بعد نحو 14 عاما على التحول المفترض نحو الديمقراطية ورغم الخسائر البشرية والمالية الهائلة على مذبح الحرية في العراق، إلا ان كل الوقائع على الأرض تشير الى انه يتجه بصورة حثيثة لتكريس هيمنة رجال الدين والتحول نحو دول ثيوقراطية بخصوصية عراقية وفي حالة منفردة لاتشبه اي دولة او اي تجربة سابقة.

وعلى الرغم من ان الدستور العراقي يكفل الحريات الخاصة والعامة إلا ان هذا الدستور بقي حبرا على ورق ولم تحترمه حتى المؤسسة التشريعة ولا السلطة التنفيذية التي تُصِدر قرارتها بالتراضي وبالتوافق وما يضمن تقاسم المصالح والموارد المالية بين الاحزاب المشتركة بالسلطة وليس بما يطابق احكام الدستور.

تطبيق بعض المظاهر التي تنسب الى الديمقراطية الإجرائية أوالتمثيلية(الشكلية) مثل الإنتخابات لاتجعل من البلد ديمقراطيا،في ظل غياب شبه تام للديمقراطية التشاركية أو بما يعبرعنها بغياب مشاركة السكان في تدبير الشأن العام، فضلا عن غياب القضاء المستقل القادر على الفصل في النزاعات الكبرى ومحاسبة المسؤولين، وعدم وجود صحافة حرة ومستقلة لديها الكفاءة والخبرة الكافية التي تمكنها من رقابة السلطتين التنفيذية والتشريعية.

و حتى الإنتخابات لاتُجرى بصورة طبيعية و تغيب فيها إرادة المواطن وتصادر حريته في الإختيار لأنه يكون تحت تأثير الفتاوى الدينية والخوف من المذهب الآخر بالنسبة للشيعة والسنة، والخوف العرقي بالنسبة للاكراد وباقي الاقليات القومية، ما حولَ الإنتخابات الى مناسبة لتكريس الانقسام المذهبي والعرقي والاثني في البلاد وليس للتعبير عن الإرادة الحرة في إختيار ممثلين الشعب على اساس الكفاءة والبرامج الإنتخابية والحاجة الحياتية للناس.

وبهذه الطريقة تفقد الإنتخابات كل معناها و تكون أهم مقومات الديمقراطية وهي ان تكون الحاكمية للجماهير وان يكون الشعب مصدر السلطات، غائبة و مفقودة لمصلحة إرادة وحاكمية رجال الدين، و يكون العراق أقرب للحالة الثيوقراطية منها الى الحالة الديمقراطية،لاسيما وان الفرق بين الدولة الديمقراطية والدولة الدينية هو ان الأولى تخضع لإرادة الجماهير وتشرع قراراتها وقوانينها عبر برلمان منتخب وتحت الرقابة العامة، اما الثانية فتسير وفق فتاوى رجل دين واحد او مجموعة من رجال الدين ومن ثم تمنح تلك الفتاوى الصبغة القانونية بإقرارها في البرلمان.

وبعد عام 2003 ومع الدعاية الضخمة عن إنشاء اول ديمقراطية في بلد عربي إلا ان العراقيين فقدوا حتى بعض الحريات الخاصة التي لم تمسها الدكتاتوريات مثل حرية الملبس وأسلوب الحياة، فالحجاب اصبح مفروضا على الفتيات في المدارس والمؤسسات الحكومية وحتى الشارع في جنوب البلاد ووسطها وغربها،وتم فصل الإناث عن الذكور في المدارس، وهناك وجود نهج محموم من الأحزاب الإسلامية لتطبيق هذا الفصل حتى في الجامعات، أضافة الى ذلك تم الغاء او إهمال مواد (الموسيقى والرسم والرياضة ) في المدارس واعطاء حصصها لمواد دراسية أخرى، كما تم التركيز على دراسة الدين بطريقة طائفية تعتمد نشر التطرف وتقديس العنف. 

وتفرض المؤسسات والاحزاب والجماعات الدينية سيطرتها واجندتها على الناس في وسط وجنوب العراق بصورة علنية ولعل أوضحها منع الحفلات الموسيقية والمهرجانات الغنائية في المحافظات والمناطق ذات الغالبية الشيعية.
اما المحافظات ذات الغالبية السنية فهي خلال السنوات الماضية كانت خارج سلطة الحكومة غالبا و تحت سيطرة التنظيمات المتطرفة متمثلة بالقاعدة وداعش والجماعات الدينية الجهادية الأخرى، التي نفذت احكام وطريقة حياة القرون الوسطى في تلك المناطق، وحتى بعد تحررها من تلك التنظيمات فإن مستقبلها سيكون تحت سيطرة التيارات الدينية من (اخوان مسلمين وسلفية وغيرها).

وفي كردستان الحال ليس أفضل من باقي مناطق العراق في ما يخص الديمقراطية إلا انه يختلف في ان كردستان تتجه بصورة حثيثة نحو توليتارية قومية كردية دكتاتورية وقمعية بطريقة قبلية ذكورية متخلفة لاتختلف كثيرا عن الجنوب والوسط.