من بعض مفارقات الكرد هو ذلك التداخل بين المرارة والحلاوة في حياتهم اليومية، منها فمنذ أيام قليلة تم تكريم المناضلة والأديبة الأمازيغية مليكة مزان من قِبل القائمين على جائزة المناضل الكوردي، الشاعر والأديب أوصمان صبري بكل حبٍ واحترام، وسط مراسيم أعدتها باقة من أدباء الكورد في مدينة (هام ) الألمانية، بينما في الفترة نفسها قامت الأجهزة الأمنية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي باعتقال المناضلة الكردية فصلة يوسف مع كوكبة من قيادات المجلس الوطني الكردي.

ومن الملفت أنه بالرغم من أن ثمة من يحاول جاهداً خنق الصوت النسائي الحر، إلا أن ثمة أطراف أخرى تعي قيمة المناضلات وتقدر مقام الحرائر في المجتمع الكردي، ولا تخشى تلك الأطراف من صوت المرأة ولا من الآخر المخالف، لذا وعن قناعة دعت نفس الجهات التي كرّمت الشاعرة الأمازيغية ومعهم لفيف من النشطاء وأنصار المجلس الوطني الكردي في أوروبا للمشاركة في وقفة احتجاجية أمام القنصلية الأمريكية في مدينة دوسلدورف الألمانية ضدّ الممارسات العدوانية لأنصار الإدارة الذاتية بحق الأحرار في المناطق الكردية، وذلك يوم غد الخميس في 18 أيار 2017، كما أن اعتبار المناضلة فصلة يوسف بمثابة أيقونة سياسية ونضالية في روج آفا إلى جانب كل من ليلى زانا وليلى قاسم وفريناز خسروي في الأجزاء الأخرى من كردستان، يدل على أن هذا الشعب بعامته وكتابه يجلون المناضلات ويقدروهن خير تقدير، هذا بالرغم من وجود شذاذ الآفاق بين صفوف هذا الشعب كما هو حال أغلب شعوب وملل الشرق.

ولمعرفة شيء عن تصورات وأفكار هذه المناضلة أي فصلة يوسف، سأورد ههنا فقط ثلاث مقاطع من الأجوبة التي تفضلت بها يوسف في الحوار الذي أجريته معها بتاريخ 02 كانون الثاني 2017 حيث تقول عن الجهة التي تعتقلها اليوم: "لا يوجد في برنامج حزب الاتحاد الديمقراطي ما يشير إلى أي مشروع قومي كردي في سوريا، وما قدموه من تضحيات كانت فقط لمحاربة داعش، وترسيخ مفاهيم تننظيمية أيديولوجية أو مصطلحات فضفاضة كمصطلح الأمة الديمقراطية". 

وعن دور المرأة قالت يوسف: "إن انخراط المرأة في الحقل السياسي بمثابة الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، كما أن إفساح المجال آمامها لتساهم في صناعة القرار السياسي ومنح الثقة لتتبوأ مراكز ريادية ليس بالأمر الهين" وتابعت القولَ: "ينبغي على المرأة المزيد من الكفاح والنضال في سبيل ما تصبو إليه، ومن حقها الطبيعي وأسوة بالرجل أن تتبوأ أي موقع سيادي شريطة أن تكون جديرة بالموقع الذي تشغله". 

أما بخصوص فرار معظم المثقفين وقادة الأحزاب الكردية من مناطقهم، وعن بقائها في الداخل رغم الظروف القاهرة في ظل الحرب وويلاتها قالت يوسف: "كأي مواطنة كان بمقدوري مغادرة البلاد لكنني آثرت البقاء في الداخل كي أبقى بجانب أبناء جلدتي أشاطرهم همومهم ومأسيهم لكن قناعاتي ومبادئي كانت دائمآ تشدني للبقاء والتشبث بالأرض رغم الظروف القاهرة والأخطار التي تحيط بنا، لأن مغادرة القيادات للوطن يخلق مزيدآ من اليأس والاحباط في أوساط شعبنا وتفقد الحركة الكردية مصداقيتها بين أبناءها".

عموماً لا نريد من الإدارة المحلية في قامشلو تكريم فصلة يوسف كما كرّم بعض الأدباء الكرد في ألمانيا الأديبة الأمازيغية مليكة مزان، بما أن تلك الإدارة أصلاً غير مخولة إلا بمحاربة تنظيم داعش نيابة عن القوى الدولية، والقيام باعتقال النشطاء وخناق أنصار المجلس الوطني الكردي عِوضاً عن جلاوزة نظام الأسد، وحقاً لو أن قصص الدفاع عن حقوق المرأة وعن حريات حرائر الشرق، والتطبيل بتخليصهن من تنظيم داعش الظلامي ليل نهار في إعلامهم المرئي والمقروء والمسموع، لم تكن نوعاً من البروبوغندا والتبجح الأيديولوجي، لما أقدمت قوات الأسايش التابعة لحزب الأمة الديمقراطية على اعتقال امرأة مناضلة صلبة ونبيلة مثل فصلة يوسف، وفي هذا الصدد كتب نائب سكرتير حزب يكيتي الكردي السيد حسن صالح قائلاً: "لا توجد قيم إنسانية لدى الذين يتبجحون ليلا ونهار بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة، بينما يعتقلون بغير وجه حق امرأة مناضلة شريفة" من مقام فصلة يوسف وذلك بدلاً من تكريمها، واحترامها، والافتخار بها. 

وبما أن أمراض شعوب وأنظمة المنطقة شبه مشتركة لذا ففي ختام المقالة نقول: إن ما نوه إليه المناضل والسياسي حسن صالح، وكذلك الممارسات الخرقاء لأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي يومياً، ومن وفوقها الادعاء المتواصل بأنهم يناضلون من أجل تحرير كل نساء الشرق من الفكر الظلامي والإرهابي، أنهم أعادوا بذاكرتنا إلى الوراء قليلا، وما كان قد عبّر عنه يوماً المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد بخصوص مَن يدّعي بأنه ضد انتهاكات حقوق الانسان في مكان بينما هو نفسه يمارسها ولا يخجل من ممارستها في مكان آخر، حيث يقول سعيد:"من أكثر المناورات الفكرية خسةً هو التحدث بعجرفةٍ عن الانتهاكات في مجتمع الغير، وتبرير الممارسات ذاتها في مجتمع المرء نفسه".