تقول غارديان البريطانية إن سوريا ليست الدولة الوحيدة في منحدر الطائفية، فالشقاق السني الشيعي يتجاوز سوريا وجوارها، إلى مصر وأفغانستان، لأسباب عديدة أهمها العشائرية التي تتخذ شكلًا سياسيًا.


حين اندلعت الثورة السورية في درعا، في منتصف آذار (مارس) 2011، رفعت شعار إسقاط النظام الظالم الذي يحكم سوريا، وأعلنت سلميتها في أكثر من مرة، منادية quot;سلمية... سلميةquot;، في تظاهرات انتشرت في كل أنحاء البلاد. لكن هذه الثورة انجرت إلى عسكرة اضطرارية، بعدما أمعن شبيحة النظام السوري في المتظاهرين العزل قتلًا وتنكيلًا.

وفي مسعى إلى حرف الثورة عن نضالها الأساسي، حوّلها النظام السوري طائفية بين سنة وعلويين، مستدرًّا عطف الشيعة في العالم، وقبلتهم إيران، ومثيرًا الخوف في أقليات أخرى تسكن سوريا، كالمسيحيين والموحدين الدروز، ليبقوا على ولائهم لبيت الأسد.

ليست وحدها
هكذا، نشبت الطائفية أظافرها في سوريا. وفي تحليل بعنوان quot;سوريا ليست الدولة الوحيدة في منحدر الطائفيةquot;، سلمت صحيفة غارديان البريطانية اليوم بأن سوريا لم تعد بلدًا للتسامح، quot;لكن النزاع بين سنتها وشيعتها جزءٌ من صورة أكبر للعنف الطائفي في العالمquot;. وكأن غارديان تربط ما يحصل في سوريا بما يحصل في دول عربية أخرى، كلبنان والعراق، وحتى مصر، التي شهدت أول صدام سني ndash; شيعي قبل أيام.

يقول ماليس روثفين، كاتب التحليل في غارديان، إن العنف المحتدم في سوريا، حيث يتهم نظام بشار الأسد باستخدام أسلحة كيميائية ودبابات وطائرات ضد شعبه، أظهر عمق الشقاق التاريخي بين السنة والشيعة، وفداحة خسائره البشرية، quot;فما بدأ احتجاجات مستلهمة من حركة الاحتجاج في مصر وتونس وليبيا، وتحوّل صراعًا داميًا بين السنة والشيعة، يعود في جذوره إلى خلاف وقع مع بدايات انتشار الإسلامquot;.

يضيف روثفين: quot;في أحدث جولة للصراع الطائفي في سوريا، قتل نحو 30 شيعيًا على الأقل في قرية في ديرالزور، حيث اقتحم مسلحون سنة القرية، ونشروا على الانترنت شريط فيديو يسجل إحراقهم منازل الشيعة، وهم يرددون شعارات تصف هؤلاء بأنهم كلاب مرتدون كفرةquot;، مذكرًا بأن النظام الحاكم في سوريا، الذي يسيطر عليه العلويون الشيعة، يمثل رابطة حيوية بين إيران الشيعية والعراق ذي الغالبية الشيعية، حيث تواجه الأقلية السنية الاستبعاد والاضطهاد.

العشائرية سبب
يغمز روثفين من قناة مصر، التي كانت ذات يوم موطن الفاطميين الشيعة، والتي تتعرّض الأقلية الشيعية فيها لهجمات من جموع سنية غاضبة، quot;ففي يوم الأحد الماضي، قتل رجل الدين الشيعي حسن شحاتة وثلاثة آخرين في قرية زاوية أبو مسلم بالقرب من القاهرة، إثر خطاب من رجال دين سلفيين وصفوهم بأنهم كفرة، وفي الأسبوع الماضي شنت جماعة عسكر جهانغي، وهي حركة سنية متشددة مرتبطة بطالبان، هجومًا انتحاريًا على حافلة تقلّ طالبات من جامعة ساردار باهدور خان للبنات في كويتا في باكستان، التي تدرس فيها أعداد كبيرة من أقلية الهزارة الشيعيةquot;، في ما يراه روثفين صورة كبيرة لصراع ديني متفش، لا ينحصر فقط في سوريا أو في الدول متعددة الديانات التي تجاور سوريا.

ويتساءل: quot;لماذا ظهرت هذه النعرات الطائفية اليوم؟quot;، ويجيب روثفين عن سؤاله: quot;أحد أسباب ذلك هو العشائرية التي تتحكم في بعض مجتمعات المنطقةquot;. ففي سوريا، سيطر العلويون على حزب البعث العلماني، إثر انقلاب في العام 1970 قام به وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، والد بشار. والعلويون كانوا مؤهّلين لتولي السلطة بعد الاستقلال السوري، بفضل ما حصلوا عليه من تدريب عسكري ومن مزايا إبان الاحتلال الفرنسي.

يضيف روثفين: quot;النموذج السوري يعكس صورة العراق قبل الغزو الأميركي، حيث كانت الأقلية السنية المحيطة بصدام حسين تسيطر على مقاليد الأمورquot;.

الحشد مستمر
لم تتطرق غارديان إلى عامل مهم من عوامل quot;تصييفquot; الصراع السوري، وهو تدخل حزب الله الشيعي إلى جانب النظام العلوي، وإعلانه صراحة أنه يقاتل التكفيريين في سوريا، وهذا مسمى درجت عليه إيران وشيعة العراق لتسمية الثوار السوريين الإسلاميين السنة.

وفي أعنف رد فعل سني على انخراط شيعة حزب الله في سوريا، هاجم شيخ الأزهر أحمد الطيب الحزب على خلفية تدخله في المعارك في سوريا لمصلحة النظام السوري، وذلك في كلمة ألقاها نيابة عنه كبير مستشاريه حسن الشافعي، في مؤتمر موقف علماء الأمة من أحداث سوريا، الذي ينظمه المجلس التنسيقي الإسلامي العام في القاهرة منذ أسبوع.

وقال الطيب: quot;موقف الأزهر واضح ومعلوم، وهو ينادي الأمة الإسلامية لتواجه المظالم الطائفية التي تتم في بلاد الشامquot;. وأضاف: quot;لن تكون سوريا ساحة تصفية للخلافات الطائفية وستعود إلى الصفوف العربية، ولن ينجح حزب الله في أن يحوّل سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الطائفية وتحقيق أهداف الشيعة، ولن تكون سوريا ومنطقة الهلال الخصيب تحت قيادة طائفية، وستبقى عربية، ولن ينجح الشيعة في هذاquot;.

فدخول حزب الله إلى سوريا، دفاعًا عن مراقد شيعية من هجمات السنة، أو دفاعًا عن النظام العلوي هناك، سبب مباشر لتعميم حالة صدام طائفي دامٍ، ليس في سوريا وحدها، بل في كل المنطقة. وليس أبلغ من خطاب شيخ الأزهر ليكون مادة لحشد السنة من المحيط إلى الخليج، بمواجهة الشيعة في المنطقة.