&تكرر وسائل الاعلام وخاصة العربية اليوم اتهامات لايران بالتدخل في شؤون بعض الدول وتوسيع نفوذها فيها، واستبعد أن يكون مراد الذين يروجون لهذه الاتهامات اتهام ايران وحسب، وانما الضغط على المتعاطفين معها وأصدقاءها في تلك المناطق لتقديم التنازلات، أو التراجع عن مواقفهم أو غير ذلك.

من يقول ان عاصفتي الحزم واعادة الأمل استطاعتا حسر النفوذ والتمدد الايراني في اليمن، إما أنه غير مطلع على مجرى الأحداث في اليمن، أو انه يعلم ولكنه يريد تضليل الرأي العام، فقصف اليمن سواء بالطائرات أو المدافع زاد من نفوذ ايران في اليمن أضعاف ما كان عليه، كما انه وطد العلاقة بين شرائح يمنية واسعة مع ايران، فالعلاقة لم تتوطد مع حركة أنصار الله وحسب بل كل الذين رفضوا الهجوم على اليمن، وهناك معلومات تؤكد ان قيادات في جمعية الاصلاح الحليف التقليدي للتحالف وللرئيس عبد ربه منصور هادي انضمت الى حركة أنصار الله.

بعد ما كان نفوذ حركة أنصار الله يقتصر على أجزاء من محافظة صعدة فان الحركة تعتبر اليوم اللاعب الرئيسي في اليمن، وليس لأحد تجاهلها وتهميشها، وربما لايعترف المنافسون لأنصار الله بهذه الحقيقة ولكن تراجعهم المستمر عن شروطهم في التفاوض معها يشير إلى أنهم غير قادرين على هزيمتهم، فقد طالبوا بانسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها، وبالتحديد المعسكرات التي سيطروا عليها وتسليم السلاح، كشرطين أساسين للحوار مع الحركة ولكن عندما رأوا ان الحركة لم تستجب لشروطهم قرروا التنازل عنها، وما عادوا يذكرونها.

ما كان نفوذ الحركة ليتوسع ويتعزز، لو كان القائمون على الوضع اليمني استجابوا لمطالبها، وخاصة مطالبها التي أعلنتها بعد ثورة 25 يناير، وهي بالتحديد الاستجابة لمطالب الثورة وفي مقدمتها سن دستور جديد للبلاد وتنحية أعوان نظام علي عبد الله صالح، ومع ان المبادرة الخليجية استطاعت اقناع علي عبد الله صالح بالتنحي عن السلطة الا انها منحته ضمانات بعدم التعرض له وملاحقته وكذلك سمحت لحزبه بالنشاط السياسي، وبعد فرض هادي رئيسا لليمن في انتخابات لم يسمح بالترشح لها إلا هو بدأت عملية سن دستور جديد للبلاد عبر مشروع الحوار الوطني.

كانت الأمور تجري بشكل سلس ومع ان الكثيريين اعترضوا على تعيين هادي رئيسا للبلاد باعتباره احد اركان النظام السابق إلا أن التأكيد بأنه سيكون مؤقتا ولسنتين فقط، وسيرحل بعد تبني الدستور الجديد والاعداد لانتخابات حرة امتص الاعتراضات على تعيينه الى حد ما، غير أن بقائه في السلطة بعد سنتين وعدم ترجمة الحوار الى دستور جديد فجر الأزمة من جديد، مهدت الأزمة لاتفاق السلم والشراكة الذي لم يصمد كثيرا أمام الخلافات، فتفجرت مرة أخرى.

قبل اتفاق السلم والشراكة لم تكن حركة أنصار الله قد قررت التحرك والمسك بزمام المبادرة، غير أن تلكؤ العملية الانتقالية دفعها لذلك فزحفت نحو صنعاء وسيطرت عليها، وكان من الواضح أنها لم تكن تريد من زحفها هذا السيطرة على البلاد واحتكار السلطة وانما الضغط على سائر الأطراف للاجتماع والحوار وحل الأزمة بشكل جذري، ولو كانت تلك الأطراف قد استجابت للدعوة لما استمرت الأزمة وتصاعدت ووصلت الى ما هو عليه اليوم.

هادي وحلفاؤه وفي مقدمتهم حزب الاصلاح بدل أن يمدوا أيديهم للحركة، ذهبوا الى عدن لفتح جبهة جديدة ضد الحركة، ومما يؤسف له أن عددا من الدول بدل أن تسعى الى رأب الصدع وحسر الهوة نقلت بعثاتها الدبلوماسية الى عدن واعترفت بالكيان الجديد الذي فاقم الأزمة، كما أن ظهور التحالف العربي وهجومه العسكري لم يحسم الأزمة وحسب بل زادها في التعقيد، ودفع أنصار الله الى التقدم نحو عدن والسيطرة على المزيد من المناطق.

هنا نكون قد وصلنا الى بيت القصيد، وهو، ما دامت أغلب الدول العربية تحالفت ضد حركة أنصار الله الى جانب بعض القوى اليمنية، وضيقت الخناق عليها، فيا ترى إلى أين ستلجأ الحركة، اذا لجأت الحركة الى ايران وطلبت العون منها، فهل تلام الحركة أم الذين ضيقوا الخناق عليها؟

ما جرى ويجري في اليمن هو ذاته جرى في سوريا والعراق، فاذا كانت أغلب الدول العربية قاطعت النظام السوري وفرضت العزلة عليه ومارست شتى الضغوط عليه، فلا يلام اذا لجأ الى طهران، وكذلك الحال ما يجري في العراق، فلم تقدم الدول العربية دعما حقيقيا للعراق منذ سقوط صدام حسين والى هذا اليوم، بل الأسوأ من ذلك ان الولايات المتحدة ترفض تقديم السلاح والعتاد للقوات العراقية رغم اكتساح داعش للموصل والأنبار وصلاح الدين، فهل يا ترى تلام الحكومة العراقية اذا لجأت الى ايران؟

للاسف فان بعض الدول العربية تعلق أخطاءها وفشلها في سياساتها سواء الداخلية كاحتواء الاحتجاجات والتظاهرات، أو الخارجية كأحتواء الأزمات الاقليمية، على شماعة ايران، وهذا الاسلوب لا يحل المشكلة وحسب وانما يفاقمها ويضاعفها.

السؤال المطروح، هو، اذا كانت ايران متنفذة الى هذا الحد، فلم لا يتم التفاوض معها للتوصل الى حلول حول المشاكل القائمة، فقد أثبتت التجربة أن محاولات اقصاء ايران وتهميشها تبوء بالفشل، الولايات المتحدة بعظمتها فشلت في ذلك وهذا ما أكده الرئيس باراك أوباما في تصريحاته خلال الأسابيع الأخيرة، فطالما كرر بأن الحظر والتهديد لم يجد مع ايران، لذلك لجأنا الى الحوار معها، من هنا اذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع اقصاء وتهميش ايران فهل ستحقق دول أقل قوة من أميركا ذلك؟

هناك من يروج لمقولة لا تمت للواقع بصلة وهي أن ايران متكبرة ومتعجرفة ولا تبدي أية مرونة، ولكن التجارب أثبتت عكس ذلك، فكل الاتفاقيات التي وقعتها ايران مع سائر الدول، أظهر المسؤولون الايرانيون مرونة كبيرة فيها من أجل التوصل الى اتفاق نهائي، وكنموذج على ذلك فقد وقع وزير الخارجية الايراني ووزير الداخلية العماني قبل نحو اسبوع في مسقط اتفاقية تحديد الحدود المائية بين البلدين، بعد 10 جولات من المباحثات، وقد أكد الطرفان في بيانهما المشترك ان الاحترام المتبادل والتفاهم والود كان يسود أجواء المباحثات.&

نعم من يحاول تهديد ايران أو التطاول عليها أو تهميشها أو ممارسة الضغوط عليها، فلن يلقى منها الا الموقف الصارم والمتشدد، والرد بالمثل، وهذا مبدأ اساسي في السياسة الخارجية لكل البلدان وليس ايران وحدها، أضف الى كل ذلك فان قوة ايران ونفوذها سيتوسع ويزداد اذا نجحت في انهاء ملفها النووي، وبالتالي ليس من مصلحة دول المنطقة الاستمرار في سياسة التهميش والاقصاء والعداء لها.

&