ما شجعني على كتابة هذا الموضوع هو تصريح السيد (مريوان النقشبندي) (*) مدير العلاقات والتعايش الديني والشؤون الدينية في وزارة الاوقاف في حكومة اقليم كردستان عن تزايد عدد المساجد في اقليم كردستان بشكل لافت وملحوظ خلال السنوات السابقة وبارقام قياسية شهدت ارتفاعا كبيرا فاقت دول كثيرة عربية واسلامية مجاورة, حيث بلغ عدد المساجد حاليأ (5473 ) مسجد في إقليم كردستان فيما لا يتعدى عدد المساجد في الجزائر( 20 ) ألف مسجد، وفي الكويت ( 1478 )مسجدأ،وفي المملكة الأردنية الهاشمية (5400 ) مسجداً, وفي تونس ( 470 5 ) مسجدا وجامعا، وفي إمارة دبي وصل العدد إلى ( 1610 ) مسجد، وفي قطر( 1844 ) مسجدا تتوزع بين (584 )مسجدا جامعا و(699 ) مسجد فروض و(346 ) مسجدا خاصا.

كتب السيد (النقشبندي) عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك" بان خلال الستة أشهر الماضية تم بناء مايزيد عن ( 130) مسجدا وجامعا في اقليم كردستان، اضافة الى ان هناك عشرات المساجد تحت الإنشاء والتعمير والصيانة في أرجاء مختلفة من إقليم كردستان.&

وللتأكد من صحة الخبر، اتصلنا بالسيد (النقشبندي ) وقد أجابنا مشكورا على كل الأسئلة والأستفسارات دون تردد، حيث أكد السيد (النقشبندي) خلال لقائي معه على "صحة" الإحصائيات والأرقام المعلنة حول عدد المساجد وازديادها بشكل ملحوظ في الإقليم وقال: ( هناك حوالي (5473 ) مسجد في محافظات الإقليم الأربع ( أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة )، ( 600 ) منها بنيت من قبل (الرابطة الاسلامية برئاسة المدعو علي القرداغي ) وان اكثر من ( 4000 ) مسجد بُنيت خلال 25 عام من الحكم المحلي وتحديدا بعد انتفاضة اذار 1991، واضاف (التقشبندي) انه خلال الاشهر الستة الماضية شهد الإقليم بناء( 130 )مسجدا وهناك العشرات من المساجد الاخرى قيد الإنشاء، لافتأ الى ان جميع المساجد الجديدة يتم بناؤها على نفقة الأغنياء والميسورين وبموافقة وزارة الاوقاف، واستطرد (النقشبندي ) قائلا: ان عدد المساجد التي تقام بها خطبة الجمعة تقدر بـ( 3011 ) مسجد،وان نصف مليون شخص في اقليم كردستان يؤدون صلاة الجمعة في المساجد ( حسب اخر احصائية وزارة الاقاف )، وأن عدد الأئمة والخطباء بلغ لحد اليوم ( 3011 ) إماماً وخطيباً في حين ان( 1750) خطيباً منهم فقط يحمل صفة "إمام وخطيب"، وقال ( النقشبندي ) ردّا على سؤالي حول: لماذا لاتكون الخطب موحدة في جميع مساجد الإقليم حتى يتحقق الهدف من الخطبة،كما هو معمول في كثير من الدول الاسلامية، بالاضافة الى تجهيز خطب معدة مسبقا للخطيب وكذلك محاور لمواضيع الخطب، قال (النقشبندي): انه فكرة جيدة ولكن تحتاج الى موافقة وقرار من الوزارة.

&وفي ختام اللقاء أشار (النقشبندي ) إلى أنه فى الوقت الحالى لايوجد اي رقابة على المساجد التي تقام فيها خطبة الجمعة في الاقليم، وذالك لكثرة عددها ).

&(الجهاد في سبيل الله):&

أبعدت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في اقليم كردستان في الفترة الاخيرة عشرات من الأئمة عن الخطابة بدعوى أن تصاريحهم غير صالحة، كما سنت تشريعات تقضي بتجريم كل من يلقي موعظة داخل أي مسجد دون ترخيص. اضافة الى إيقاف عمل عدد من خطباء ومنعهم من إلقاء خطب الجمعة في جوامع الإقليم بسبب تهجمهم على طوائف ومذاهب واحزاب معينة وأقليات لاسيما (الشيعة والايزيديين والمسيحيين والشيوعيين ) وخاصة بعد ان تحول بعض المساجد في إقليم كردستان إلى بؤر لتغلغل الإرهاب، وبث النعرة التكفيرية والجهادية المتطرفة و التحريض على العنف بكل أنواعه واثارة الفتن والتناحر والكراهية بين المسلمين ونشر افكارهم المسمومة والتكفير والتشهير بالاخرين زورا وبهتانا، إذ لا يختلف إثنان في الإقليم اليوم على أن بعض من المساجد تحولت إلى مكان للدعوة والتبليغ والتبشير والتنظير بعد أن سيطر عليها بعض الأحزاب الإسلامية الكردستانية واستخدموا عددا من اشباه الأئمة والخطباء من الذين لا يمتون بصلة للاختصاصات الدينية في المساجد لأغراض سياسية بحتة...&

فبدل ان يكون المسجد رمزا ومنارة للعلم والمعرفة، ورمزا لإحياء الروح والوجدان، ورمزا لتقوية الأنا الأخلاقية للتعايش مع الآخر المختلف (دينا وعقيدة وفكرا وعرقأ )، اصبح مكانا لتفريخ العنف و الإرهاب في اقليم كردستان.

إن بعض المساجد في اقليم كردستان كانت ولاتزال تعمل من اجل غسل أدمغة الشباب والمستضعفين بأفكار تحضّ على القتل والإرهاب والتطرف والغاء الاخر، و تمارس دورا سياسيا من خلال خطب أئمتها الموجهة والخطيرة باسم (الجهاد في سبيل الله).&

فعلى سبيل المثال لاالحصر، تم توزيع كتاب مؤلف من 80 صفحة من الحجم المتوسط،طبع عام 1999 ومترجم الى اللغة الكردية بقلم المدعو ( هيمن ابوزيد ) بعنوان ( تصحيح المصطلحات والكلمات الباطلة ) على معتادى المساجد في مدينة اربيل قبل شهر تقريبا.

ومن بين تلك المصطلحات (الباطلة او الخاطئة ) التي ذكرت في الكتاب نستذكر على سبيل المثال كلمة ( الشهيد، البيشمركة، عيد نوروز، إخواننا المسيحيين ).

يقول المدعو (ابو زيد) في كتابه بان كلمة (البيشمه ركه ) تستخدم من قبل (المرتدين) وهي كلمة باطلة شرعاً وناقصة لغةً, اما (نوروز) فهو عيد النار عند المجوس الفُرْس،, اما ( إخواننا المسيحيين ) فهو مصطلح خاطئ و لا يصحّ أن يُقال لغير المسلمين إخواننا، اما الشهيد فهو من قتل في سبيل الله، وهو من( أهريق دمه وعقر جواده).

ويرى المراقبون ان المشكلة الاساسية ليست في بناء المسجد، وإنما المشكلة فيما يقال داخله من قبل بعض اشباه الائمة، وخاصة ان خطبة الجمعة التي يستمع لها عشرات آلاف المواطنين في مساجد اقليم كردستان المختلفة يُقال فيها ما يدفع أي شاب، إلى التوجه إلى (داعش لإعلان البيعة والجهاد في سبيل الله )، وان اعترافات الارهابيين الضالعين في التفجيرات والهجمات التي فجعت اقليم كردستان منذ ظهور داعش إلى يومنا هذا خير دليل على ذالك، حيث اعترف المتهمون بعد القاء القبض عليهم بانضمامهم إلى تنظيم داعش الارهابي وأنه تم( تجنيدهم عن طريق المساجد ) التي يسيطر عليها أئمة متشددون يبثون خطابات تحريضية تكفيرية جهادية مقيتة في الإقليم.

اخيرا اقول: هل ( الله )بحاجة الى كل هذه المساجد في اقليم كردستان وخاصة اذا كان لدينا وفرة في المساجد، في وقت الذي يعيش غالبية النازحين في الإقليم في ظروف قاسية جداً في الكرفانات والخيم الرثة والبائسة لا تحميهم من حر الصيف ولا من برد الشتاء، أليس هؤلاء الضحايا أولى بالمال الذي يتم تبذيره اليوم على بناء المساجد؟ هل الله بحاجة لمن يدافع عنه في المساجد؟ أيهما أولى بالتقديم بناء مسجد أم مساعدة مئات الآلاف من أسر الفقيرة والتي تسكن في بيوت بالايجار والاف الشباب العاطلين عن العمل من(خريجي الجامعات والمعاهد ) الذين لا يجدون مأوى ليسكنوا ويتزوجوا فيه؟&

أيهما أولى أن تصرف ملايين الدولارات على بناء مساجد كبيرة وضخمة ام عمل مشروع سكني لعوائل البيشمركة التي انهكها الايجار والجوع؟ هل يعقل ان يكون في حي كالذي أسكن فيه أكثر من 5 مساجد و(مدرسة واحدة ) فقط ؟ّ أيهما أولى بالتقديم بناء مسجد أم انشاء مستشفى؟ ايهما اقرب الى الله بناء جامع ام اطعام مسكين؟ ايهما اولى بالتقديم بناء مسجد أم بناء دار للايتام؟ ايهما اولى بالتقديم بناء مسجد ام اقامة مستشفى للسرطان والامراض المزمنة في حلبجة؟ ايهما اقرب الى الله بناء جامع ام تعمير القرى الإيزيدية المدمرة؟ ايهما اقرب الى الله بناء مسجد ام مساعدة عوائل المؤنفلين؟&

أيهما أولى أن تصرف ملايين الدولارات على بناء مساجد كبيرة وضخمة لمجرد ان يقال فلان بنى هذا المسجد ام مساعدة الايزيديات الناجيات من براثن وانياب وحوش داعش؟ ماقيمة كل هذه المساجد الضخمة وبجوارها فقراء لايجدون مايحميهم من البرد والحر؟ هل كثرة المساجد دليل على اقبال الناس على الصلاة والتدين في الإقليم؟

نعم، لو أن نصف ما يصرف اليوم لبناء المساجد صرف لبناء مشاريع سياحية وبناء معامل صغيرة ومتوسطة على سبيل المثال لاالحصر معامل لتجفيف الفواكه والتعليب بانواعها والالبان والخ، لاستطعنا اليوم بالحد الأدنى ان نتخطى الكثير من العقبات الاقتصادية والاجتماعية و نعالج جزء من مشكلة البطالة المتفاقمة في الاقليم من جهة، ووضع حد لعشوائية الإستيراد وتشجيع المنتج المحلي أمام المنتجات التركية والايرانية والصينية البائسة من جهة اخرى.

اخيرا...اختتم مقالتي بمقولة الدكتور(علي شريعتي) في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي: افضل المشي في الشارع وانا افكر في الله على الجلوس في المسجد وانا افكر في حذائي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) السيد مريوان النقشبندي: اعلامي و ناشط في مجال التعايش الديني‎ والشؤون الدينية ‎في وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، ولد سنة 1966 بمنطقة هورامان التابعة لمحافظة (حلبجة، جنوب شرق مدينة السليمانية), حاصل على دبلوم تقني في الكهرباء- في المعهد التفني في مدينة كركوك, يعمل منذ عام 1994 في وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، وهو الان مسؤول عن ملف مكافحة الفكر الداعشي الارهابي، شارك في عشرات المؤتمرات والكونفرنسات المحلية والعربية والدولية والتي انعقدت من اجل دعم التعايش الديني وقضايا حقوق الانسان و التسامح والحوار بين الأديان.&