سأل أستاذ مادة الحقوق والقانون في إحدى الجامعات العربية طلابه: ماذا تفضلون، دولة الحقوق أم دولة القانون؟ إحتار الطلاب في الإجابة على هذا السؤال، ربما لصعوبة التمييز ما بين هذين المفهومين المتلازمين (أي الحقوق والقانون). وفي النهاية أجاب الطلاب بلا إستثناء، نفضل دولة القانون. رد الأستاذ على طلابه بالقول: دولة القانون هي دولة ظالمة.

إستغرب الطلاب من هذا الرد، غير أن الأستاذ واصل حديثه قائلا: كما تعلمون أن جميع دول العالم الثالث، والذي من ضمنه العالم العربي، لديها قوانين أقرتها برلمانات من المفروض أنها منتخبة من الشعوب. أغلب هذه القوانين تنتهك جزءا كبيرا من حقوق الإنسان المتفق عليها عالميا إن لم يكن جلها، سواء ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والمعتقد، أو الحق في المشاركة في السلطة والثروة. إضافة إلى دساتير لا يوجد فيها فصلا واضحا بين السلطات الثلاث الرئيسية، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية، كتبت على مقاس العوائل الحاكمة أو الطغم العسكرية أو الأحزاب السياسية المتنفذة المدعومة من الجيش والأجهزة الأمنية.

كم من الأقليات في الوطن العربي حرمت من إستخدام لغاتها القومية أو ممارسة شعائرها الدينية، وكم من الناس أجبروا على الهجرة من أوطانهم إلى بلدان أخرى بسبب مطالبتهم بحقوقهم السياسية والإقتصادية، وكم من المواطنين أجبروا على الرحيل من مناطقهم التي ولدوا وترعرعوا فيها لإفساح المجال لغرباء ليسكنوا في مناطقهم، وفي بعض البلدان يتم جلب الغرباء من الخارج وتجنيسهم بهدف تغييرالتركيبة السكانية ليصبح المواطنين الأصليين بعد فترة من الزمن أقليات في أوطانهم. كل هذا يحدث بإسم القانون وتطبيقه.

واصل الأستاذ حديثه قائلا: طالبوا بدولة الحقوق أولا، ثم الإتفاق على ماهية الحقوق هذه، ثم سن القوانين التي تحمي هذه الحقوق من الإنتهاك ومن أي جهة أو سلطة كانت. ومن أهم الحقوق الطبيعية والبديهية التي أقرتها الشرعية الدولية هي:

* حق الشعوب في إختيار أنظمة الحكم التي تناسبها وترتضيها.

* حق الشعوب في إختيار الأشخاص الذين يسيرون شأنهم العام، ومراقبتهم ومحاسبتهم وعزلهم.

* حق الشعوب في تنظيم نفسها والتعبير عن خياراتها عن طريق تشكيل الأحزاب السياسية على أسس وطنية جامعة، وإنشاء أجهزة إعلامية ورقابية حرة ونزيهة.

* حق الشعوب في صون كرامتها الإنسانية بمختلف حقوقها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، من عمل شريف، وعيشة كريمة، وسكن لائق، وتعليم وتطبيب مجانيين.

* حق الشعوب في المنافسة الإقتصادية الحرة والشريفة، وحماية الملكية الفردية بما لا يضر مصلحة الأغلبية أو المجتمع ككل.

* حق الشعوب في صون حرمتها الإجتماعية، أي حرمة مساكنها وأماكن عملها.

إن القوانين في دولة الحقوق ينبغي لها أن تكون خادمة وحامية وخاضعة لهذه الحقوق وليس العكس، ومن يروج لغير هذا المعنى فهو بذلك يعمل على تكريس كل مفاهيم الإستبداد والظلم والتضييق على الحريات، حتى يضمن لها الإستمرارية في الحياة، وبالتالي يطيل أمد المآسي السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لهذه الشعوب.

ليس من العيب أن تطور الدولة مؤسستها القانونية، وأن يكون لديها حزمة من القوانين تغطي كل المجالات وكل مناح الحياة إذا أمكن، فذاك من مقتضيات الدولة الحديثة التي من المفروض أن لا تترك فراغا قانونيا في أي مجال من مجالات تدبير وتسيير وتيسير الشأن العام إلا وعملت على تقنينه، والهدف من ذلك هو تكريس هيبة القانون والعمل على أن تكون له السيادة على كل شيئ.

إن دولة الحقوق والقانون ليست فقط تلك الدولة التي لديها دستور وحكومة وبرلمان وأجهزة قضائية، وليس فقط تلك الدولة التي تقام فيها إنتخابات تشريعية كل أربع أو خمس سنوات. كل هذا يمثل عناوين رئيسية، ومضامينها كلها ينبغي أن تنسجم مع مبرر وجودها في الأصل، الذي هو ضمان حقوق كل فئات المجتمع وأفراده على قدم المساواة، حتى تكون بحق دولة المجتمع المعبرة عن إرادته وإختياره.

هناك قاعدة في فقه الحقوق والقانون تقول: إن الأصل في القانون هو ضبط مجال الحقوق في المجمل وليس تقييدها. وفي دولة الحقوق والقانون والحريات يكون وضع أو تأويل القوانين لصالح تيسير التمتع بالحقوق، وليس لصالح تعسيرها أو تعقيدها أو الإلتفاف عليها. وعلى هذه القاعدة تتأسس دولة الحقوق والقانون بإعتبارها مبنية في الأصل على الحق في التعبير والتنظيم والإجتماع والإختيار الحر والمعارضة السلمية البناءة، والعيش الكريم والكرامة الإنسانية. ويأتي القانون تبعا لهذا الأصل ضابطا له وميسرا لوجوده، فالقانون يأتي إقتضاء لهذا الحق لا إبتداء. (المصدر: ويكيبيديا الموسوعة الحرة). هذا هو أصل مفهوم دولة الحقوق.