في الوقت الذي يجتمع فيه القادة العرب في بغداد لعقد قمة تاريخية خلال هذا الأسبوع، سيلاحظون لمحات تم اختيارها بعناية من العراق الجديد: ردهات الفنادق اللامعة والقصور الجديدة، أشجار النخيل التي تظلل الطريق السريع المؤدي إلى المطار، والذي كان يعرف سابقاً بـ quot;طريق الموتquot;.


تحضيرات العراق للقمة العربية

لميس فرحات: بالنسبة إلى الدبلوماسيين والمسؤولين العراقيين، فإن القمة العربية، التي ستستمر ثلاثة أيام، هي لحظة لافتة بالنسبة إلى بلد يخرج من عقود من الاحتلال والحرب والعزلة الدبلوماسية.

ويرى زعماء العراق في هذه المناسبة فرصة نادرة لإعادة تأكيد أنفسهم كلاعبين في العالم العربي المتحول، من خلال استضافة أول حدث دبلوماسي كبير في البلاد منذ انسحاب القوات الأميركية في ديسمبر/ كانون الأول.

في هذا السياق، اعتبرت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; أن الجهود التي تبذل لتقديم صورة براقة وإيجابية عن العراق، لا تنفي استمرار النزاعات والاقتتال الطائفي وأعمال التفجيرات العنيفة في البلاد، فوراء جدران الأسمنت وزهور البتونيا، التي زرعت حديثًا، تمتد دولة أكثر تشاؤماً.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة، فـ quot;العراق الحقيقيquot; خارج أسوار المنطقة، التي تعقد فيها القمة العربية، ما زال مسكوناً بأعمال العنف والتفجيرات الانتحارية التي تمزّق الشوارع.

الانقسامات الطائفية السياسية شلّت العراق، وأضعفت مكانته مع جيرانه الأقوياء، مثل المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الرغم من تطلعاته إلى النفوذ والديمقراطية العربية الجديدة، يبقى العراق في الوقت الراهن منبراً للأحداث، بدلاً من أن يكون لاعباً مؤثراً.

لقاء القمة، وهو الاجتماع الأول من نوعه لجامعة الدول العربية منذ الانتفاضات الشعبية التي بدأت تغزو المنطقة في العام الماضي، لا يزال يشكل quot;مقامرةquot; كبيرة بالنسبة إلى العراق بعدما استغرق تحضيره أكثر من عامين، وبتكلفة 500 مليون دولار.

وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري: quot;العراق كان معزولاً وخاضعاً لعقوبات، وكأنه دولة مارقة طردت من صفوف العرب والمسلمين. وكانت واحدة من العقبات الرئيسة لدينا هي تمكين هذه الدولة من الوقوف على قدميها مرة أخرى، لنثبت أن العراق أصبح دولة طبيعيةquot;.

ورجحت الصحيفة أن النقاش بشأن كيفية وقف أعمال العنف في سوريا سوف يهيمن على اجتماع القمة، مشيرة إلى أنه من غير المتوقع أن يدعو القادة العرب إلى التدخل العسكري أو تقديم الدعم العسكري إلى المعارضة. وعلى الرغم من أن أعضاء الجامعة العربية يعترفون بالتحركات الشعبية، إلا أن قلّة من المراقبين يتوقعون أن يطرح أيّ منهم أسئلة صعبة عن العنف، والتشاؤم والركود الذي حدث بعد الربيع العربي.

ويبدو أن العراق حريص على إبقاء أي نقاش حول مشاكله الخاصة خارج الإجتماع، ولاسيما أن قادته لا يريدون الحديث عن اتهامات بالحكم الاستبدادي، التي توجّه إلى رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، وحرمان الأقلية السنية من الحقوق، أو النزاع المتفاقم بين بغداد والقادة الأكراد في شمال العراق للسيطرة على الموارد النفطية، وتقسيم الميزانية الوطنية.

ويرى المحللون أن ضعف العراق على المستوى الخارجي يبدأ من الداخل، فإذا أراد أن يثبت نفسه في المنطقة كدولة عربية شيعية مستقلة يمكنها أن توازن الدول القوية، مثل السعودية وإيران وتركيا، فهذا يتطلب تجاوز الطائفية الصارمة التي تحدد سياسته وتقسم صوته.

في هذا السياق، نقلت الصحيفة عن إيما سكاي، التي عملت كمستشارة سياسية بارزة للجنرال راي أوديرنو، قائد القوات الأميركية السابق في العراق، قولها: quot;القضايا الداخلية للعراق - والتفسيرات المختلفة من التهديدات والمصالح - تجعل من الصعب على البلاد أن تنتهج سياسة خارجية موحدة ومتماسكة لإظهار نفوذهاquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أنه: quot;بعد يوم واحد فقط من انسحاب القوات الأميركية من العراق، تسببت الحكومة الشيعية بدوامة سياسية في البلاد عبر اتهام نائب الرئيس السني بإدارة فرق إعدام. كما إن المعارضة السياسية في العراق منقسمة وبلا أهداف واضحة، في حين أن الحركة الشبابية تم تفريقها بالتخويف والاعتقالات وعمليات التسلل من قبل حكومة المالكي الاستبداديةquot;.

وبعد عقود، يبدو أن بقايا الحروب ما زالت تلاحق العراق، الذي يدفع في كل عام، مليارات الدولارات من التعويضات إلى الكويت عن غزو صدام حسين، كما يتم تخصيص خمسة في المئة من عائدات النفط العراقي كتعويضات حرب إلى الكويت. وتعترف القيادات العسكرية العراقية بعدم قدرتها على تأمين الحدود الصحراوية، التي تحولت إلى قنوات لتهريب الأسلحة والمخدرات والمسلحين.

الجهود التي يبذلها العراق قد تكون خطوات حقيقية نحو إعادة إدماج هذه الدولة مرة أخرى في العالم العربي. أو يمكن أن تكون ببساطة quot;الثمن الذي يفضل قادة العراق دفعه لتجنب الإحراج في قاعة قمة نصف مملوءةquot;. يشار إلى أن سوريا، التي تم تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية، لن تحضر القمة.

خلال الأيام القليلة المقبلة في بغداد، يجتمع القادة العرب في القصر الجمهوري السابق، وهو واحد من مبان حكومية عدة، والفنادق التي تم تحديثها وتزويدها بالثريات الجديدة، والرخام والخشب المصقول، والزخارف المذهبة وغيرها من مظاهر الرقي، التي يطمح العراق إلى أن تعكس صورته الحديثة.

كما أنفقت الحكومة الملايين لإعادة نشر الآلاف من قوات الأمن في العاصمة، وتأمين وسائل النقل وأماكن الإقامة لآلاف الدبلوماسيين والقادة والصحافيين، إضافة إلى 2000 بدلة و2000 ربطة عنق، تحمل شارة اجتماع القمة، و600 سيارة. كما أنفق العراق 600 ألف دولار على القرطاسية ومليون دولار على تنسيق الزهور.

أما في شوارع بغداد، فتبدو الآراء حول اجتماع القمة العربية متناقضة، إذ يرى بعض العراقيين فيه مصدر فخر وطني، فيما يشعر البعض الآخر بالتشاؤم، معتبرين ذلك هدرًا للمال من قبل النخبة السياسية التي تسعى إلى مصالحها الخاصة.

وختمت الصحيفة بالإشارة إلى المخاوف في الشارع العراقي، التي تقلق من أن لقاء القمة سيؤدي إلى جذب الانتحاريين، أكثر مما سيجذب الرؤساء العرب إلى بغداد.