&أنظمة الأمر الواقع بمؤسساتها السياسية و العسكرية منها في منطقة الشرق الأوسط عموما والدول التي تتقاسم أراضي كردستان خصوصا تعيش حالة حرب و دفاع عن الوجود في مواجهة الأعاصير التي هبت مع بواكير رياح التغيير التي قدمت مع الربيع العربي والتي لا تزال تشكل خطرا على بقاء العديد منها على الرغم من الالتفاف عليها في مصر و اليمن و حصرها في حالة تشبه الاحتضار في سورية إلا أن الصراع لا يزال قائما بين قديم يأبى الرحيل و جديد ضبابي ضاعت ملامحه وسط موجات التطرف المتلاطمة و بروز قوى ظلامية تحرق الأخضر و اليابس., تحاول كسر ارادة الانسان العادي و تجريده من حضارته و ماضيه ,هدم حاضره و حجب المستقبل عنه.

اذا كانت الظروف الدولية عملت يوما على أن يبقى شعبا تعداده يربو على الأربعين مليون نسمة يعيش على ترابه دون كيان قومي خاص به حيث جرى الحاق أرضه بمن فيه من خلال معاهدات دولية جائرة بأربعة دول, العراق , سورية, ايران وتركية , فان رياح الظروف الدولية اليوم تجري بما تشتهيه سفينة الكرد, اذا قام قبطانها بتسيير دفتها مع الريح لا ضده لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح و استرجاع الحقوق لأهلها.

الدول الغنية الكبرى و النافذة في السياسة العالمية تفكر مثل رأسمالها تفكيرا جبانا , التغيير بالنسبة لهم مغامرة محفوفة بالمخاطر,هم لا يضمنون ماهية الأنظمة التي قد تحل مكان الأنظمة الاستبدادية القائمة في المنطقة لذلك يفضلون الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه أو في أحسن الأحوال استبدال أشخاص بآخرين أي الاكتفاء بعملية تغيير للأسماء لا النظم التي اعتمدت عليها عقودا.

اسم كردستان كوطن للكرد لم يكن ذا صدى و لم يطرح بهذه القوة منذ أن و ضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها, حيث تم التعامل حينها مع قضية الكرد مثل قضايا باقي شعوب المنطقة من خلال وعود بالاستقلال في معاهدة سيفر1920 م بين الدولة العثمانية والحلفاء , لكن بنود تلك المعاهدة مع كل الأسف لم ترى النور تحت ضغوط من الدولة التركية الفتية بعدئذ بزعامة مصطفى كمال أتاتورك و لرغبة أوروبا في ارضاءه لكي يمضي قدما في محاربة الإسلام والخلافة الإسلامية في تركية , بذلك تخلى الأوروبيين عن الأكراد ,تنصلوا عن وعودهم و تم عقد معاهدة لوزان 1923م التي فيها تم تجاهل قضية الشعب الكردي تماما. من ذلك التاريخ يعاني الانسان الكردي مرارة الحرمان من هويته القومية في كل البلدان التي تقاسمت جغرافية وطنه بطولها و عرضها. لقد خبر الكرد مرارة المعاناة, العجز و قلة الحيلة في مواجهة أنظمة الدول المحتلة التي كانت القضية الكردية دائما تشكل الحافز القوي لتجاوز خلافاتهم حتى الشائكة منها في سبيل منع الكرد من الحصول على أية مكاسب قومية في أي جزء كان. اليوم هذه الدول بالكاد تستطيع الحفاظ على وجودها: الدولة السورية بالحدود التي رسمها الانكليز و الفرنسيون تُنَازعُ الموت, العراق غارقة في معمعة من الصراع المذهبي بين الشيعة و السنة, ايران متورطة في ملفات اقليمية شتى من خلال دعمها للحركات الشيعية: الحوثيين في اليمن , حزب الله في لبنان , شيعة البحرين,نظام الأسد في سورية و القسم الموالي لها من حكومة العراق بالإضافة إلى معركتها مع المجتمع الدولي في سبيل تخصيب اليورانيوم. تركية بزعامة العدالة و التنمية من جهتها تعاني من تدهور في العلاقات مع الغرب, الولايات المتحدة و اسرائيل ,كذلك مع الدول العربية وفي مقدمتها مصر بعد الانقلاب العسكري على حركة الاخوان و ومرسي ,فيما كرديا هي على علاقات اقتصادية متميزة مع اقليم كردستان, الأمر الذي لم تكن تركيا نفسها تتوقع, كما أنها في حالة هدنة و مفاوضات مع أكرادها.

الكرة الآن في ملعب قادة الكرد أنفسهم وعلى وجه الخصوص في اقليم كردستان الجنوبي الملحق بالدولة العراقية.

الواقع الذي يخيّم على اقليم كردستان منذ أن فُرض الحظر الجوي للطيران العراقي شمالا في بداية التسعينات أي في أعقاب حرب الخليج الثانية مهد للكرد تأسيس حكم ذاتي قوي وشبه مستقل , استمر في التحسن حتى يومنا هذا مخلّفا نوعا من الاستقرار السياسي و الرخاء الاقتصادي بفضل الظروف السياسية التي عمّت المنطقة ومن ثم قيادته السياسية التي فعلت الكثير لكن ليس بالكافي اذا لم تدرك أهمية هذه المرحلة و استثنائية ظروفها.&

الدول التي تحتل كردستان لن تعرض الاستقلال على طبق من ذهب, حتى الدول الأوروبية الصديقة التي تخشى على مصالحها الحيوية في المنطقة لن تنادي باستقلال كردستان بالنيابة عن الكرد. القيادة السياسية الكردية التي أصبح وجودها يشكل إحدى عوامل الاستقرار في المنطقة و خاصة بعد محاربة القوات الكردية تنظيم داعش الارهابي بدعم و توافق دوليين , عليها بدون إبطاء و اليوم قبل غد وضع الجميع أمام الأمر الواقع بإعلان كردستان العراق دولة كردية مستقلة.

التاريخ أثبت على مر السنين بأن لاشيء يدوم على حاله ,لكل شيء نهاية وأعاصير هذه المرحلة التي تمر بالمنطقة سوف تهدأ يوما وستكون لها خاتمة, ان لم يحقق قيادات الكرد آمال شعبهم و تطلعاته إلى الحرية و العيش الكريم الآن, ربما تعود تلك الدول صاحبة الشأن و التي تقتسم أراضي كردستان أن تتحالف معا من جديد كما اعتادت أن تفعل في الماضي و تجردهم حتى من المكتسبات التي بين أيديهم اليوم.

&

&ستوكهولم&

[email protected]