في مجال الحرب الاعلامية التي تشنها الكثير من المؤسسات و الدوائر التابعة لخطاب الجهات المعادية للمنطقة و الغارقة في شبهات العلاقة مع داعش , هنالك محاولات حثيثة من اجل العمل على تزييف قناعات الراي العام و تشكيل هذه القناعات ومن ثم السلوكيات المترتبة عليها وفقا لما يخدم اجندات الممولين و المالكين لهذه الوسائل. حيث يستغل عدد غير قليل منهم الازمات السورية – العراقية تحديدا من اجل تحويلها الى استثمار مهم يسمح في تحقيق مزيد من التراكم الراسمالي لثرواتهم.&

في هذا الصدد بدا هذا الاعلام بالتاكيد على إن الحرب الروسية في سوريا هي غير موجهة بالضرورة ضد داعش. الضربات الجوية تستهدف المناطق التي تنتشر فيها القوى المعارضة لداعش. وعادة ما يسمون هذه الفصائل المعارضة بتسميات تفضح زيفهم من قبيل جبهة النصرة و حركة احرار الشام. وهم وفقا لهذه الرسالة الاعلامية المفخخة لا يريدون الا إن يوهموا العالم بان روسيا تقوم بدور قذر لخدمة داعش في سوريا , وذلك عبر التخفيف من ضغط المعارضين لها و تقليص مساحة نفوذهم التي بدات تتزايد مؤخرا بطريقة تهدد المكانة المستقبلية للامارة الاسلامية التي يسعى داعش الى اعلانها!.&

هنالك راي اخر يحاول البعض تمريره في هذا المشهد البائس يشير الى إن الروس يريدون بهذه العملية إن يضعوا العالم باسره في موقف محرج للاختيار بين الدولة السورية و داعش. فاستهداف معارضي داعش من خارج منظومة الحكومة السورية , يعني ترك الامريكان و بقية الغرب في مواجهة قلقة بعد إن يكونوا قد خسروا اوراق اللعب التي كانوا يعولون عليها في توفير بدائل مستقبلية لإحكام الهيمنة على هذا البلد.&

تقوم اليوم الكثير من هذه المؤسسات باللجوء الى الخرائط الجغرافية لاقناع الراي العام بجدوى خطابها. هذه الخرائط تستخدم لابراز فكرة التوزيع الجغرافي للفصائل المعارضة في سوريا , في محاولة لارباك قناعات الناس عبر آلية الاستخدام المشوه للكارتوغرافيا في بناء التصورات و المواقف مما يجري. هذه الخرائط تحاول إن ترسخ بعض المعلومات على انها الحقائق الوحيدة الموجود على الارض , وهي طريقة استغلال بشعة لعقول الناس للتلاعب بهم لاغراض محددة تصب بالنهاية في معاداة اي قوة تجابه التطرف في سوريا و العراق.&

الخرائط في اغلبها تبين بان المساحة التي تهيمن عليها هذه الفصائل تتوزع مابين 10-20% لداعش و الباقي لما يسمى بالمعارضة المعتدلة. لذا فانها تظهر وفقا لهذه الرسومات روسيا وهي توجه الضربات لما يسمونهم باصدقاء واشنطن, ومن بينهم طبعا الفصائل التي عملت قبل فترة قليلة على تسليم السلاح الامريكي الذي حصلت عليه من ادارة البيت الابيض الى الجماعات المتشددة!.&

الروس يربكون الاعلام الغربي عبر اندفاعهم المهم في شؤون المنطقة , خاصة وان هنالك مؤشرات مهمة تدلل على إن هذا الدور اخذ بالتزايد في محاربة الارهاب ليصل في الفترة القادمة الى العراق. في ظل هذا المشهد ليس مستبعدا إن يصار في الموصل و الانبار الى الاعلان رسميا عن انشاء الجيش الحر - و المعارضة المعتدلة و والاعلان ايضا عن بروز خلايا اسلامية معتدلة لمحاربة داعش. حين يتدخل الطيران الروسي هناك , ليس بالغريب ان نسمع من هذا الاعلام ذات الاكاذيب من خلال تكرار فكرة ان الروس يستهدفون معارضي داعش في الموصل!.

في ظل هذا الادراك لاهمية الاعلام في تحديد مسار الحرب و ايضا العلاقات مع الجانب الامريكي , نجد بان الكرملين قد بدأ التحذير من المعلومات التي يتداولها الاعلام عن الضربات الجوية التي تنفذها المقاتلات الروسية ضد داعش في سوريا. مؤكدا بان هنالك مقدار عال من التشويه في الطرح الاعلامي حول هذه الحملة التي تقوم بها روسيا لمكافحة الارهاب. حيث يوجد هنالك توجه واضح من قبل البعض للعمل على استقطاب مزيد من العداء الدولي و الشعبي لهذه الحملة بحجة انها تستهدف المعارضة السورية المعتدلة و كذلك تستهدف المدنيين.&

هنالك ايضا اشارة متميزة اراد الروس ايصالها الى الراي العام العالمي تشير الى إن التحالف الروسي يستهدف مواقع داعش و مراكز انتشارها من خلال التنسيق بشكل مباشر مع الجانب السوري و بالذات مع وزارة الدفاع التي لديها تفاصيل دقيقة عن الجغرافيا العسكرية للمنطقة و المساحات التي يتواجد فيها الارهابيون. بالتاكيد مثل هذا التنسيق يثير امتعاض الاخرين الذين وقفوا طوال السنوات الماضية بالضد من اي تعاون مباشر او حتى غير مباشر مع الدولة السورية في مجابهة الهجمة الشرسة التي تسهدف هذا البلد. لذا وصفت روسيا هذه المواقف بانها مواقف مخاتلة تسعى في حقيقتها الى استخدام ورقة الارهاب للاطاحة بالحكم في سوريا بهدف تحقيق مشاريع معلنة ابسطها ذلك الذي يسعى الى تكرار التجربة الليبية التي اشاعت في اعاقبها الفوضى و شبح التقسيم. وهو سيناريو قابل للتكرار في كل النطاقات التي يهيمن عليها الارهاب و التطرف في المنطقة. لذا فان الازمة هي في اساسها و للتاكيد ليست ازمة القائد الاوحد بل اثر العامل الخارجي في فرض رؤيته للتغيير التي تاتي بالاساس خدمة لمصالحه و توجهاته بالضرورة. لو ترك امر التغيير ليُقرر من قبل الشعوب المعنية , لكانت حياة المنطقة الان مختلفة تماما عن ما هي عليه من واقع مرير. لذا تروج روسيا الى حل سياسي في سوريا بعد القضاء على داعش تكون الكلمة الفصل فيه لانتخابات يقرر فيها السوريون مصيرهم.

الغريب في كل ما يدور الان من تطورات إن العراق وللاسف الشديد لا يملك استراتيجية اعلامية – استباقية يمكن له من خلال توظيفها بشكل سليم , إن يعمل على تجنب الارباك الذي يشاع اعلاميا حول الدور الروسي في سوريا. وهي الطريقة الانسب للاعداد الى الاعلان الرسمي عن بدء مكافحة الارهاب روسيا في الجغرافيا العراقية.

اكاديمي عراقي

[email protected]