سواء اتفقنا على أن ما حدث في تركيا هو انقلاب فاشل، أو اختلفنا حول نعته بالتمثيلية الأردوغانية الناجحة التي منحته الفرصة كاملة للتخلص من خصومه.. فإن ما حدث في تركيا لا يجب أن يمر مرور الكرام، في ظل التداعيات التي خلفها هذا الحدث.

فإذا كان هناك انقلاب بالفعل، وفشل قبل أن يكتمل ويحقق أهدافه، فإن هذا دليل على وجود انقسام داخل المؤسسة العسكرية التركية، خاصة وأن الذين تم القبض عليهم من قيادات وأفراد الجيش، ليسوا بالضرورة هم الذين يمثلون جميع من شارك في الانقلاب، الأمر الذي يشير إلى وجود عناصر وخلايا نائمة داخل الجيش التركي، ساهمت بشكل أو بآخر في هذا الانقلاب الفاشل، ولم تصل إليهم "مقصلة" أردوغان.. وهذا ينذر بأن الانقلاب على أردوغان وحزبه قد يتكرر على المدى البعيد..

أما أذا كان ما حدث في تركيا هو مجرد تمثيلية من بطولة وإخراج أردوغان، على الطريقة الهوليوودية أو البوليوودية، فإنها تمثلا الفرصة الكاملة له للتخلص من معارضيه وخصومه بالقانون، دون أن يتهمه أحد بالديكتاورية أو كبت الحريات أو الاعتداء على حقوق الإنسان، وهذا كله قد يتم بحجة الحفاظ على الدولة التركية من السقوط في الفوضى، وانهيار الكيان التركي عسكرياً وإقتصادياً، وهذا ما لا يتمناه المواطن التركي الذي يشعر بالانتعاش الاقتصادي وارتفاع مستوى معيشته خلال العصر الأردوغاني.. الأمر الذي يضع المواطن في صف النهوض بالدولة لا خرابها، وهنا يمكن لأردوغان أن يوجه سيفه لقلب الديمقراطية التي كان يتشدق بها، ويجهز عليها حتى يتمكن بالتالي من الإجهاز على كل خصومه..!

عموماً، لا أحد يتمنى سقوط الدولة التركية، خاصة في ظل تساقط دول عدة في الشرق الأوسط، وانتشار الفوضى الخلاقة بها، وسيطرة الإرهابيين على مقاليد الأمور بها، فالمنطقة لن تتحمل سقوط دولة بحجم تركيا في مثل هذا التوقيت، إلا إذا كان الغرب في أوروبا وأمريكا يضع تركيا على قائمة السقوط ضمن الدول التي يجب أن تنتهي وفق مخطط الخريف العربي، الذي وضع المنطقة برمتها في مرمى الفوضى.. فالدول التي لم تسقط تعاني من ويلات الإرهاب، والدول التي سقطت تئن من الطائفية والقتل والتفجيرات اليومية والانقسام المذل على مستؤي الحدود والمواطنين..

فتركيا كدولة تمتلك سادس جيش على مستوى العالم، وكدولة بها الأغلبية من شعبها من المسلمين، لا أحد عاقل يتمنى لها السقوط، ولا أحد عربي مسلم يتمنى لها الفوضى، بغض النظر عن علمانيتها التي لا تروق للكثيرين،..

فالغليان الذي يعم منطقتنا لا يتحمل سقوط مثل هكذا دولة، وإلا سنرى الإرهاب وهو يتمدد أكثر وأكر داخلها وخارجها أيضاً، وقد تكن الدول الأوروبية هي أول من تجني ويلاته، وجنونه اللا بشري..!

كل هذا لا يمنع الاعتراف بأن الدولة التركية أصبحت في خطر، فهي تعاني من الإرهاب الذي يقوده الأكراد، في محاولة للانفصال وقيام دولة مستقلة، كما أنها متهمة بدعم تنظيم داعش، وحصولها على البترول الذي يسرقه التنظيم من العراق وسوريا، وبيعه لدول الغرب، في نفس الوقت لن تسلم تركيا من الانقسام الداخلي الذي أصاب المؤسسة العسكرية بالشرخ، الأمر الذي يهدد عرش أردوغان طوال الفترة القادمة، في ظل قوة شوكة أحزاب المعارضة التي يمكنها أن توافق على وضع يدها في يد الراعين لهذا الانقلاب الفاشل، لعل وعسى يعيدون الكرّة في سبيل التخلص منه ولو بالقوة، وفي هذه الحالة لن يتمكن الشعب التركي من حماية آردوغان وحزبه من السقوط..

في العموم، ما حدث في تركيا لاينبئ بخير، فقد يتطور الموقف ويسود العنف والتقاتل بين مؤيدي أردوغان وبقايا الانقلابيين، وكل ما نخشاه أن تعم الفوضى البلاد، خاصة وأنها لم تتجاوز أو تتعافى من الموجة الإرهابية التي تتعرض لها خلال الشهور الفائتة، وتضربها بين الحين والآخر.. الأمر الذي يجعل من ديكتاورية أردوغان، في سبيل ضبط إيقاع الوطن بالقوة، «القشة التي يمكنها أن تقسم ظهر تركيا».

&

كاتب صحفي

[email protected]