بعد فشل ( مسرحية ) الانقلاب العسكرى فى ليلة 16/7/2016 فى تركيا ضد نظام المغرور اردوغان و حزبه الحاكم العدالة والتنمية الدكتاتورى وبسبب فوزه لاربع مرات متتالية فى الانتخابات العامة للبرلمان و الرئاسة التركية، مما جعل اردوغان و حزبه يحسوا بنشوة الانتصار الكبير مما جعله يعتبر نفسه الرابح الاكبر فى المعركة العلنية المخفية فى تركيا. كثيرون قالوا و كتبوا عن الانقلاب الفاشل، البعض يقول بان الانقلاب انقلابا عسكريا حقيقيا ولم يحالفه الحظ وينجح،وهم اقارب اردوغان و حزبه فى تركيا وكذلك المنطقة و كل الاحزاب الاسلامية الاخوانية، ولكن بالمقابل الطرف الاخر يقولون ان الانقلاب انقلابا تمثيليا من سيناريو و اخراج اردوغان نفسه لتطهير كل المؤسسات الحكومية و الحزب و الجيش من المتعاونين و انصار جماعة فتح الله كولن الصديق القديم و العدو اللدود اليوم، واصحاب هذا الراى يساندون رايهم بادلة الاستخبارات البريطانية التى اعلنت ان الانقلاب انقلابا تمثيليا والا كيف يستطيع اردوغان و حزبه ان يفشل الانقلاب من خلال اقل من خمس ساعات.

المهم اذا كان الانقلاب تمثيلا او حقيقيا، فان اردوغان هو الخاسر الاكبر فى هذه اللعبة القذرة و التمثيلية الباهتة،لان اردوغان و حزبه بهذه الطريقة الميكافيلية فتح ابواب الشر و نار جهنم على مصراعيه بوجه تركيا عموما وبجيشه و شعبه و سلطته من جديد لاعادته زمان الانقلابات العسكرية الدموية في تركيا التى يتباهى بها اردوغان بديمقراطيته الزائفة تحت سلطته منذ 14 عاما.

الانقلاب سبب فى شرخ كبير فى جسم الدولة التركية بكل مؤسساتها الحزبية و العسكرية و المدنية و المنظمات الديمقراطية و المدنية، وانقسامات داخل المجتمع التركى الذي انقسم الى جبهتين معارضتين للبعض، وهذا العمل ليس بالامر الهين ولا يمر بدون نتائج عكسية،تسبب فى اتقاد نار البغض و الكراهية و العدوانية للبعض كما سببت جرحا كبيرا فى فكر وجسم وحتى الممارسة اليومية لافراد الشعب التركى بكل شرائحه، ولم يندمل الجرح بهذه البساطة و السرعة.

اردوغان و حزبه اراد ان يضرب عصفورين بحجر واحد، من جانب يقتل و يسيطر على جماعة فتح الله كولن و طردهم و تطهير كل المؤسسات التركية منهم كونهم خطر جسيم داخل الحكومة التركية و خوفهم و تاثيرهم يكبر ويكبر يوما بعد يوم ولهذا باغتهم اردوغان بعملية ذكية و قذرة فى نفس الوقت ضد انصار كولن من خلال تأنيب الراى العام التركى ضدهم، ومن جانب اخر اراد اردوغان ان يضرب الاحزاب المعارضة لحكمه وخاصة الحزب المعارض الكردى ( HDP) بقيادة صلاح الدين ديميرتاش وكل صوت حر من الصحافة و الصحفيين و الكتاب و الممثلين و النقاد و المنظمات الديمقراطية والمدنية،واراد اردوغان بهذا الانقلاب كسر شوكة كل المعارضين لحكمه ظنا منه انه هو الرابح الاكبرفى نهاية العملية. ولكن هذا بعيد عن الواقع اذا كان هو الرابح لان النتائج الاولية لعمليات الطرد و السجن و القتل للعسكريين و المدنيين و غلق ابواب المدارس الدينية و الجامعات الطابعة لجماعة فتح الله كولن فى تركيا و خارجها لم يمربسلام و نتائجه العكسية تتبين بمرور الوقت و الزمان،هذا الانقلاب فتح الابواب على انقلابات اخرى اكثر خطورة و دموية فى المستقبل ضد الطغيان و التسلط لاردوغان و حزبه الحاكم.

من المعلوم ان اردوغان و سياساته الداخلية و الخارجية فى المنطقة و العالم فشلت فشلا ذريعا لان نوياه ليس سليمة و انسانية بل تخدم افكاره و طموحاته الشخصية لكى يكون الرجل الوحيد والقوى فى تركيا و المنطقة و يحسب له حسابا كبيرا،ولكن على الرغم من كل محاولاته لم ينجح، وهو الان اكثر عزلة فى اى وقت مضى، لان فى داخل تركيا واجهت اكثر من مشكلة مستعصية للحل مع الكل رغم اعلان نجاحه الزائف و حب الشعب له،وفى الخارج علاقاته مع روسيا و ايران و امريكا و اوروبا و مصر و العراق و سوريا و اسرائيل ليس علاقات وطيدة و ممتازة بل علاقات هشة و ضعيفة، وكله بسسب التعاون و مساندة تركيا لعصابات داعش المجرمة فى سوريا و العراق و قتل الابرياء و هدم المنازل و احراق الارض و الشعب معا خدمة لطموحاته الشخصية، والان وفى سوريا الاكراد و قواتهم العسكرية يسجلون يوميا الانتصارات الكبيرة على حشود و مجاميع من العصابات الداعش الارهابية و اخر الانتصار الكبير فى مدينة( منبج الكردية ) فى كردستان الغربية على يد ابطال الكرد الشجعان من خلال تحريرمدينة المنبج الاستراتيجية عسكريا من يد الارهابين بعد معارك طويلة دامت اكثر من شهرين ولكن بالنتيجة فشلوا الارهابيين من الدفاع ولاذوا بالفرار و الهزيمة المنكرة، و هذا كله بسبب المقاومة الباسلة للكرد فى غرب كردستان،واردوغان همه الاكبر هو الوقوف ضد امال و طموحات و انتصارات الكرد فى سوريا و ولكن تحرير منبج يسجل انتصارا كبير لان الطرق مابين تركيا و الداعش انقطع ولم يستيطع اردوغان كسر شوكة الكرد و مقاومتهم الباسلة و العادلة من اجل تحرير كافة اراضى الكردية تحت يد الداعش المجرمة و بهذا النصر المؤزر يستطيع الكرد ان يتحدوا اراضيهم مابين كانتونى كوبانى و العفرين و قطع الطريق على الداعش للدخول و الخروج من و الى تركيا.

واخيرا اصبحت تركيا فى ظل السياسات الخاطئة لاردوغان دولة ميليشيات و ليس دولة مؤسسات و جيش نظامى،بل هو يريد ان يبعث من جديد جيشا انكشاريا خاصا بخدمة السلطان اردوغان نفسه و ليس الشعب و اراضى تركيا مثلما عمله السلاطين العثمانيين فى السابق، و من الراجح ان تركيا المستقبل يتوجه الى دولة عسكرية و اسلامية متطرفة تحت تاثير و فعالية المليشيات المسلحة الاسلامية كداعش و غيرهم و تكون تركيا نفسه الخطر على الامن و السلامة المنطقة و العالم بسبب تشدده واسناده لهذه الميليشيات المتعصبة و الارهابية، وتكرر مرة اخرى تجربة الدولة العثمانية البائدة ولكن لم و لن ينتصر هذه المرة لان العالم و المنطقة كلها تغيرت تغيرا جذريا وليسوا بعالم القرون الوسطى،المجمتع الاسلامى و الانسانى المتقدم و الديمقراطى ليسوا على استعداد لقبول تلك الانظمة الارهابية، ويجب على اردوغان ان يفكر بعقل سليم و رؤيا واضحة للتطورات و التغيرات فى المنطقة و العالم و يجب ان يعمل على تثبيت المبادىء الانسانية و التعايش السلمى و احترام حقوق الاقليات و الشعوب الاخرى فى داخل تركيا و المنطقة و العالم و يجب ان يعلن اعلانا واضحا و تبرئة واضحة من الارهابيين مثل داعش و غيرهم و يعمل على تطمين المستقبل الباهر و المتقدم للشعوب التركية من خلال استمرار العملية السياسية و الديمقراطية و دعم و تفعيل عملية السلام مع الاكراد فى كردستان الشمالية و تحسين علاقاته بكل دول الجوار فى المنطقة و اوربا خصوصا لان تركيا تحلم من الخمسينات بدخولها الاتحاد الاوروبى،ولكن بسبب تفكير القيادة السياسية فى تركيا باتجاه الدكتاتورية و العسكرية و التسلط على الحريات و الافراد و الجماعات وتفعيل حكم الاعدام من جديد فى تركيا قضا على حلم الدخول ضمن الاتحاد الاوروبى واصبح حلما عصفوريا و لم يتحقق مادام اردوغان و حزبه يفكرون بهذا الاتجاه الخاطىء. ولكل هذه الاسباب يحسب لاردوغان حساب الرابح الخاسر فى لعبته السياسية فى تركيا والمنطقة.

&

كاتب كردى من كردستان العراق

[email protected]