دانت 15 منظمة حقوقية مصرية من أبرز المنظمات المستقلة إحالة المتهمين في أحداث إمبابة التي وقعت مساء أول أمس السبت، فيما قال شريف الهلالي المدير التنفيذي للمؤسسة العربية لـquot;إيلافquot; إن الملف الطائفي من أكثر الملفات التي يجب الاهتمام بها لإنقاذ البلاد من نفق الطائفية.


تفقد إحدى الكنائس المحترقة بسبب أحداث امبابة الطائفية التي اندلعت أخيرًا

أحمد عدلي من القاهرة: أعربت 15 منظمة حقوقية عن مخاوفها العميقة إزاء تصاعد موجة جديدة من العنف الطائفي تنذر بتحويل مصر إلى ساحة للاحتراب الأهلي بين المسلمين والأقباط، بعدما بات واضحًا أن القائمين على إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية قد تقاعسوا عن تحمل مسئولياتهم في إعمال مبدأ سيادة القانون، وفي حماية أرواح المواطنين، وتأمين الضمانات الكفيلة باحترام الحريات الدينية، وتعميق قيم المساواة ونبذ التعصب والتطرف الديني، وإحداث قطيعة شاملة مع سياسات الحقبة quot;المباركيةquot;، التي أزكت مناخًا للاحتقان الطائفي، كسياسة متعمدة لجعل الشعب المصري مشغولاً عن فساد وتسلط حكامه، بالصراعات الطائفية بين مكوناته.

وسجلت أبرز المنظمات الحقوقية المستقلة قلقها العميق إزاء الاشتباكات الطائفية التي شهدتها منطقة إمبابة، التي اندلعت أول أمس، وأدت إلى مصرع 12 مواطنًا على الأقل، وأكثر من 220 جريحًا، كما طالت الاعتداءات ممتلكات عامة وخاصة، فضلاً عن تدمير جزئي لكنيسة مارمينا، وإحراق كنيسة العذراء تمامًا، لتصبح الكنيسة الثانية التي تتعرض للتدمير العمدي بعد رحيل رموز نظام مبارك.

وأشارت الى أن المصريين يدفعون ثمنًا فادحًا لسياسات كارثية أرساها النظام السابق، كانت تنذر بتقويض أسس العيش المشترك والسلم الأهلي بين المسلمين والأقباط، لكن المنظمات الموقعة تأسف لأن تؤكد أن الخلاص من مبارك لم يقترن بإحداث قطيعة كاملة مع سياساته، لافتة الى أن القائمين على إدارة شؤون البلاد، سواء في المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو مجلس الوزراء، قد ساروا على النهج نفسه في التخلي عن التطبيق الحازم للقانون، وإعمال معايير العدالة، بدا ذلك بشكل خاص في التغاضي عن تصاعد التحريض على الكراهية الدينية والعنف الطائفي، وفي تغليب الموائمات السياسية، التي يسيطر عليها الإفلات من العقاب أو المحاسبة عن جرائم العنف الطائفي التي تفجرت في عدد من المحافظات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، وفي التغاضي عن أشكال التحرش الجماعي بدور عبادة الأقباط، الذي بلغ حد السماح لآلاف السلفيين بإقامة صلوات جماعية أمام مقر الكاتدرائية القبطية في القاهرة.

وحذر البيان، الذي أصدروه مساء اليوم، من أن استمرار التقاعس من جانب القائمين على إدارة شؤون البلاد في التصدي بحزم لجرائم العنف الطائفي ودعاوى الكراهية الدينية، التي يجرمها القانون الدولي لحقوق الإنسان، ينذر بانتقال البلاد إلى دائرة من أعمال الإرهاب المنظم، الذي سبق أن عرفته مصر في حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ويعيد إلى الأذهان مجددًا شبح quot;إمارة إمبابة الإسلاميةquot;.

وشدد البيان على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة تقود إلى محاسبة ومحاكمة كل الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم العنف الطائفي كافة من دون استثناء، أو ممن حرضوا عليها، رافضًا إحالة المتهمين في أحداث إمبابة إلى المحاكمة العسكرية من منطلق رفض إحالة المدنين الى القضاء العسكري، باعتباره ينطوي على حرمان الأشخاص من حقهم في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، ويحرمهم بالتالي من ضمانات أساسية لإعمال معايير العدالة.

ودعا البيان المجلس العسكري ومجلس الوزراء إلى تبني عدد من السياسات والممارسات التي تشكل مداخل أساسية لمعالجة ملف الأزمات الطائفية وقطع الطريق على مخاطر الاحتراب الأهلي الطائفي وعودة الإرهاب المنظم، أبرزها الالتزام الصارم بإعمال قواعد المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المصريين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم ومذاهبهم والتأكيد على حياد الدولة وأجهزتها المطلق تجاه المواطنين من معتنقي الأديان والعقائد المختلفة والإعمال الحازم لمبدأ سيادة القانون ومعايير المحاكمة العادلة في التعامل مع جرائم العنف الطائفي والتحريض على الكراهية الدينية والعنف الطائفي وترسيخ مقومات وركائز الدولة المدنية، ووضع حد للتوظيف المتزايد للدين في العمل السياسي وفي العمل العام.

إضافة إلى التحرك الفوري لإزالة بذور التعصب الديني من وسائل الإعلام ومناهج التعليم، بما في ذلك مناهج التعليم الأزهري والتصدي الحازم لكل أشكال التدخل التعسفي في حرية المعتقد الديني، باعتبارها حرية شخصية، لا وصاية لأحد عليها من الأفراد أو الجماعات أو الدولة نفسها، وتأمين الحماية الواجبة لكل الأشخاص في تبني وإظهار معتقداتهم الدينية، وممارسة شعائرهم.

وقال شريف الهلالي المدير التنفيذي للمؤسسة العربية في إفادة لـquot;إيلافquot; إن الملف الطائفي في مصر من أكثر الملفات خطورة التي تحتاج معاملة خاصة، مشيرا الى أن جميع القوى السياسية لديها الحس الوطني الكافي لرفض التعامل من منطلق طائفي، متهمًا فلول النظام السابق وقوى داخلية لا ترغب في الاستقرار بإشعال نار الفتنة.

وأشار الى أن حرية العقيدة مكفولة وفقًا للقانون والدستور، موضحًا أن هناك جهودًا من قوى بعينها لا تنظر الى مصلحة الوطن، وتريد أن تفتعل الأزمات، حتى تتعثر مسيرة الديمقراطية التي تنشدها البلاد، وتسير تجاهها في الوقت الحالي، مشددًا على أهمية الالتفات لهم ومعاملتهم بحزم وقوة.