في الوقت الذي يبدو فيه أن الرئيس السوري بشار الأسد يشنّ حرباً على شعبه من خلال حملة قمعية وحشية مستمرة منذ قرابة العام، راح ضحيتها حتى الآن ما لا يقلّ عن 7000 شخص، أبرزت تقارير صحافية حقيقة حالة الحصار التي يعيش في داخلها الآن المسيحيون السوريون بين دعم الأسد والتخوف من هيمنة الإسلاميين.


مسيحيو سوريا والخوف من المصير العراقي

أشرف أبوجلالة من القاهرة: تحدث مور فان دن برغ، الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، عن السمات الديموغرافية لسوريا، ولاسيما طائفتها المسيحية. وهي التصريحات التي أبرزتها له اليوم صحيفة انترناشيونال بيزنس تايمز الأميركية، بعدما قال إن الطائفة المسيحية في سوريا تقدر في العموم بنسبة تتراوح ما بين 8 و10 % من إجمالي عدد السكان هناك. مع العلم، والكلام على لسان برغ، أن تلك الأرقام التي عادةً ما يتم الإشارة إليها من جانب المسؤولين الحكوميين تكون مرتفعة.

وتابع أن أعداد المسيحيين في سوريا تزايدت خلال الآونة الأخيرة، بسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين المسيحيين العراقيين، حيث قالت الأمم المتحدة إن عددهم يصل إلى 80 ألف قد عبروا إلى داخل الحدود السورية آتين من العراق، فضلاً عن أن الطائفة المسيحية في سوريا، وعلى خلاف وضعها في مصر، تعتبر منوعة للغاية.

وبسؤاله عن حقيقة تمتع المسيحيين في سوريا بحريتهم وكامل حقوقهم، رغم أن الدستور هناك ينصّ على ضرورة أن يكون الرئيس مسلماً، أكد برغ على حقيقة تلك المسألة، منوهاً بأن مسيحيي سوريا، وعند مقارنتهم بمسيحيي العراق، وحتى بمسيحيي تركيا، فإنهم يحظون بقدر كبير من الحريات في أمور عدة، من بينها بناء كنائس وأديرة في العديد من الأماكن، وتأسيس مدارس ومؤسسات أخرى، وإظهار هوياتهم المسيحية على العلن (من خلال الأزياء التي يرتدونها وأمور أخرى).

وأشار برغ إلى أن المسيحيين الذين هاجروا من سوريا لم يقدموا على تلك الخطوة نتيجة لأعمال عنف أو قيود حكومية، وإنما بحثاً من جانبهم عن فرص عمل وتعليم أفضل في أماكن أخرى، جنباً إلى جنب مع تلك الضغوطات الاجتماعية المتزايدة.

في ما يتعلق بالسبب وراء إقدام المسيحيين على دعم الرئيس بشار الأسد خلال تلك الأزمة الجارية، قال برغ إن معظم المسيحيين يعتقدون أن بشار هو رهانهم الأفضل في ما يتعلق بتأمين استقرار وسلام نسبي. وأضاف: quot;كما لن تسمح الحكومة المتشددة بزيادة تقييد الخيارات الاجتماعية للمسيحيين فحسب، بل قد تسمح كذلك للمتشددين بشنّ هجمات فعلية على المسيحيين. لكن إلى أي مدى تلك المخاوف مرتكزة على حقائق فهذا أمر غير يقيني، ولا يمكنني التأكد منه، وبالفعل قليلون هم من يعرفوا الشكل الذي ستكون عليه الحكومة المقبلة، وإن كان من المحتمل أنها ستكون أكثر تمسكاً بالطابع الإسلامي، مقارنةً بنظام الرئيس الأسد الحالي. وبخصوص اضطهاد المسيحيين لاحقاً، فإنني أرى أن هذا أمر غير واردquot;.

وأضاف برغ في إطار متصل أن الأسد دخل في تحالفات كذلك مع أقليات أخرى في البلاد بغية مواجهة الغالبية السنية المهيمنة، وأن المسيحيين ينتمون بالتأكيد إلى قاعدة سلطة بشار واسعة النطاق.

ولفت برغ كذلك إلى تمتع الأقليات والسيدات في سوريا بمستوى من الحرية، لا تشهده معظم الدول العربية الأخرى، رغم وحشية حملة القمع التي تمارسها قواته في مواجهة الحركات والثوار المطالبة برحيله عن السلطة.

وعن توقعاته المتعلقة بإمكانية فرار المسيحيين من البلاد، في حال سقوط نظام الأسد في نهاية المطاف، قال برغ إن ذلك أمر وارد، رغم صعوبة التنبؤ بالمكان الذي قد يتوجهون إليه، مضيفاً: quot;أعتقد أن معظمهم سينتظر ليرى ماذا سيحدث خلال الفترة المقبلةquot;.

وأشار كذلك إلى أن مسيحيي العراق لم يلوذوا بالفرار من بلادهم عقب سقوط نظام صدام على الفور، بل بدأوا ذلك بعدما بدأ المتطرفون في مهاجمة المسيحيين عن طريق تفجير الكنائس (خاصة بعد شهر آب/أغسطس العام 2005)، وكذلك إقدامهم على تنفيذ عمليات اختطاف ضد المسيحيين، بما في ذلك رجال الكنيسة.

وتابع برغ حديثه بالقول إن سوريا لم ترحّب بلاجئي العراق المسيحيين بأذرع مفتوحة، لكنها سمحت لهم بالبقاء. وبسؤاله في الختام عمّا إن كان هناك أي وجود للمسيحيين في المعارضة السورية، أشار برغ إلى أنه غير متأكد من الأعداد أو النسب الدقيقة، وإن كانت هناك، كما هو واضح، أعداد من المسيحيين في صفوف المعارضة.