أنيرت بغداد بمصابيح الكهرباء عام 1917 حين علقت في شارع الرشيد أضوية تمطر البهجة في ليل بغداد المفروش بالأمان والوداعة، لم يدر بخلد المهندس الأنكليزي الذي نصب المحطة الأولى في باب المعظم ان البلاد ستغرق في الظلام بعد قرن من الزمان.
قديما لم نكن نعرف انقطاعا بالكهرباء، واذا حصل نسمع كلمة ( فيوز ) بمعنى قطع، وسرعان مايجري ربط السلك المعدني لتتعالى صيحات النور والصلوات على محمد وآل محمد.
مئة عام من التاريخ العراقي وحياة الكهرباء في العراق متذبذبة حسب الأزمنة ونظام الحكم ونزاهة العاملين في هذا القطاع، ومع الاختلاف بنوع ونمط السلطة ونظام الحكم السياسي، فأن حياة المواطن العراقي لم تخل من الأمان بوجود الكهرباء كلازمة اساسية للعيش والعمل حتى صارت ترتبط بكل مستويات الحياة، وبخلاف هذا فأنه لم يعش العسف والحرمان وازعاجات انقطاع التيار الكهربائي الإ بعد الحروب ومانتج عنها من تدمير البنى التحتية للطاقة ومنها محطات الطاقة الكهربائية، وتحديدا في فترة الحصار الجائر الذي فرضته امريكا على العراق ومنعت بموجبه أي بناء أو تقدم في قطاع خدمات الكهرباء والطاقة.
سقط نظام صدام وقلنا سيذهب الحرمان، كان العراق ينعم بأربعة الآف وخمسمائة ميكاواط من الكهرباء والقطع المبرمج بعدالة تشبه قسوة النظام، قال الخبراء ان البلاد يلزمها سبعة آلاف ميكاواط لتسبح بالنور في الليل والنهار، واذا منّ الله على المسؤولين الخيرين بأمكانية عودة الحياة لمصانعنا ومزارعنا نكون بحاجة الى عشرة الآف ميكاواط اخرى.
سألت خبراء ومختصين بشؤون الكهرباء من العراقيين والعرب والأجانب، أجمعوا بأن سعر تكلفة الأنتاج والنقل والتوزيع تبلغ مليار دولار لكل ألف ميكاواط، هذه الكلفة محسوبة في أصعب وأخطر الظروف.
العراق انفق اكثر من أربعين مليارا من الدولارات خلال ١٤ عاما ولم يحصل المواطن على حاجته للكهرباء خصوصا في فصل الصيف الطويل وارتفاع درجات الحرارة، بما يجعل غياب الكهرباء نوعا من التعذيب النفسي والجسدي.
تتحدث بيانات وزارة الكهرباء عن معدل تجهيز يبلغ ١١ الف ميكاواط او اكثر، وما مر عام دون وعود سرابية يطلقها وزير الكهرباء عن النعيم الذي سيتمتع به المواطن في الصيف المقبل لاننا سنقضي على أزمة الكهرباء، بل ان بعضهم بلغت به درجة الأكاذيب الى تهنئة العراقيين بأنهم سيصدرون الكهرباء للعالم...!
أزمة الكهرباء في العراق تلخص فشل الحكومات المتعاقبة والعملية السياسية بعد ٢٠٠٣ والقائمة على المحاصصة والفساد وعدم اختيار كفاءات وطنية علمية وادارية نزيهة ومجربة في هذا القطاع، أو اناطة ملف الكهرباء بشركات عالمية يابانية أو ألمانية لإعادة بناء وترميم هذا القطاع، ماجعل هذه الوزارة تترهل بفسادها وسوء أدائها مع هدر مليارات الدولارات غير المنتجه سوى للاكاذيب والوعود الزائفة يطلقها هذا الوزير او ذاك المسؤول.
يبدو اننا بحاجة مرة أخرى الى المهندس الانكليزي الذي نصب أول محطة للكهرباء في باب المعظم قبل مئة عام...!
نعم... بعد مئة عام من التطور الذي يعيشه العالم، لم يجد المواطن العراقي غير العتمة ووعود كاذبة تدفعه ان يكره نفسه وقدره السيء الذي جعل مجموعة من اللصوص والكذابين والأميين يتداولون شؤونه، دون خوف من الله او همسة من ضمير أو غضب جماهيري يعصف بهم ويرميهم في السجون واقفاص المحاكم.
[email protected]