هناك بعض القصص المشهورة والامثال الشعبية والحكم القديمة لا زالت متداولة بين عامة الناس والتي تساعدنا على فهم بعضنا البعض، وتذكرنا دوماً بقيمنا الوطنية والاخلاقية والإنسانية الأصيلة، كما تساعدنا على فهم الواقع البائس الذي يحيط بنا بشكل أفضل وما يحاك من وراء ظهورنا وفي وضح النهار, ومن بين هذه القصص، قصة (الأمير بشير الثاني الشهابي الكبير)، وهو أحد أمراء جبل لبنان من آل شهاب، الذين حكموا المنطقة من سنة 1697 حتى 1842,، يروى أن الامير بشير و الذي يُعتبر من أحد أشهر الأمراء في تاريخ لبنان وبلاد الشام، قال لخادمه يوماً: تميل نفسي إلى أكلة الباذنجان، فقال الخادم : الباذنجان؟ بارك الله في الباذنجان،هو سيد المأكولات, شحم بلا لحم، سمك بلا حسك، يؤكل مقلياً ويؤكل مشوياً و محشيا ومخللا و مكدوسا, اما سلطة (بابا غنوج ) فهي من المقبلات المشهورة وسيد الاطباق يا مولاي....
فقال الأمير: ولكني أكلت الباذنجان قبل أيام وتوجعت منه.
فقال الخادم : الباذنجان، لعنة الله على الباذنجان، فإنه ثقيل، غليظ، نفاح، يتسبب في حرقة المعدة ومؤذي ومضر بالصحة على المدى البعيد.
فقال الأمير: ويحك يا هذا، تمدح الشيء وتذمه في وقت واحد؟
ضحك الخادم وقال : أنا خادم للأمير يا مولاي، لا خادم للباذنجان، إذا قال الأمير نعم قلت له نعم، وإذا قال لا قلت لا والف لا.....
نعم، هكذا كان ( الباذنجاني ) بالأمس، وهكذا هو اليوم، حيث تجده في اروقة السياسة، وفي الاعلام،والمؤسسات والوزرات الحكومية وفي صفوف الاحزاب والمنظمات والجمعيات، فهو ك( البرغي )*يلف ويدور حسب طلب المفك.
وما اكثر( الباذنجنيين ) اليوم في إقليم كردستان، لنفترض جدلا، لو اصدرأحد المسؤولين الكبار في الإقليم قراراً مسبَّباً يطلب بموجبهِ تاجيل (إجراء وتنظيم الإستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق) الى اشعار اخر، يخرج (الباذنجاني الموهوب) فورأ وعلى الملأ ليبارك قرار المسؤول ويصفق له ويقول : (نعم...نعم السياسة فنّ الممكن وليست مجازفة، وانها لعبة مصالح لا تعرف المبادئ والقيم والاخلاق، وان مرجعنا حفظه الله ورعاه خاضع لاحكام الظروف والمتغيرات السريعة والتهديدات الإقليمية والدولية، اسمعوه يا قوم جيدا فهو يعرف أكثر ويضع مصلحة الجميع فوق جميع الاعتبارات انه ظل الله في الارض )، والاكثر من هذا يستند إلى القاعدة الميكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة، ليست في السياسة فقط وانما في ادارة السلطة والتسلط والتبعية وووووالخ) و ينتقد بقوة كل من لا يتقن فن الاستدارة والخداع واللف والدوران والمرواغة والتراجع والتملق, وخاصة الذين ضحوا بحياتهم وبمواقعهم في سبيل حرية الوطن وسعادة الشعب، نعم الذين تمسكوا بمبادئهم ومواقفهم ولم يتراجعوا عنها قيد أنملة امام الاغرات المالية المنهوبة اصلا من قوت وثروات الشعب والمناصب المزيفة والكارتونية، ولو تراجع المسؤول وغير رأيه في اليوم التالي وقال نعم للاستفتاء والاستقلال، يخرج (الباذنجاني من صومعته ليروي حكاية الاستفتاء بلا حشمة ويجاهر بضرورة الاستقلال و الانفصال كحق من حقوق الشعوب في تقرير مصيرها )، كما يبارك تراجع المسؤول عن قراره مطبلا للاستقلال، املآ بكرسي اومنصب اكبر، او من اجل الوصول الى مصالح ذاتية على حساب (باذنجانيته ) اذ صح التعبير.
هذا هو طبع الباذنجاني الذي يؤمن بالنظرية المورثة عن الأزمنة الباكرة، وخاصة زمن الحكم البعثي الفاشي، نظرية (الرئيس هو الجميع ) و (ان لم تكن معنا فانت عدونا)
اختتم مقالتي بمقولة للامام الشافعي في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي( لا خير في ود امرءٍ متلون إذا الريح مالت، مال حيثُ تميل).
اترككم بالف خير، و أتمنى الشفاء لجميع المصابين بمرض ( الباذنجاني ) الخبيث والمعدي.
ــــــــــــــــــــــــ
*المِروَد أو اللولب، و(البرغي) كلمة تركية اصلها ( بورغو وتعني لف او دوران )
- آخر تحديث :
التعليقات