تحدَّث المخرج السوري، جود سعيد، عن فيلمه الجديد quot;صديقي الأخيرquot; الذي يصوِّره حاليًا، كما تطرَّق للحديث عن الأوضاع في بلده، والحالة السينمائيَّة في العالم العربي.


دمشق: يعتبر من أصغر المخرجين السينمائيين السوريين سنًّا، يحمل شهادة ماستر في الإخراج السينمائي من جامعة لويس لوميير quot;ليون ـ فرنسا ـ 2006quot;، أنجز العديد من الأفلام القصيرة مثل quot;مونولوجquot; وquot;وداعاًquot;، وأخرج أولى أفلامه الروائية الطويلة quot;مرة أخرىquot; عام 2009.

وفي حوار مع quot;إيلافquot; تحدث المخرج، جود سعيد، عن الفيلم الذي يقوم بتصويره حالياً بعنوان quot;صديقي الأخيرquot;، وعن رأيه بمستوى الأفلام السورية بشكل عام ومدى قدرتها عن ملامسة الواقع، وكيف ينظر إلى المنافسة مع الأفلام العربية بعد ثورات الربيع العربي، ويتطرق للتحدث عن الأوضاع التي تعيشها سوريا في المرحلة الحالية.

بدايةً حدثنا عن الفلم الذي تصوره حالياً quot;صديقي الأخيرquot;؟
صديقي الأخير هي حكاية تروى على مستويين، الأول يحكي قصة صداقة تنشأ بين رجلين أحدهما ميت حيث ينتحر طبيب في بداية الفيلم، ويأتي المحقق لتنشأ قصة صداقة بينهما، وتتطور العلاقة على الرغم من غياب الأول، والمستوى الثاني هي حكاية عدة طبقات من المجتمع السوري مع بداية عام جديد، وتتداخل هذه الخطوط لخلق صورة للمجتمع السوري حاولنا أن نلخصها ونركزها بفترة زمنية هي الأيام العشرة الأول من عام 2011، عن طريق مجموعة من الشخصيات، وتم اختيار الزمن بالمصادفة وليس له أي دلالة.

والمهم أن الفيلم يبحث في إشكالية الهوية لدى السوريين، ويطرح الأسئلة ضمن هذا الإطار حيث يبحث عن العلاقة الإنسانية من حب وصداقة ووفاء، ويحاول إعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالقيم الأخلاقية في المجتمع، خصوصًا عندما يرى المشاهد لواقعه ضمن إطار فني أحاول طرحها من خلال الأسلوب والشكل الإخراجي.

سؤال الهوية عريض جداً، فأين ستذهب فيه عبر quot;صديقي الأخيرquot;؟rlm;
لمعرفة الإجابة علينا سؤال quot;مارياquot; الفتاة الأجنبية الصغيرة في الفيلم، والتي تحمل مقومات الثقافة السورية أكثر من كثيرين بالمعنى الإيجابي للكلمة، ولديها إيمان وحب لهذا المكان فهي فتاة يعوّل عليها، واستطاعت ببساطة الطفل أن ترى ما لم يره كثيرون .rlm;

هل كانت لديك أي ملاحظات على السيناريو الذي كتبه الفارس الذهبي حتى تتشارك معه في عملية الكتابة، أم أن المشاركة كانت لإدراجه تحت ما يسمى بسينما المؤلف؟
أولاً هذا الفيلم يندرج تحت إطار سينما المؤلف بامتياز، أي السينما التي تكون فيها الكلمة الأخيرة للمخرج، والفيلم كتبته مع شريكي الفارس الذهبي بمتعة شديدة وكان هناك تناغم وانسجام كبير بيننا في عملية الكتابة، وكان المشروع مشترك بيننا من الأساس، وباعتقادي أن الكتابة المشتركة تضفي روحًا أخرى لأنها تملك مفردات ثانية، وعندها يتشابك عالمين في الشخصيات فتصبح التفاصيل أغنى وأنا استمتعت بالتجربة وأشجع على الكتابة المشتركة.

هل الفيلم عبارة عن تكملة لفيلمك الأول quot;مرة أخرىquot;؟
أستطيع القول بأنه تكملة للمشروع الفني والفكري لجود سعيد، أي علاقتي أنا بالسينما والإخراج، لكن لكل من الفيلمين حكاية مختلفة لا تشبه الأخرى أبدًا، إلا من حيث طرح الأسئلة حول موضوع العائلة كنواة أولى في مجتمعاتنا وأهميتها وشكلها.

تم منع عرض فيلم quot;مرة أخرىquot; في تظاهرة فرنسية quot;شاشات سينمائية عربية جديدةquot; هل من توضيح؟
بتاريخ 11 أيار وصلتني رسالة من أحد المنظمين يشرح لي فيها ماهية quot;الربيع العربيquot; ولاسيما في بلدي، وكيف أن توقيعي وقلة قليلة من السينمائيين على بيان سينمائيي الداخل السوري ما هو إلا دعم للعنف، ومعارضتنا - حسب تعبيره-للنداء الذي وجهه سينمائيون سوريون لسينمائيي العالم الذين تضامنوا معه quot;المنظمونquot; ووقع عليه المئات والمئات في العالم ما هو إلا دعم للقمع، ولذلك فإنهم لم يعودوا راغبين في دعوتي بسبب مواقفي.

بالنهاية نعم ونعم لموقفي ونعم لبلادي ونعم لحريتي ونعم لمقاومتي ولا لديمقراطيتهم.

برأيك ما هي شروط الفيلم الناجح؟
الصدق ثم الصدق والركيزة الأساسية هو الصدق.

بعد القراءة النظرية للسيناريو تأتي مرحلة اللعب على المستوى التقني هل هذه خصوصية جود سعيد وميزته الإخراجية؟
ربما أقول أنه جزء من شخصيتي، فأنا أتحرر من الورق كاملاً قبل الشروع بعملية التصوير، وأحاول إعادة خلق الأشياء من جديد بحس مختلف وأعدل تماماً على الشخوص ونبرزها بالمشهد بعد التغيرات على أساس وجوده ضمن نفس السياق المكاني، فيعاد خلق المشهد وكتابته أما المراحل الفنية فلها علاقة بدراستي بالغرب وأنا أملك بعض المعارف التقنية.

ما هو رأيك عن مستوى ما قدم من الأفلام السورية؟
السينما السورية قدمت مواضيع هامة في تاريخها واليوم تحاول أن تزيد من كم الإنتاج، وهناك علامات فارقة بتاريخ السينما، وأنا أقول دائماً هناك أفلام سورية ولا توجد سينما في سوريا بمعنى أن هناك مخرجين ولا توجد صناعة.

وما الحل برأيك كي تتواجد الصناعة؟
الحل هو أن يدرك القطاع الخاص أهمية الاستثمار في موضوع الصالات وعندما تخلق الصالات تؤسس البنية التحتية ويتواجد مكان لتسويق الأفلام وبالتالي يتشجع القطاع الخاص الأخر لإنتاج الأفلام.

فيلم quot;صديقي الأخيرquot; هو انتاج مشترك بين المؤسسة العامة للسينما كجهة حكومية وشركة الفردوس الخاصة، هل رأيت أي صعوبة بإقناع شركة الفردوس لإنتاج الفيلم؟
على العكس، كان هناك الكثير من الارتياح من جانبهم وتقبلوا الفكرة وهناك شراكة حقيقية بيننا هي فنية قبل أن تكون مادية.

برأيك هل استطاعت السينما السورية عكس الواقع الاجتماعي الاقتصادي والسياسي؟
بالطبع هناك تجارب عكست الواقع بقسوة جميلة وأحياناً بشدة وحدة، والأمثلة كثيرة مثل quot;ليالي ابن آوىquot; لعبد اللطيف عبد الحميد الذي عكس لحظة تاريخية ضمن بيئة معينة بواقعية شديدة وقسوة سينمائية جميلة، كما أن أولى الأفلام السورية quot;الفهدquot; أرخ لحالة مشهورة في الساحل السوري حالة البطل الذي يسرق من الناس ضمن لحظة معينة، والسينما كانت على تماس مع الهم اليومي للناس، وهذا يحسب للمخرجين السورين عموماً على الرغم من قلة الفرص، والسينما السورية لم تبدأ بمبادرات تجريبية وإنما نشأت مع بداية السينما بالعالم العربي ولم تسوق لذا ظلت شحيحة الإنتاج.

لنتحدث عن مدى استعداد جود سعيد للمنافسة مع السينما العربية بعد الثورات ؟
أولاً لا أظن أن هناك شيئاً سيختلف بعد الثورات، والسينما العربية لن تختلف ولن تتغير لا بثورة ولا أي شيء أخر، وأود هنا التذكير بأن كل الأفلام التي صنعت عن الحرب العالمية الثانية بعيدها قد فشلت وسقطت، والأمر ذاته بالنسبة للكثير من الأحداث، وميزة السينما تكمن بأخذ مسافة عن الواقع بعلاقتها مع الواقع وتحويل الحاضر إلى ماضي أو استشراق المستقبل، وهو نوع آخر وبالتالي نحن بحاجة لهذه المسافة.

وبرأيي الشخصي أنه في مصر على سبيل المثال كون بها صناعة سينمائية ستعود موضة الفيلم التجاري بعد سنة من الآن، وربما تختلف شروط الرقابة وحدودها وبالنهاية الأمر مرهون بالانتخابات، إذ ربما تأتي جهة رقابية ترى في ساق المرأة مشكلة وبالتالي ستأخذ السينما المصرية شكلاً ومنحى آخر، وأنا هنا لا أعطي رأيًا سياسيًا، وتظل السينما بنت البيئة وبالتالي الشروط الجديدة للمجتمع المصري هي التي ستفرض الشكل الجديد للسينما المصرية.

ما رأيك بالأحداث الجارية حالياً في سوريا؟
أولا أنا مع التهدئة والحوار، ولا مفر من الحوار في مجتمع كسوريا، وبصراحة أنا لست مع التغيير اللحظي ولا توجد أمة يعاد بنائها في أسبوع لذا نحن بحاجة لوقت وثمانية أشهر في عمر الأجيال لا تمثل شيئاً، والمهم في المرحلة الحالية هي ضرورة إعادة بناء الثقةبين أنفسنا والانطلاق لبناء شيء مختلف ولكن بالحوار تحت سقف الوطن وأنا لا افهم أي حوار خارج سوريا، وفيلمي يحاول إعادة صياغة هويتنا، وأنا لا أقول أني استقرأت الواقع وأخذت الموافقة على الفيلم في شهر شباط أي قبل الأحداث.

وما دور الفن بالأزمات؟
دور الفن يجب أن لا يكون تصعيدي وألا يكون انتهازي بنفس الوقت، ومن الضروري أن يبقى شاهداً ومراقباً، وأن يقف مع الحق سواء اختلف الفنانين فيما بينهم أو لا، ولكن بشكل بعيد عن الانتهازية والتسييس.