غادرت المنطقة العربية منذ سنوات طويلة.. لأستقر في الغرب مستمتعة بكامل حقوقي , ولكن بدون أن انسى للحظة واحدة جذوري الأصلية , ومسئوليتي تجاه كل من أحبهم في المنطقة العربية , لأحاول من خلال كتاباتي ومساهماتي الإعلامية إيصال رسالة إيجابية للطرفين بأننا كلنا بشر, وأن بيئتنا التي نولد ونعيش فيها لها الكثير من الفضل أو عدمه في ما نصير إليه , في مستقبل قد يمنحنا الأمان! أو مستقبل نحرم منه من كل حقوقنا بما فيها الأمان فيحي في انفسنا غضب مكبوت تستفز فيه مشارعرنا لأقل هفوة بحيث وفي كثير من الأحيان نلجأ للعنف لحل مشاكلنا ولأتفه الأسباب.

في زيارة تتعلق بأسباب خاصة للأردن دعيت لمشاهدة مسرحية quot; الآن فهمتكمquot;. وبرغم عدم تعمقي في تطوّر خطوات الفن والفنانين في الأردن, إلا أن حب الإستطلاع لما يدور فيه, حمّسني لقبول الدعوة ومشاهدة واحدة من أفضل المسرحيات النقدية العربية التي شاهدتها سابقا في أي دولة عربية أخرى.

في أسلوب نقدي ساخر يبدع الكاتب المسرحي الذي لم أسمع به سابقا الأستاذ الكاتب أحمد حسن الزعبي في عرض القضايا الحساسة التي يعيشها المواطن الأردني والتي تحرمه من حقوقه الطبيعيه في المشاركه في الثروات الوطنية القليلة والمحدودة في الأردن. بحيث يتركز الإنتفاع من هذه الثروات في طبقة واحدة ويبقى الإنسان المواطن يدور حول نفسه في فقر وحرمان.. جسّد دور هذا المواطن فنان مبدع أعتقد أنه تفوّق في أدائه على الكثير من الفنانين العرب المشهورين والمعروفين جدا.. الفنان الأردني موسى حجازين.. نجح بادائه بأن يلمس قلوب كل المشاهدين في خليط من الألم والضحك لما تقوم به الحكومات الأردنية المتعاقبة من إهمال وتحايل على حقوق هذا المواطن. في مسرحية quot;quot;الآن فهمتكم quot;quot; والمقتبس عنوانها من كلمة الرئيس التونسي المخلوع بن علي في آخر أيام حكمه في تونس, وبعد فوات الأوان , جسّد الفنان من خلال أبو صقر رب الأسرة المتواضعة الإمكانيات , صورتين رائعين. الأولى صورة الأب المتسلط في عائلتة, وصورة الحكومة التي تفقد إحترام مواطنيها وتصبح عاجزة عن فهم رسالة مواطنيها بحيث تضطرهم إلى إعلان العصيان والتخلي عنها كما حصل في نهاية المسرحية.

يبين الفنان عملية الخوف المتبادلة وتخبط الحكومة مع مواطنيها بحيث أن القوة سواء المادية أم قوة البلطجه قد تكون الطريق للوصول إلى مناصب حكومية.. حين قال quot;quot; إحرق 5 إطارات وتأخد بلدية quot;quot;.

يبين دور المخابرات في الحصول على المعلومات بأسرع السبل وهي رشوة المواطن المعدوم , صوّرها من خلال محاورة بسيطة مع إبنته الصغيرة والتي توشي بأخوها مقابل مبلغ بسيط.. إجابته لها بأنها ما دامت على إستعداد لبيع أخوها بمبلغ بسيط فإنها ضمنت وزارة ما, تؤكد الإتفاق الضمني المبرم أو التحايل من الحكومة وبعض الوزراء في علمية تبادل مصالح مشتركة لم تأخذ حساب المواطن وحقة في الحسبان!!

لم يدخر الفنان وسعا في نقدة اللاذع للحكومات الأردنية المتعاقبة التي فشلت كلها في فهم متطلبات المواطن وحقه في ثروته الوطنية , ولم تدخر وسعا في إفلاس الحكومة والمواطن من خلال سرقاتها المتعددة لأراضي الدولة كما في إستيلاء النظام على أراضي العقبة والتي أعادها مرة اخرى للدولة بعد الضغوط الشعبية , ومشروع الإستثمار الفاسد الكبير للكازينو في العقبة والذي خرج منه احد رؤساء الحكومات السابقة ببراءة بينما علقت القضية برقبة وزير سياحة أقل رتبة منه..

عمليات الفساد الكبرىى التي إبتلي بها الأردن في بيع بعض أراضي العقبة للحريري والتي لم توجد وربما اختفت أموالها من حسابات الدخل الحكومية.. في محاولة إيهام للمواطن بأن لا خوف على الإطلاق لأن الأرض ما زالت موجودة.. quot;quot; عمركم شفتوا مستثمر ياخد الأرض معاه quot;quot;.

أيضا تخبط الحكومة في مشاريعها الإستثمارية والتي وصلت إلى إستثمار أراضي المقابر في بناء أماكن للتسوق عالية الأسعار والتي لا تجد مواطنين للشراء فيها بقدر ما هم متفرجون يتحسرون على نمط من العيش يرونه فقط على الشاشات الفضية ؟؟ مبينا عمق الفجوة بين المواطنين.. وزيادة نسبة طبقة الكادحين مقابل نسبة الأثرياء!!

سخريته اللاذعة من علمية الدمقرطة الأردنية في تحايل الحكومة على المواطنين في عملية تداول للسلطة بين نفس الوزراء بحيث لا تزيد عملية الدمقرطة عن مجرد تغيير في المناصب بين نفس الوزراء!! مشيرا أيضا إلى المحسوبية , من خلال جملته.. أنك لن تصل إلى أن تصبح وزيرا إلا إذا كنت إبن وزير أو من عائلة خرج منها وزراء.. وبالتالي نافيا العملية الديمقراطية وحق الإنسان الأردني في تكافؤ الفرص و الإنتخاب..

تهكمه من الوضع الذي إستفاقت له الحكومة الأردنية مؤخرا , وهو حمل بعض الوزراء وموظفي الدولة لجنسية مزدوجة, مما قد يؤدي وفي كثير من الأحيان إلى تسريع عملية هروبهم خارج حدود البلد , أوعدم تعرضهم للمساءلة القانونية في حال وجود تهم فساد أو سرقات لأموال الدولة. وما قد يسببه تعارض المصالح من عدم القيام بالمسؤولية كاملة. وهي الفضيحه التي تعرضت لها الحكومة الأردنية خلال الأشهر القليلة السابقة. واللطمه التي واجهتها حين فضّل البعض من الوزراء حمل الجنسية الأجنبية والخروج من الحكومة.. مما يضع علامة إستفهام كبيرة على موضوعي الولاء وماذا يحمل المستقبل للأردن؟

بلغت السخرية مداها حين إنطلق في تهكمه اللاذع على مسألة إنضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي.. في تساؤله ولمادا الآن.. وهل هي علامة على حق الإنسان العربي في إعادة توزيع للثروات القومية.. من خلال فتح أبواب الحدود والتعاون والتنسيق الإقتصادي التي يتمناها الإنسان العربي!!! ولكن جملته كيف تعامل دول الخليج الإنسان العربي..quot; يا يقيّزونا يا يطيّزونا quot;quot; أعادت الحقيقة المؤلمة إلى نصابها وإن أخرجت الجمهور في ضحك لا عقال له!

سخريته اللادعه من التخادل العربي.. في صراعه الأبدي مع الدولة الإسرائيلية الصغيرة.. والمفتوحة الشهيه للتوسع بإستمرار ومن الخوف الغير مبرر من الوجود الفلسطيني على أرض الأردن.. لأن علاقة الترابط والأخوة والنسب هي ما يحمي الأردن.. حتى وفي ظل شبح كلمة الوطن البديل فلا خوف على الأردن لقوة ما يربط الشعبين.

المسرحية وإن لم تتطرق بالكلام الواضح للنظام نظرا لولائها وحبها للعائلة المالكة.. إلا أنها لجأت للإشارة في بعض الأحيان لتبين أن الأوامر العليا تأتي من النظام نفسه.. و تحدّت الحكومة وكل الوزراء والممثلين في صرختها للنظام أن ساعدنا وساعد نفسك قبل أن يفوت القطار ويقتل كلانا.

أعتقد أن أهم ما قامت به المسرحية إضافة إلى تحدّيها للائحة المحرمات التي تحدتها وكسرتها الإنتفاضات العربية. مخاطبتها للعقل العربي وإضاءة الطريق التي نسيها من الخوف لسنوات طويلة أفقدته الذاكرة وأصبح خلالها لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم.. فقط مهموما بلقمة العيش.. فمن خلال الكتاب عن الديمقراطية الذي حمله الفنان على رأسه, قد يكون الفنان ألهم المشاهد أن الديمقراطية هي الأسمى والأعلى وهي الطريق حتى وإن نسيها لعقود..

المسرحية صرخة إستغاثة من شعب يتضور جوعا وخوفا مزدوجا ما بين الخوف من الحكومة والخوف مما قد تحملة الثورة من تكاليف كما وحصل مع الدول المجاورة لا يستطيع ولا يريد المواطن الأردني تحملها.. ولكن أنينه يزداد ما بين ألم الجوع وصرخة ضد الفساد وحنين إلى العدالة الإجتماعية.. لا يهمه من يبقى على رأس السلطة.. ولكن همه الأول رفع رأسه كإنسان وإحترام كرامته الإنسانية وعدم العبث بمقدراته وبعقله الدي فجأة أصبح يرى أنه يملكه بعد تغييب دام لسنوات طويلة.. ويصرخ أريد من يفهمني ويقدرني كإنسان.. فهل هدا الطلب بكثير!

باحثة وناشطة في حقوق الإنسان