غاب العراق أو غُيب عن أي تأثير في المنطقة والعالم منذ الإحتلال الاميركي عام 2003 حتى اليوم، بسبب الطبقة السياسية التي حكمته، حيث كانت من التناقض وانعدام الرؤية والذكاء السياسي والتبعية الى الدرجة التي غيبت بلدا بحجم العراق وبما يمتلكه من إمكانيات وموقع جيوسياسي عن الخارطة السياسية الدولية الى الدرجة التي نسي فيها البعض وجود هذا البلد.
ومع وصول أحزاب إيران الى السلطة وحصول "حزب الدعوة الإسلامي " على رئاسة الوزراء عام 2005 باتت التبعية شبه مطلقة، حتى أصبحت صناعة القرار العراقي وسياسة هذا البلد ومواقفه تُصنع في طهران، ما دفع الكثير من دول العالم إلى التفاوض معها وليس مع بغداد على قضايا تخص الشأن العراقي.
ولو كانت سياسة العراق مستقلة وحيادية وغير منحازة الى (صراع المحاور) كما يردد بعض ساسته، لتفهم الجميع الوضع الخاص الذي يمر به هذا البلد، ولأصبح موضع تقدير واحترام كبير من جيرانه وجميع دول العالم.
لكن الحقيقة خلاف ذلك، فالعراق تحول إلى صدى للسياسة الإيرانية وقاعدة لتهديد دول الجوار من خلال إنشاء جماعات ومليشيات مسلحة لاتخفي نيتها في إستهداف دول الخليج والعبث بأمنها، كما لاتخفي ولاءها المطلق للولي الفقيه الايراني خامنئي وتعلن بلا خجل انها تأخذ أوامرها منه، ضاربة عرض الحائط دستور وقوانين ومصالح البلاد.
وهذه الميليشيات لاتختلف كثيراً عن داعش في مشروعها الكوني وحلمها في إنشاء "دولة اسلامية " في المنطقة يحكمها (الولي الفقيه)، وهي تعمل بمثابرة عالية لتحقيق هذا الهدف لاسيما بعد إمتلاكها اسلحة ومعدات وتجهيزات عسكرية لاتملكها بعض الجيوش في العالم.
ورغم ان أهداف هذه الميليشيات غير قابلة للتحقيق ودول المنطقة قادرة على سحقها بسهولة ويسر، إلا إنها تبقى قادرة على زعزعة الأمن ولو لفترة معينة وربما إشعال فتنة طائفية كبرى تأتي على الأخضر واليابس في منطقة هي أصلا تعاني منذ ثلاث سنوات بسبب الإرهاب وهبوط اسعار النفط.
ورغم كل ذلك فإن الاحزاب الحاكمة (السنية والشيعية وحتى الكردية ) لاتكترث كثيراً لمصير بلدها ولا لقلق غالبية دول الجوار، ومازالت تراهن على إيران وتركيا اللذين يتقاسمان حاليا صناعة القرار في بغداد، لأن نسخة الاخوان المسلمين في العراق (الحزب الاسلامي) وبعض سياسي السنة، أرتموا في احضان انقرة واردوغان منذ عام 2012 بذريعة تحقيق التوازن مع النفوذ الإيراني، وبالتالي غُيبت الإرادة والمصلحة الوطنية أكثر لصالح دولتين لديهما أطماع غير مخفية في العراق خاصة وفي منطقة الخليج العربي عامة.
ويبدو ان الأحزاب المتقاسمة للسلطة في بغداد فهمت الدعم العربي والعالمي للعراق في حربه على داعش، بشكل خاطئ، وفسرته على انه دعم مطلق، وان اميركا ومعها الدول الأخرى ستستمر بهذا الدعم وستتغاضى عن تحويلهم البلاد الى معسكر كبير لتدريب الجماعات المسلحة التابعة لإيران وتركيا وقاعدة لتصدير الإرهابيين الى دول الجوار والعالم.
العالم اليوم في حرب كونية على الإرهاب و يرى ان انقرة وطهران هما اكبر عاصمتين داعمتين ومفرختين للإرهاب، فاميركا لن تنسى ابدا دماء جنودها الذين قُتل غالبيتهم بسبب دعم طهران للقاعدة والجماعات المسلحة والميليشيات في العراق، واوروبا لن تنسى دور اردوغان في انشاء تنظيم داعش وتوفير الدعم اللوجستي له وتحويل تركيا الى معبر لإنتقال عناصر التنظيم الى سوريا والعراق ومنهما الى اوروبا والعالم.
آن الأوان لأن يدرك ساسة المنطقة الخضراء ان قواعد اللعبة قد تغيرت وعليهم ان يختاروا بين انتشال بلدهم من انقاض الحروب والدمار والاستفادة من الدعم الخليجي والاميركي في إعادة بنائه، او البقاء تحت النفوذ المزدوج لطهران وانقرة وهو ما يعيد العراق الى خانة الدول المارقة ويضعه في مواجهة غير متكافئة مع العالم، قد تهدد وجوده هذه المرة وتحول ساسته من مدللي واشنطن الى إرهابيين مطلوبين دوليا وحينها لن تحميهم جنسياتهم الاجنبية ولا الأموال التي سرقوها خلال العقد الماضي ولن يجدوا مكانا يأويهم غير السجن أو القبر.
- آخر تحديث :
التعليقات