بدأت الصراعات الجانبية والحرب الاعلامية الطائفية والأثينية في قضية الموصل وعلى أرضها، بينما قطعات الجيش لم تنه واجباتها في تطهير المدينة من المقذوفات والالغام، ولم تنجز بعد مهام ملاحقة فلول داعش، واذ تتنافس الأطراف والفصائل العسكرية والسياسية والعشائرية على كسب دور السلطة في الموصل أو المشاركة فيها، فأن الحكومة العراقية لم تقدم قرارها بما ستكون عليه الأوضاع الادارية والأمنية في الأيام المقبلة، وكيف ستعالج الكوارث التي أنتجتها جريمة داعش..؟

 لابد من الاعتراف بأن الأزمة الإطارية لمجمل أزمات العراق والعملية السياسية في ال١٤سنة الماضية، تتمثل في غياب البرنامج الاستباقي، أو الرؤيا التي تتساوق مع قواعد الاستراتيجية في إعادة تشكيل الحياة وتوطين السلام الأجتماعي، وتوفير مستلزمات الاستقرار في دولة مدنية ديمقراطية وبيئة اجتماعية صالحة..!
هذه الاشكالية تلازم الاطراف السياسية العراقية جميعها، ولعلها تمتد الى ماقبل زمن التغيير والغزو عام ٢٠٠٣، حينما كانت تجتمع الاحزاب والشخصيات السياسية المعارضة لنظام صدام وتنتقده بأبلغ عبارات الاعتراض والإدانة والنقد السياسي، لكنها في الغاطس كانت تمني ّ نفسها بأدوار السلطة البديلة للرئيس العراقي صدام حسين، وليس كتابة دستور وطني وقوانين مدنية حديثة قادرة على تحقيق انجاز التغيير والتحول الديمقراطي، أو رسم سياسة استراتيجية لبناء دولة مدنية تحقق سلطة العدالة والسلام والرفاه الأجتماعي وتنتهي نمط الحكم الدكتاتوري وتأثيراته الاجتماعية والنفسية، نعم هذا ماتترجمه الآن معطيات عقد ونصف العقد من التجربة السياسية العراقية واحباطاتها.

 انطلقت قبل نحو عشرة شهور معارك تحرير الموصل، ونبهنا الى أهمية وضع برنامج سياسي علاجي لادارة مدينة الموصل بعد ان تسكت المدافع، والجميع يعرف خلفيات ماحدث من سوء الادارة والوضع الأمني والتشنج السياسي بين حكومة (المالكي ) وحكومة (النجيفي )، وكانت واحدة من اسباب سقوطها وتكبيد العراق خسائر فادحة وتاريخية ناهيك عن دمار المدينة.
الان أُضيف للمشهد السياسي والميداني في الموصل أسباب أخرى تزيد من تعقيد المشكلة وتكرس صعوبات جمة تستدعي جهودا استثنائية لحلها، ونقصد بها الفصائل المسلحة للمسيحيين والايزيديين والبيشمركة وال به كه كه، والحشد الشعبي والحشد العشائري وفصائل مسلحة أخرى، وكل من هذه التشكيلات لها مآرب وأجندات خارجية، مايدعو الحكومة للحؤول دون وقوع نزاعات بينية أو تصادمات ومعارك سلاح، سيما وان المدينة ماعادت قادرة على استيعاب المزيد من الخراب والنكبات.

 الحكومة وقواتها المسلحة، كونها الطرف الأقوى على الأرض بين الفصائل المسلحة، عليها واجب ان تفرض النظام والسلام بقوة وصرامة لاتقبل التساهل أو الاستثناء مع هذا الطرف او ذاك، لأن ترك الأمر بيد الفصائل والجماعات المسلحة المتواجدة في الموصل، سيطلق القتال طلبا للثأر والانتقام أو لفرض النفوض والتسلط وغيرها من موجبات الحروب الأهلية، لذا ينبغي على القوات المسلحة العراقية ان تكون مهمتها الأخيرة في المدينة الواسعة هو تنظيفها من فوضى السلاح وحصره بيد الدولة فقط.

 الواقع الموصلي الآن يستدعي مبادرة سياسية من الحكومة مصحوبة بقرارات ادارية سريعة تنسجم مع واقع الطوارئ الذي تعيشه المدينة، بمشاركة وحضور كافة الاطراف المؤثرة في المشهد الموصلي المعقد والمتداخل، نعم لابد من مبادرات سياسية عاجلة لتفادي أي فرصة لنشوب اقتتال داخلي لايمكن السيطرة عليه إن وقع.