يقول الباحث الفرنسي بيير روندو: «القضية الكوردية مفتاح حل قضايا الشرق الأوسط».

لأنه قائد تاريخي، نموذجي، بحكمته وسياسته وتعامله مع الخصم فقد طلبه سادة العالم، وسيعود حاملاً في سرواله الكوردستاني ليس فقط مفتاح الدولة الكوردية؛ بل مفتاح الشرق الأوسط الجديد، وحلّ قضايا معقّدة قد ترسم في المستقبل آفاقاً جديدة لأصحاب الحضارات من الغرب والأوروبيين، وسيعلن بنفسه قيام الدولة الكوردية المستقلة. 

بعد أن رفعت الولايات المتحدة الأمريكية حزبي «الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني» من قائمة المنظمات الإرهابية كشرط أساسي من قبل رئيس إقليم كوردستان العراق مسعود البارزاني لأن يزور واشنطن (معقل سادة العالم)، وبدوره وكما هي عادته يحمل البارزاني في جعبته مشروع إقامة (تحالف) دائم، وحلولاً ورؤى تمكنهم من حلّ معظم معضلات الشرق الأوسط التي أثرت ولا زالت تؤثر على مصالحهم ومستقبلهم.

كوردستان المقسّمة والمشتّتة بين أربع دولٍ نمرودية، ففي العراق إقليم فيدرالي معترف به محلياً ودولياً، في ظلّ تخبّط حكومة المركز وسعيها دوماً لتعطيل اتفاقاتها وخيانة وعودها، وفي تركيا القسم المنخرط في مفاوضات بائسة مع الحكومة التركية، ولعلّ أسمى تسميها لها هي (مفاوضات لاستمرار الحرب)، لأن قادته تخلّوا عن كوردستان مطالبين فقط بالمواطنة وأممية الشعوب والحقوق الثقافية في تركيا ديمقراطية موحدة، وفي غربي كوردستان المشتعل بألف نار ونار (القسم السوري) يعملون على تحديد مستقبلهم من خلال المشروعين المتناقضين غير المتفقين، مشروع الإدارة الذاتية البعيد عن تطلعات وآمال الكورد ومشروع الفيدرالية المشتّت والمبعثر هنا وهناك، وكلاهما خطّان مستقيمان لا يلتقيان أو ربّما لن يلتقيا طالما أن أحدهما يرفض الفكر القومي ويضع يده في يد العدو فقط من أجل شرب فنجان من القهوة، والآخر لا حول له على المدى الآتي، أما في إيران فأحفاد الشهيد قاضي محمد بدأوا ينتفضون ضد الملاليين، ولربما هم الأبعد عن نيل الحياة، ولو على المدى المقروء. 

كوردستان هي إسرائيل ثانية بالنسبة للكثيرين من المنظمات والأحزاب والقادة السياسيين والعسكريين في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى، وهذا ما يرفضه جيرانها، لأن إسرائيل تريد أن تتحالف مع البارزاني، وأن تقوى أكثر لتتخلّص من حراسة العرب العلويين له المتمثل ببشار الأسد ووالده حافظ الأسد، فإن أراد اليهود المنتشرون وبقوة في مراكز صنع القرار في العالم فما على الأمريكان إلا أن يجهدوا لتحقيق ذلك، ومراعاة مصالحهم ومصالح حلفائهم، وقد أبلغت واشنطن أن استقلال كوردستان عن العراق أمر محتوم ومفروغ منه، فالعلاقة بين الإسرائيليين والكوردستانيين قديمة وتعود إلى أيام الثورات التي أعلنها الراحل مصطفى ملا البارزاني عام 1963م ضد الحكومة العراقية وجيشها وأسلحتها، فطوال 12 عاماً وقفت إسرائيل الى جانب الكورد ودعمتهم، وكانت لديها وفد من المستشارين الكورد يتغّير كل ثلاثة أشهر، ويضم ممثلاً عن الموساد وضابط من الفرق الخاصة ومستشار تقني وطاقم طبي. 

فقد وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الكورد "الشعب المناضل"، الذي أثبت التزامه واعتداله السياسي والفكري، فهم يريدون أن يتصادقوا مع الكوردستانيين، فكما إسرائيل تعدّ «بعبعاً» في قلب الوطن العربي عامة والشرق الأوسط خاصة، فكوردستان هي أيضاً تعدّ «جنة استقرار» سياسي واقتصادي في قلب العراق المنزلق في صراعات سنية شيعية، ومستقبلاً في قلب سوريا التي ستتقسّم لا محال. 
أما العرب فقد اعتبروا إسرائيل – ظاهرياً – العدو الأول والأخير، وهم نجحوا في ترسيخ هذا الأمر في نفوس شعوبهم منذ قرابة قرن، وما وراء الكواليس – باطنياً – فهي الصديق الأول والأخير للقادة والرؤساء والملوك والزعماء العرب، يعملون جاهدين وبشتى الوسائل الممكنة على حمايتها وإرضائها في سبيل إبقائهم على السلطة، وعدد حقوق الردّ المحتفظ بها للغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية تخطّت المئة حق، وهو أكبر مثال حيّ على أن إسرائيل هو الصديق الحميم للعرب في ظل انتعاش إسرائيلي وتفتت وانهيار عربيين، ثم لا يمكن لأيّ مجتمع حرّ الفكر وجيد التنظيم أن يُحكم من قبل الطغاة، فالمجتمع الفاسد الذي يبدأ بالضياع هو مجتمع سهل حكمه، والشخص الذي يقف للاشيء سيقع لكل شيء.

قال الدكتور الجيولوجي الكوردي “بيوار خنسي“ قبل عشرين عاماً ببحثه الجيولوجي في جامعات هولندا: «كوردستان ستششهد استخراج آخر برميل نفط في العالم، وبين قامشلو ودهوك لا كركوك»، ونظام الأسد لم ينقب عمداً عن النفط أكثر في المنطقة خوفاً من جذب الغرب للكورد وغربي كوردستان، فذهب ليبحث عنه في الساحل ودير الزور واستخراجه. 
مائياً، يقول علماء البيئة أن الحرب العالمية الثالثة لن تكون إلا على الماء، وكوردستان بدورها تضم مصادر مياه كبيرة، تمد حالياً تركيا وسوريا والعراق بها، وشراء إسرائيل الماء من تركيا منذ مدة طويلة سيتوقف ما إن وضعت يدها في يد الكوردستانيين، عندها ستحصل على الماء من الدولة الكوردية وليس إقليم كوردستاني واحد.

في الحملة الإرهابية لتنظيم داعش "الجناح العراقي المدعوم من المالكي ومَن معه" على إقليم كوردستان، ومع اقترابهم من هولير (مركز تواجد شركات غرفة التجارة الأمريكية) تدخلت أمريكا بمشروع قرار من مجلس الأمن الدولي يقضي بتشكيل تحالف دولي جوي لضرب أهداف استراتيجية لمواقع داعش وإضعاف قوتهم ووقف انتشارهم، فعندما هاجمت داعش المسيحيين عمل الجميع بالطرق السلمية لنجاتهم، وأثناء مهاجمة شنكال ذي الغالبية الإيزيدية والذين تشردوا صغاراً وكباراً في الأراضي والسلاسل الجبلية تدخلت المنظمات الإنسانية والغذائية العالمية بفعل الضغط الإعلامي والشعبي لتأمين المأكل والمأوى لهم، ولحظة اقتراب داعش من هولير تدخلت هنا إسرائيل، وطالبت من أمريكا أن تقصف داعش ومواقعه ومقاتليه وقوافله مرة واثنان وثلاث، وكل ذلك أصبح حقيقة تم رؤيتها بالعين المجرّدة، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن إسرائيل تريد أن تكون كوردستان حليفتها المستقبلية باعتبارها حليف غني سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، ويملك جيشاً جبّاراً من البيشمركة، وباعتبار أن العرب لا يعترفون بهما كدولتان استراتيجيتان في الشرق الأوسط سياسياً واقتصادياً لهم وللعالم. 

لا شكّ أن الاستحقاقات الكوردية التي ستنتج عن لقاء القرن بين “ترامب والبارزاني“ ستغيّر الكثير من المعادلة الإقليمية والدولية، فالكونغرس الأمريكي سيوافق على تسليح قوات البيشمركة بشكل علني ووفق اتفاق ورعاية دولية، عندها سيكون تمثال الحرية وبرجي إيفل وبرلين في كوردستان عاجلاً أم آجلاً، وسيصبح البارزاني تيودورستان إن عمل على ما يلي: “هناك فارق بين أن تأخذ النفط وتستبدَّ الشعب، وبين أن تأخذ النفط وتبني الشعب“. 

الغرب في سبيل أن يحصلوا على حصةٍ من نفط أي دولة يقومون بصناعة الحروب والثورات ويجعلون من الأنظمة منظمات إرهابية لتمارس إرهابها ضد شعبها، إذاً ليكن النفط الكوردستاني دم يغذي شرايين الدولة الكوردية لقرون وقرون، وتقسّمه إلى قسمين، قسم للغرب وقسم لكوردستان – علنياْ لا سرياً – لألا تكون كوردستان كإسرائيل (عدوة بعين الشعب وصديقة بعين النظام الحاكم)، وليقف الكورد على قدميهم، ثم لماذا نضع الشعب في مواجهة المآزق والمهالك؟ ولماذا الوقوف ضد التطوّر والتقدّم؟ ثم أليس المحتلون لكوردستان منذ قرابة قرن يجنون ظاهر وباطن أرضنا أهم ثروات وبها يزيدون قمعاً واضطهاداً؟ ليأخذوا النفط ولنحمي كوردستاننا، ولنكن إسرائيل ثانية للغرب والأوروبيين.

إن علاقة أمريكا بإسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، فقد كانت ولا تزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها؛ لأنها متأصّلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي. فإسرائيل هي التي تتحكّم بالقرارات الكبيرة والمصيرية داخل الأنظمة الأمريكية، بسبب نفوذها وتوغلها العميق داخل المجتمع الأمريكي، لأن معظم المسؤولين الأمريكيين الكبار هم من اليهود، وهم العامل المساعد الأكبر والحاسم للمترشّحين للرئاسة والكونغرس من حيث قدرتهم على تمويل الحملات الانتخابية، فاليهود هم أصحاب منظمة ”آيباك” وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي لتحقيق الدعم الأمريكي لإسرائيل وحمايتها من العرب ومنظماتهم وثوراتهم، إذ لا يمكن لأيّ مرشح للرئاسة الأمريكية أن يفوز إلا إذا حصل على الدعم المباشر من المنظمة التي تسيطر على مفاصل الحياة السياسية للأمريكيين، ثم إسرائيل تعتبر حارس أمين لمصالح الأمريكان في الشرق الأوسط، وبالتالي تعد الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية، وستكون كوردستان إسرائيل ثانية في المستقبل القريب، والولاية ذات الرقم «52». 

نعلم جيداً أن شاه إيران شرطي أمريكا في المنطقة، سقط منذ 36 عاماً، واستعملت الولايات المتحدة تركيا العسكرية بديلاً له لمؤازرة إسرائيل في المنطقة، وبعد استيلاء إخوان أردوغان على الحكم في أنقرة لا بدّ لأمريكا أن تبحث عن حليف آخر قوي، فإسرائيل لوحدها غير قابلة على الصمود في وجه ما يجري من حولها من تشدّد ديني وطائفي وحروب مستعرة، وليس هناك سوى كوردستان، وإن كانت كوردستان بأيدي الإسرائيلين كما كان العرب، فعندها الكورد سيكونون مجرّد ورقة “جوكر“، يستخدمونها متى شاؤوا ويقضون عليها نهائياً إن لزم الأمر! 

المحلل السياسي العربي الدكتور غسان سلامة قالها إثر انتفاضة جنوبي كوردستان في ربيع 1991م وبعيد الهجرة المليونية وما تلاها من منطقة آمنة وحماية دولية، وعلى إذاعة مونتيكارلو الدولية: «الكورد سيتقدمون لماماً شاء العرب أم أبوا، والأفضل للدول العربية دعم الكورد ومنحهم حقوقهم وكسبهم إلى جانبهم ليبقوا حلفاء وجيران أفضل من قموعين أعداء سيرتدون منتقمين يوماً، وسيتحالفون مع كل عدو للعرب وأولهم إسرائيل». 

ويبدو أن لا العرب ولا تركيا ولا إيران مستعدة لمنح هذا الحق لشعب من 40 مليون جار وأخ في الدين، وإسرائيل هي الأكثر إدراك للمستقبل ومعرفة به، ولكسب تحالف هذه الطاقة البشرية الهائلة التي ستنفجر كبركان يوماً ما ولن توقفها قوة.. كما قال الرحالة والمؤلف البريطاني الشهير دبليو آتش هاي قبل قرابة 100 عام : «عندما يتوحّد الكورد ستتطاير أمامهم الدول العربية والفارسية والتركية كالغبار». 

مختصر الكلام: جميع الحروب في العالم كانت حول المستعمرات والثروات وإنشاء القواعد العسكرية وبناء المصالح عليها، أما في الوقت الحاضر فالحروب والأسلحة لا تعني شيئاً بالنسبة للدول العظمى والصناعية بقدر حاجتهم للاستقرار والسلام، فهناك دول كثيرة تضررت اقتصادياً من الحرب في سوريا، ولم تستطع إرسال صناعاتها كالسيارات والكومبيوترات والهواتف المحمولة... الخ إليها، فيما تأكد لدى أمريكا والغرب بأن حدودهم توقفت وامتدادها غير قابل للتطور، وهم يبحثون عن حليف صادق قوي لتأمين السلام والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط للمحافظة على مصالحهم، ولن يجدوا قوة كقوة كوردستان، فهم يعلمون جيداً أنها كبيرة واستراتجية بين مراكز قارات ثلاث تقريباً وبين الخليج وقزوين (القوقاز) أكبر مصدرين للنفط والغاز عالمياً، لكنهم يتكتمون عن ذلك.