهم مع شركائه داخل الاقليم من الاحزاب الاخرى لكن ذاك التفاهم كان تجاريا يتعلق فقط بصادرات النفط من الاقليم وواردات معبر ابراهيم الحدودي مع تركيا ، وظل الخلاف السياسي والفكري قائما على الارض مع باقي الاطراف ، حيث ان محافظة السليمانية المتمثلة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير هي شبه اقليم مستقل عن اربيل العاصمة ، مما يوضح ان الحزب الديموقراطي الكردستاني غير قادر على تامين مصالح الامريكان في المناطق الكردية كافة ولا سيما بعد فشل مشروعه في سوريا من خلال وكلائه من بعض الاحزاب الكردية الذين تخلوا عن قضيتهم الاساسية في سبيل الدعم المادي لأحزابهم وسرعان ما تفتت احزابهم ايضا لابتعادهم عن جوهر القضية الاساسية والتمسك فقط بالمصالح المادية والشخصية ، ومن ناحية العمال الكردستاني فهو ايضا ما زال غير منضبط من تحديد اهدافه في اجزاء كردستان الاربعة واتجاهه دائما في جهة واحدة وهي تركيا ومشروعه في سوريا هو مشروع ايديولوجي مرتبط بفلسفة قائد حزبهم عبدالله اوجلان ، وهذا ما يقلق الأمريكان نوعا ما . 

الطرفان الكرديان يحاولان وبحذر شديد ترجيح كفة الميزان لصالحهم في البيت الابيض وتزدادا خلافاتهم بشكل متسارع حتى وصل بهم الحال الى الاقتتال الكردي فيما بينهم حين اندلعت الاشتباكات بين قوات الطرفين في سنجار 3-3-2017 والتي راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى ، وبما تؤكده الوقائع فستبقى الامور مجهولة البوصلة القومية ، ويرتبط مصير الكرد بمدى استعداد الادارة الامريكية في محاربة التطرف الايراني والتركي معاٌ ووفق سياستها سيتم تحديد مستقبل كردستان بأجزائه الأربعة أي بمعنى ما زالت الامور مجهولة ولا شيء ثابت نتيجة مصالح الروس وامريكا التي تتناقض دوما فيما بعضها البعض على حساب شعوب الشرق الوسط بأكمله. 

كاتب ومحلل سياسي كردي سوري