(Ez negihîştim te ma ezê te neghînim xwe)

(أنا لم أصل إليكَ، ولكن أليس بمقدوري أن أجعلك تصل إلي)
مثل كردي
&
يبدو أن من أحد جوانب التفجير البنيوي الذي جرى للتربة الشعبية في سوريا بسبب إطالة عمر الثورة، هو ظهور تلميحات خجولة بين أفرادٍ معينين مِن النخبة المعارضة تتعلق بالحساسية المفرطة تجاه الآخر وشعور المزاحمة لدى بعض قاطني سكان البقعة المسماة بسوريا، مزاحة التاريخ، الجغرافيا، المكان، والهواء، والذي تبين بأن ثمة فئات سورية كانت منصهرة في المجتمع السوري لكن بدا لديها حس الغيرة عالي جداً من فئات أخرى من فئات المجتمع نفسه، إذ أن الفئات التي كانت مستساغة جداً الخطاب السلطوي والعنصري لدى البعث الحاكم، وبدلاً من إظهار روح العدل والإنصاف والبحث عن المشتركات، راحوا يبحثون عما يزيد من نسبة البغضاء ويزيد من حجم الشروخ مع اخوانهم المختلفين عنهم، وبدلاً من التفكير بمحاسبة البعث النتن على ما ارتكبه ليس فقط خلال فترة الثورة، إنما محاسبته على ما اقترفه بحق السوريين منذ ما يزيد عن أربعين سنة، وبالتالي التخلص من ارثه العنصري، يتم الاستعانة بثقافة العفالقة للنيل من فئات أخرى عانت الويلات من البعث القذر نفسه، والملفت للنظر أن النُخب السورية الخارجة من جوف البعث والمتمردة عليه، لم ترتقِ خطابات بعضهم بعدُ إلى ما هو عليه الأديب اللبناني أمين معلوف وما وضّحه في كتابه "الهويات القاتلة" وإشارته الى الاحتفاء بالتنوع وتعدد الهويات لديه، وذلك في جوابه على كل مَن كان يسأله إن كان يشعر بأنه فرنسي أم لبناني، وكان جوابه الدائم: "هذا وذاك!" لا حرصاً على التوازن والعدل حسب قوله "بل للتأكيد على أنه سيكون كاذباً لو قال غير ذلك"، فهذا الاحتفاء بالآخر المختلف غائب تماماً عن خطابات الكثير ممن ينتمون الى فريق النخبة في المعارضة السورية، أولئك الذين انتفضوا ضد شمولية البعث، ولكن يبدو أنه لا مشكلة لدى الكثير منهم بأن يُحاكوا تصرفات البعث ويقتدوا بممارساته الشمولية فيما يتعلق بالأثنيات السورية المتاخمة لها، إذ يبدو للناظر وكأن الكثير منهم انتفض ضد الأسد ليأخذ مكانه فحسب، وليس لكي يتخلصوا من ارثه الدموي ونظامه الشمولي النتن.
وبالعودة الى المثل المذكور أعلاه فمعروف أن الكثير من مكونات سوريا وصلت مع الزمن الى حدود الانصهار في المجتمع، باستثناء الكرد الذين وبالرغم من القوانين الاستثنائية الجائرة بحقهم منذ عشرات السنين، وبالرغم من الخناق السياسي والاقتصادي المتواصل عليهم، ظلوا محافظين على هويتهم وخصوصيتهم القومية، ولم يذوبوا بالعنف والاكراه كما سعى الى ذلك البعثُ منذ أن تسلّم مقاليد الحكم في البلاد، وكما نعرف أن أغلب المعارضين السوريين كانوا جزءاً من منظومة النظام نفسه، ويعرفون خططه ومراميه العنصرية تجاه المكون الكردي، ومع ذلك وبدلاً من السعي لإزالة أسباب الاضطهاد القومي الذي مارسه النظام على الكرد، وبدلاً من محو آثار قذارة البعث، ثمة من يود السير على منواله من جديد، ولكن هذه المرة تحت مسميات جديدة وأثواب غير الثوب الذي عُرف به النظام، كما يذكرنا بعض المعارضين السوريين المنتمين الى اثنيات و طوائف ارتضت أن تذوب في المجتمع عن طيب خاطر بالبنت التي فقدت نفسها وخسرت زمام جسدها، لذلك فمن باب الحسد والغيرة يزعجها جداً وجود كل صبيةٍ لا تزال محافظة على ذاتها، لذا يخرج إلينا بين الفينة والأخرى، هذا المعارض السوري &أو ذاك من الذين يعانون من قلق الهوية، فتراه متهجماً على الكرد لا لشيء سوى لأنه كان ممن فقد هويته الخاصة به، بينما الكرد حافظوا على هويتهم القومية رغم دكتاتورية البعث وممارساته العنصرية منذ أن سيطر القوميون على الحكم في سوريا، لذا يغيظه جدا تمسك الكردي بهويته، فمن غيرته وحسده يحاول نفي الكرد من الخارطة السورية بالنيابة عما كان يفعله زبانية وأبواق النظام طوال حكم البعث، ولكن هذه المرة ضمن جبهة المعارضة ومن داخلها وليس من خلال سلطة النظام وأجهزته الأمنية القمعية، وبعضهم ولأسبابٍ ما يعانون من الحساسية العالية تجاه كل ما يتعلق بالكرد حقوقهم، ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر المفكر السوري ميشيل كيلو الذي يقر بأن سيكس بيكو كان عملاً استعمارياً وأنه قسّم &بدون رغبة شعوب المنطقة أراضي الدولة العثمانية، ولكنه فيما يتعلق بالكرد فهو ينفي تقسيم مناطقهم، وربما اعتبرها في دخيلة نفسه حدوداً مقدسة وينبغي الحفاظ على قدسيتها! فهذه المكاييل عادةً ما تستخدمها نخبة هذا البلد بحِرفية عالية، فكيف سيكون الحال إذن مع عامة الناس؟ بل ويجهر كيلو بمواقفه العدائية من الحقوق الكرد عندما يقول: "لن نسمح بقيام إسرائيل ثانية"، فالكرد بنظر المفكر السوري كيلو اسرائليون لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم القومية، فهذا إذن نموذج حي من نماذج مفكري المعارضة فهل بقي مكان لمعاتبة النظام وأمراضه؟ ولكن يبدو أن انخراط أهل الفكر بالسياسة كثيراً ما ينزع عنهم القيم الانسانية التي يقرون بها وينادون بتطبيقها في المحافل الدولية بقولهم: أنهم ملتزمون بما جاء في المواثيق والاعراف الدولية فيما يتعلق بحقوق الافراد والجماعات، ولكنهم ولمجرد أن يعملوا في السياسة ينسفون كل تلك الشعارات جملةً وتفصيلا، وكما هو معلوم أن معظمهم في الأمس القريب كانوا يقولون: بأن تركيا دولة محتلة لكيليكا وإنطاكيا وأسكندرونه، ولكن باعتبار أن مركز ثقل المعارضة الآن في تركيا وبحماية الدولة التركية، فالجماعة حذفوا من قاموسهم أسماء تلك المناطق حتى إشعارٍ آخر أو ربما حتى تتغير دفة المصلحة السياسية وتأثيرات الدول عليهم.
أما عن عدم كردستانية المناطق الكردية في سوريا فكان حري بالمفكر ميشيل كيلو بدايةً التخلص من حساسيته الغريبة تجاه الكرد، وكذلك التخلص من بقايا نازية العفالقة لديه، ومن ثم وقبل الحكم كان عليه مراجعة ما جاء في كتب المستشرقين وقولهم: "بأن الكرد أقاموا الإمبراطورية الهورية منذ ( 3500 ) سنة قبل الميلاد وعاصمتها ( أوركيش ) في ( كري موزا ) قرب عامودا في الجزيرة وامتدت حتى جبل الكرد( قلعة نبي هوري في منطقة عفرين )، وأن " الدولة الميتانية وعاصمتها ( واشو كاني ) رأس العين حالياً والتي تعني (واشو ) الصافي- النقي باللغة الميدية و (كاني) النبع بالكردية الحالية، فيعود تاريخ هذه الدولة إلي (2300-1800 ) قبل الميلاد وامتدت رقعة هذه الدولة من جبال زاغروس حتى فلسطين ومن ضمنها سهل العمق ومنطقتا حلب وجوكوروفا ( سهول أضنة )"، فمما سبق نتوصل إلي حقيقة مفادها أن الشعب الكردي شعب عريق عراقة التاريخ في كردستان سوريا التي ينفيها السيد كيلو، وأن هذا الشعب يعيش على أرضه التاريخية &ولم يقدموا من دول العالم ليشكلوا كيانهم على حساب شعوب المنطقة كما يشير الى ذلك أكثر من معارض سوري من خلال تشبيه الكرد باسرائيل.
عموماً فبالرغم من محاولة بعضهم ترطيب الأجواء والتقرب من القوى الكردية في المعارضة السورية إلا أن فلتة اللاشعور كفيلة بإظهار مكنون مَن يدّعي بأنه مع حقوق الأفراد أو أنه مؤمن بالحقوق القومية للشعوب، لأن المؤمن بها لا يتغير موقفه منها إن كان المعنيُ بتلك الحقوق في جبهته أم في الجبهة الاخرى، وذلك لأن مَن يدّعي احترام الآخر ومحبته يحافظ عليه ويحزن إن نوى مغادرته، ويتمسك به إن أحب الآخيرُ الفراق عنه، ولا يغالبه الحقدُ قط &فيسارع من البُغضِ الى تخوينه لمجرد أن الآخر المحتلفَ تلمس أناه وتمسك بهويته، وهذا الأمر لا شك ينسحب على &الأفراد والجماعات على حدٍ سواء.
ولكي لا ينخدع المرء ككل مرة بالشعارات الجميلة والهتافات البراقة، ومن باب التذكير ترانا نقول: بأن مَن لا يزال يشتم الأسد من قهره على ما يرتكبه جيش طاغية دمشق من جرائم يومية بحق الشعب السوري، وتدمع في الوقت نفسه عيونه حزناً على فراق صدام حسين لهذا العالم، مِن غير المستبعد بأن يكون ثمة طاغية صغير مركون في زاوية ما من جوفه، ومتى ما سمحت له الظروف قد ينهض ويسير على خطى أحد الطغاة المذكورين، طالما أنه لم يتطهر من ارث الطغاة &بعد، ولا حتى استطاع أن يتحرر من الثقافة الشمولية لديه.
وفي الختام ليس بوسعنا إلّا أن نقول بأن سوريا قد تنجو فعلاً من أمراضها السلطوية البعثية المريضة أي تلك الأمراض المتعشعشة في عقول الكثير من نخبتها بسرعة ملحوظة إذا ما حقاً ارتقى الكُتاب والنشطاء والساسة والمثقفون فيها الى المستوى الذي يبدو عليه المفكر اللبناني علي حرب &في كتابه تواطؤ الأضداد بقوله: " إن ما نتهم به الآخر، إنما هو يسكننا ويتغذى من منازعنا العنصرية أو الفاشية أو البربرية، إننا أقل معنىً وشأناً مما ندعي من حيث علاقتنا بالحقيقة والعدالة والحرية".
&
&