والد أسماء الأسد فواز الأخرس |
بعد رسائل البريد الالكتروني المسربة التي تشير إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد تلقى تعليمات من إيران عن كيفية سحق الثورة في بلاده، كشفت صحيفة الـquot;غارديانquot; رسائل جديدة أظهرت أن والد أسماء الأسد فواز الأخرس يقدم النصائح والمشورة لصهره عن كيفية دحض الأدلة المصورة وأشرطة الفيديو التي تتهمه بارتكاب جرائم.
قدّم والد أسماء الأسد فواز الأخرس نصائح عدَّة لصهره الرئيس السوري حول كيفية مواجهة التهم بأن نظامه يقمع الانتفاضة الشعبية، بما في ذلك دحض أشرطة فيديو جرى تسريبها من قبل ناشطين قالوا إنها تظهر تعذيب قوات الأمن السورية أطفالا قاصرين.
واعتبرت الـquot;غارديانquot; أن طبيب القلب فواز الأخرس كان تمتع بموقع سياسي واجتماعي مرموق في لندن، حتى اندلاع الثورة السورية ضد صهره، الأمر الذي قوّض مركزه على خلفية دعمه لصهره الذي شن حملة وحشية على المعارضين.
وقبل بضعة أشهر من حملة الأسد الدامية ضد المعارضة في سوريا، والتي كان لها وقع الصدمة على المجتمع الدولي، دعي فواز الأخرس على العشاء مع الملكة. تلقى طبيب القلب من هارلي ستريت وزوجته سحر، دعوة ملكية لحضور مأدبة رسمية يقيمها الأمير فيليب تكريماً لأمير دولة قطر في أكتوبر 2010.
وكان الأخرس (65 عاماً) يعتبر نقطة ارتكاز العلاقات السورية البريطانية، لكن الربيع العربي شكّل اختباراً بالغ الشدة لمبادئ طبيب القلب، إذ كشف عن دوره الواضح في تقديم المشورة لصهره لصد الحملات السلبية ضد حكمه.
ومع حلول موعد المأدبة، كان الأخرس قد أصبح لاعباً رئيساً في الدبلوماسية السورية في المملكة المتحدة. في النهار، كان طبيب قلب محترما يعمل في عيادته الخاصة، وفي مستشفى كرومويل في غرب لندن. لكن من خلال موقعه كوالد زوجة الرئيس السوري، أصبح quot;حارس البوابة السياسيةquot; لدمشق في لندن وكان قد جمع حوله مجموعة من أنصاره من ذوي النفوذ، من ضمنهم رجل الأعمال السوري وفيق سعيد، رئيس مكتب مارغريت تاتشر السابق اللورد باول، والعديد من النواب ورجال الاعمال.
لكن في غضون أشهر، عندما بدأت الجثث بالتكوّم في سوريا، بدأ الدعم الذي يحصل عليه الأخرس بالزوال، بعد أن حاصرته الانتقادات والتساؤلات حول حكم النظام السوري.
وولد فواز الأخرس في حمص، ثالث أكبر المدن السورية. وهاجر إلى لندن في عام 1973 حيث التقى زوجته سحر العطري، وهي مسؤولة في السفارة السورية. ولدت أسماء ابنتهما في عام 1975، ونشأت في أكتون حيث عرفت بإسم (إيما)، وتلقت تعليمها في مدرسة ثم في جامعة quot;كوينزquot; الخاصة في شارع هارلي.
ويعتبر البعض أن رحيله من سوريا كان نموذجياً لهجرة جيل كامل من المثقفين السوريين الذين شعروا بأن التقدم في الحياة يتطلب مغادرة بلادهم، التي كانت تحت قيادة quot;الرئيس البعثي القمعي حافظ الأسدquot;.
زواج ابنته أسماء من بشار الأسد، طبيب العيون الذي التقاه الأخرس في لندن، سمح له أن يصبح شخصية بارزة من بين المهاجرين في إعادة بناء الجسور مع بلده الأم.
ونقلت الـ quot;غارديانquot; عن نديم شحادة من معهد تشاتام هاوس، قوله quot;عندما تسلّم بشار الأسد مقاليد السلطة كان هناك تفاؤل بين المغتربين أن الرئيس الشاب سيحدث تغييرات في الدولة التي حكمها والده، لذلك بدأوا في الانخراط معه، وقد فازوا ببعض التنازلات، من ضمنها إعفاؤهم من أداء الخدمة العسكرية حتى يتمكنوا من العودة الى سوريا مرة أخرى.
وأضاف شحادة ان الأخرس صار يختلط في دوائر المغتربين العرب في لندن، ويحضر quot;المناسبات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط مثل حفلات العشاء والأعراس وحفلات الاستقبال في السفاراتquot;.
لكن مع بدء أعمال العنف في سوريا قبل نحو عام، بدأ موقع الأخرس بالتداعي.
ونقلت الصحيفة عن النائب المحافظ ريتشارد سبرينغ الذي استقال من المجتمع في العام الماضي، قوله: quot;عندما بدأوا بإطلاق النار على الأطفال كان الأمر مثيراً للاشمئزاز وكان ذلك نهاية الأمر بالنسبة ليquot;.
أما على المستوى الشخصي، قال سبرينغ إن quot;فواز شخصية متواضعة ومقبولة، وساهم في علاج واحد من أمراض القلب الشائعة في العالم، وأنا لا أعرف أي شخص لا يحبه. ليس لدي فكرة عمّا يجري في عقله. أعتقد أنه يجب أن يكون مذعوراًquot;.
وقال سبرينغ إن الأخرس انخرط في المجتمع في عام 2002 وسط آمال بأن صهره الأسد سيكون رئيساً ينادي بالإصلاح. لكن في النهاية، ثبت أن أولئك الناس الذين قالوا انه لن يغير شيئاً كانوا على حق. لقد أثبت أنه خيبة أمل على أقل تقدير، والأمر كله انزلق الى مأساة مطلقةquot;.
وفي حزيران 2011، قال رجل الأعمال السوري وفيق سعيد في رسالة بالبريد الالكتروني أرسلها إلى الأخرس إن quot;الوضع الحالي في سوريا غير مقبول بكل بساطة، واستمرار عمليات القتل والعنف لا يمكن تبريرهquot;. وقال غرين رداً على سؤال حول الأخرس، لصحيفة الغارديان: quot;لدي رأي جيد عنه، وهو طبيب قادر وأنا أتعاطف مع موقعه. لقد كان زميلاً جيداً، وأنا لا أريد الذهاب الى أبعد من ذلكquot;.
وإلى جانب رأي زملائه به، أشارت صحيفة الـ quot;غارديانquot; إلى أن طبيب القلب المقيم في شارع هارلي، عمل مستشارا قريبا للرئيس السوري أثناء قيام النظام بعمليات القمع الوحشية ضد الناشطين ضد الحكومة السورية.
وقدّم الأخرس النصح إلى الزعيم السوري حول تعامل النظام مع قمع الإنتفاضة، خصوصا كيفية التعامل مع الفيديوهات التي تحتوي على صور تعذيب الأطفال بصورة وحشية من قبل القوات السورية. كان الطبيب المقيم في غرب لندن يشغل منصب رئيس مشارك في الجمعية البريطانية السورية، التي صرحت قبل ذلك بأنها quot;حزينة وفزعة من العنف و خسارة الأرواح في سورياquot;، حيث تشير الإحصائيات الى مقتل أكثر من 8000 شخص منذ بداية الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد في فترة عام واحد.
ولكن مجموعة تحصى بآلاف الرسائل من والى حساب البريد الإلكتروني الخاص بالأسد والتي حصلت عليها الغارديان، تظهر أنه حينما زادت وطأة العنف في سوريا، قام الأخرس بتقديم نصائح مفصلة حول التعامل السياسي والإعلامي مع الوضع، بالإضافة إلى دعمه المعنوي اللامتناهي للأسد في عشرات الرسائل الموجهة الى بريد الأسد الخاص.
وتم الحصول على هذه الرسائل بين حزيران/يونيو 2011 و شباط/فبراير 2012 من بعض الناشطين السوريين، وقد قامت الصحيفة بالتحقق من مصداقية هذه الرسائل عن طريق تدقيق المعلومات الواردة فيها والاتصال بالجهات والأفراد التي تظهر عناوينهم في هذه الرسائل. واتصلت الغارديان بفواز الأخرس يوم الخميس، وحاولت التقرب منه عن طريق بعض الوسطاء لدعوته للتعليق على الأمر. لكن لم يصلها أي رد حتى الساعة.
واعتبرت الصحيفة أن الرسائل التي تشير إلى أن الأخرس كان يقوم بدور فعال بمساعدة النظام السوري وتقديم النصح له، ستشكل حرجاً كبيراً في عدة دوائر ذات صلة بالأخرس، فزملاؤه مدراء الجمعية البريطانية السورية يشملون السير أندرو غرين (السفير السابق لدى سوريا)، السير غافين آرثر (عمدة لندن السابق)، بالإضافة الى اللورد تشارلز باول (رئيس هيئة الأركان في حكومة مارغريت تاتشر) وهو من الأوصياء في مؤسسة التراث السوري، وهي منظمة تبرعات بريطانية قام الأخرس بإنشائها.
وبدأت سلسلة المراسلات بين الأخرس والأسد قبل أكثر من تسعة أشهر، وهي تظهر بأن الطبيب كان قلقاَ حول كيفية تقديم صورة عالمية أفضل عن إنجازات النظام. وتظهر الرسائل أيضاً العلاقة الودية بين الرجلين، حيث كان الأخرس يذيل رسائله بعبارة quot;أحر التمنياتquot;.
وفي نهاية كانون الأول/ديسمبر الفائت، نصح الأخرس الأسد بالرد على القناة البريطانية الرابعة التي عرضت فيلماً يوثق عمليات تعذيب المدنيين والأطفال في سوريا، وذلك بزعم أن هذا الفيلم هو عبارة عن quot;بروباغاندا بريطانيةquot; تهدف الى خلق فكرة الإبادة الجماعية في سوريا.
وفي رسالة مباشرة الى الرئيس السوري، قام الأخرس بإرفاق مقالة تحتوي مقترحات بذلك، وقال في رسالته: quot;قد تساعد هذه الرسالة في نظم رسالة من السفارة السورية الى القناة الرابعة وفيلمهاquot;. في وقت سابق من ذاك الشهر، قام الأخرس بإرسال رسالة الى الأسد وزوجته تحتوي على 13 نقطة لدحض الانتقادات الموجهة للنظام، بهدف تحويل النقاش الى الطرف الآخر.
وتساءل الأخرس حول سبب اهتمام الأمم المتحدة بأعداد القتلى في سوريا، خصوصاً وأن الكثيرين قتلوا في ليبيا قبل ان يقوم مجلس الأمن بالإجتماع بخصوصها. واشار إلى أن quot;الغرب منافق بانتقاد النظام، نظراً للمواجهات القاسية واللاإنسانية ضد المتظاهرين في وول ستريت وفي لندنquot;.
واقترح الأخرس تسليط الضوء على الصعوبات التي تواجه quot;الديمقراطيات الثوريةquot; التي ظهرت بعد الربيع العربي: quot;انهم غير قادرين على تعيين وزير داخلية في احدى الدول، وفشلوا لمدة طويلة في تشكيل حكومة في دول أخرى، والآن نرى أن معظم البرلمانات الجديدة ترفض الإنضمام او المشاركة في البرامج الحكوميةquot;.
وفي الرسالة ذاتها، قال الأخرس ان الـ quot;بي بي سيquot; التي تتبع quot;سياسة تشويه الحقائقquot; تقوم عمداً بحظر مقابلة تقترح بأن الجيش السوري الحر يحظى بعدد صغير من المؤيدين. ونصح بتسليط الضوء على التعذيب الأميركي لسجناء معتقل غوانتانامو وأبو غريب لمواجهة ادّعاءات التعذيب التي تنفذها القوات السورية. وكتب الأخرس الى الأسد وزوجته في كانون الأول/ديسمبر منتقداً تنظيم احتفال عشية رأس السنة في ساحة الأمويين في دمشق قائلاً: quot;وهل هذا هو الوقت المناسب؟quot;.
وفي السادس عشر من كانون الثاني/يناير، ومع ارتفاع الضغط الدولي للدعوة إلى تنحي الأسد، وحينما كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يصف وضع الضحايا بـquot;غير المقبولquot;، دعا الأخرس الأسد إلى إطلاق شبكة أنباء إخبارية ناطقة باللغة الإنكليزية quot;لتمكيننا من مخاطبة العالم حول قضيتنا بلغتهم وعقليتهمquot;. وأشارت الصحيفة إلى القلق المتنامي بشأن صلات الأخرس مع النظام، خاصة بين زملائه البريطانيين.
وكتب رجل الأعمال السوري وفيق سعيد أيضاً الى مكتب أسماء الأسد في 26/6/2011 معلنًا أن مؤسسة التراث السوري، وهي مؤسسة خيرية تهدف الى تعزيز الأمور الفنية والتراثية السورية، يجب أن يتم حلّها. وكشف لها أن اللورد باول قد كتب له بأن المؤسسة لايمكن أن تستمر بالعمل بسبب الأزمة.
وفيما نأى بعض المرتبطين بالجمعية البريطانية السوريةبأنفسهم عن النظام السوري، واصل الأخرس بمساعدة صهره حتى بإبداء النصح حول سياسة البنك المركزي للحفاظ على قيمة الليرة السورية خلال الأزمة. كما أرسل الأخرس رسائل تحتوي نكات بذيئة من جهاز الأيفون الخاص به الى الأسد، تتحدث واحدة منها عن مقارنة العضو الذكري لنيكولا ساركوزي وبنيامين نتنياهو وباراك أوباما.
وفي أواخر حزيران/يونيو، شارك الأخرس بالتنسيق مع الأسد لخطة مقابلات مع السير جفري جول، المحامي الرائد في مجال الدستور البريطاني، والذي قام بزيارة دمشق في شهر تموز/يوليو السابق.
وفي عدة مناسبات، لفت الأخرس انتباه الأسد الى التغطية الإعلامية حول الصراع في سوريا. ففي شهر كانون الثاني/يناير، قام بإرسال مقالة من صحيفة quot;هآرتسquot; الإسرائيلية عن الإعتقاد السائد في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأن الأسد سيسقط في عام 2012، وسلط الضوء في تقرير آخر على أن القوات الخاصة البريطانية ووكالة الاستخبرات المركزية CIA والمخابرات البريطانية MI6 موجودة في سوريا وتقوم بدعم الثوار المسلحين.
وفي رسالة حول الزيارة التي قام بها وفد من الجامعة العربية الى سوريا، كتب الأخرس إلى صهره الأسد: quot;سيكون من الجيد جداً إذا ما تم حسب أعداد المندوبين من الدول العربية بنسبة عدد السكان في كل دولة! سيكون ذلك ضربة قاصمة لبعضهم!quot;.
واعتبرت الصحيفة أن العبارة تظهر شماتة مبطنة تجاه دولة قطر التي دعت الى تدخل عسكري عربي في سوريا لوقف إراقة الدماء. وأشارت صحيفة الغارديان إلى أنها سألت الأخرس عما إذا كان يود التعليق على ما ورد في رسائل البريد الإلكترونية، وعن دوره في اعطاء صهره العديد من النصائح الإستراتيجية. وكان رد الأخرس بأنه مشغول مع أحد مرضاه. كما أرسلت هذه المزاعم اليه عبر رسالة نصية وتم أيضاً نقلها الى محاميه.
يشار إلى أن صحيفة الـ quot;تليغرافquot; تحدثت إلى الأخرس ليلة الخميس، حيث قارن حملة النظام السوري الشرسة على حمص بأعمال الشغب التي حدثت في لندن العام الفائت. وقال: quot;عندما اندلعت أعمال الشغب في لندن، أعلن ديفد كاميرون بأنه سيستدعي الجيش. الآن، هلّا قارنت الوضع بحمص؟quot;. لكن المراسل قال له إن الشرطة البريطانية لم تقتل أحداً أثناء أعمال الشغب، فرد الأخرس: quot;الشرطة السورية لا تتمتع بالرقي كشرطة العاصمة او سكوتلاند ياردquot;.
التعليقات