&
الصدام واختلاف وجهات النظر بين اردوغان و اوروبا لم يكن غريباً و لكن الانظار تتجه اليوم إلى توقع حدوث أزمة بين أنقرة و برلين ايضاً، و التي ستكون لها آثار و مضامين استراتيجية و جيوبوليتيكية كبيرة على تركيا و مستقبلها.&
المستشارة الالمانية ميركل، ليست فقط رئيسة الدولة الاوروبية الرائدة التي وقفت بحزم ضد الانتقادات الداخلية و الخارجية التي وجهت ضد الصفقة او الاتفاق الذي عقدته مع تركيا للحد من تدفق اللاجئين الى دول الشنغن، و إنما تعتبر قائدة "الأمر الواقع" للاتحاد الاوروبي ايضاً. إن اي تدهور في العلاقات بين تركيا و ألمانيا ستترك أثراً قوياً على العلاقات المتدهورة أصلاً بين أنقرة و بروكسيل.&
&
نشرت الصحيفة الالمانية الاسبوعية دير شبيغل تقريراً في 13 أيار، أشارت فيه الى أنه، من المحتمل ان تزداد العلاقة بين أنقرة و برلين سوءاً في الثاني من شهر حزيران القادم، لأن البرلمان الالماني ينوي المصادقة على قرار يدين حملة الابادة الجماعية التي قامت بها تركيا ضد ألأرمن في 1915. هذا القرار كان من المتوقع ات يصادق عليه في العام الماضي و لكنه اُجٍل بسبب حساسية المحادثات التي كانت تجري بين الحكومتين الالمانية و التركية. و لكن الآن و بسبب استمرار السيد أردوغان في تصعيد وتيرته ضد اوروبا و ألمانيا، فإن حزب السيدة ميركل المحافظ و الحزب الديموقراطي الاجتماعي سيصوتان على القرار في غضون ثلاثة اسابيع والذي يشير بصراحة الى عملية الابادة الجماعية التي تم تخطيطها و تنفيذها بشكل ممنهج من قبل الحكومة التركية آنذاك. &
العلاقات التركية الالمانية كانت قد توترت أصلاً في هذا الشهر عندما تبيَن، ان اعفاء المواطنين الاتراك من فيزا العبور و السفر الى منطقة الشنغن لن يطبق في شهر حزيران كما نص عليه الاتفاق التركي الاوروبي بخصوص اللاجئين. لقد أعلن رئيس البرلمان الاوروبي صراحةً، أنه ما لم تطبق تركيا الشروط 72 الخاصة بالاعفاء من فيزا الشنغن، فإن الاتحاد الاوروبي سوف لن يعفي المواطنين الاتراك من شرط الفيزا للدخول الى اوروبا. تركيا قد طبقت 65 شرطاً فقط من ال 72، و الشروط السبعة الباقية صعبة على تركيا و خاصةً الشرط الذي يستوجب تعديل قانون " مكافحة الارهاب" الذي تستخدمه تركيا تعسفياً ضد كل من يعارض سياساتها.&
الرئيس التركي بالمقابل أبدى إمتعاضه و نقمته الشديدة على اوروبا و إتهمها بالسعي الى السيطرة على و تقسيم تركيا. البعض من المراقبين يعتقدون بان اردوغان يمهد الارضية للقطيعة مع اوروبا. و رداً على تهجمات أردوغان، هدد رئيس الحزب الديموقراطي المسيحي في البرلمان الالماني قائلاً" اذا ما إستمر اردوغان في تهديدنا و توجيه الاهانات الى اوروبا، فإننا سنجد أنفسنا محصورين في زاوية ميتة، و ليعلم اردوغان ان اوروبا لا تعتمد على تركيا. مؤخراً، أردوغان ايضاً لم يترك مناسبةً إلاً و هدد فيها بالقطيعة مع اوروبا، و خاطبهم، لكم طريقكم و لنا طريقنا!. كما ذكر وزير الشؤون الاوروبية في حكومة اردوغان ان تركيا غير مستعدة لتعديل قانون مكافحة الارهاب مقابل اعفاء مواطنيه من شرط الفيزا. &&
إذا ما نظرنا الى توازن القوى وأهميتها، يبدوا ان الشؤون الداخلية التركية ذات أهميةً وأولويةً بالنسبة لأردوغان أكثر من أي وقت مضى. إنه لا يستطيع ان يبدوا ضعيفاً أمام أيِ شيئ و حتى امام الاوروبيين. اليوم، يستفيد أردوغان أكثر من تسويق سياسته الداخلية الهادفة الى قمع و إسكات اي صوت معارض له بحجة مكافحة الارهاب بدلاً من سياسة تسهيل السفر الى الخارج و خاصةً إذا ما عرفنا ان الحاصلين على باسبورت لا يتجاوزون العشرة بالمائة فقط من الشعب التركي!. لهذه الاسباب، فإن أردوغان متهيأ لإفشال إتفاقية أللاجئين مع أوروبا، إذا ما أصرَ الاتحاد الأوروبي على موقفه. و الذي يدعم حسابات اردوغان و موقفه هو إحساسه، ان الاتحاد الاوروبي بحاجة الى تركيا الآن أكثر من حاجة تركيا للاتحاد الاوروبي.&
و لكن تقييم اردوغان للوضع قد لا يكون صحيحاً. فقد أوضح تقرير صحيفة دير شبيغل في اشارته الى اتفاق اللاجئين المبرم مع اردوغان قائلةً " على أية حال، لم يبق أحد ما في اوروبا يدعم هذا الاتفاق بإستثناء ميركل. و حتى اردوغان ايضاً لم يعد يدعم اتفاقاً يجبره على تقديم تنازلات تتعلق بمسائل الارهاب و التي هي واحدة من عدة شروط اخرى تستوجب على تركيا الانصياع اليها و تطبيقها قبل ان تدخل منطقة الشنغن. الاوروبيون بدورهم قلقون جداً من بيع قيمهم الى دكتاتور انقرة. &و من بين هؤلاء الاوروبيين المعارضين من يعتبرون اصدقاءاً لتركيا مثل السيد ايريك جان زورجر، احد المؤرخين الالمان و الخبراء في شؤؤون تركيا المعاصرة. لقد أعاد السيد زورجر في هذا الشهر، أعلى جائزة كانت قد منحت له قبل عدة عقود من قبل الحكومة التركية. و لقد عبَر عن سبب رفضه و إعادته للجائزة في مقال ناقد نشرفي الاعلام الالماني في العاشر من هذا الشهر، متهماً فيه أردوغان "بالدكتاتورية"، و انه لا مكان لتركيا في الاتحاد الاوروبي و مستطرداً: لقد بقيت متردداً لوقت طويل ليس بسبب شكوكي حول أردوغان و نوعه من الرجال، و لكن بسبب ان يؤدي ما سوف اقوله و اضهره الى إلحاق الأذى بغيري اضافةً إليَ، و خاصةً العشرات من طلبة الماجستير و الدكتوراه الذي أشرفت عليهم في السنوات الماضية و الذين عاد الكثيرون منهم الى تركيا. و لكني أشعر بانه لم يعد لي خيار آخر، و أنه يتوجب عليَ أن أقوم بواجبي كأستاذ في التاريخ و الدراسات التركية، لأن ما أراه حالياً هو عودة الاستبداد و الدكتاتورية الى تركيا، و أن ما يفعله أردوغان حالياً في تركيا، أثبت، أنني كنت على خطأ في تقييم كل ما كان يحدث في تركيا طيلة السنوات الإثني عشر الماضية: تركيا لم تعد قريبة لاوروبا كما كانت في الاعوام من 2002-2006، لأنه و منذ عام 2007، أبتعدت تركيا عن أوروبا الى درجة ان قبولها كعضو في الاتحاد لم يعد أمراً منطقياً، و على قادة الاتحاد الاروربي ان يعلونها صراحةً و بأعلى أصواتهم، كفى يا أروغان!. & &
ان التوتر الحالي بين تركيا و اوروبا، قد أثبتت أن التنبؤات التي كان قد أبداها ما كان يطلق عليهم بالمتشائمين (او الواقعيين)، حول مسألة الفيزا كانت صحيحة، و من ضمنهم سفير الاتحاد الاوروبي لدى تركيا، السيد مارك بيريني، الذي كتب في شهر أبريل عندما كانت دراما الفيزا على أوجها ما يلي " في 18 من شهر اذار، توصلت بروكسيل الى اتفاق مع انقرة يهدف الى الحد من تدفق اللاجئين من تركيا الى الاتحاد الاوروبي و تم التعهد لتركيا بإعفاء مواطنيها من فيزا الدخول الى اوروبا، بشرط ان تتعهد أنقرة بإستيفاء الشروط 72 القياسية. و بهذه الاتفاقية، ورَط الساسة الاوروبيون أنفسهم في البازار الدبلوماسي، و ألأسوأ من ذلك، أنهم نأوا بأنفسم في التدخل و التأثير على ما تفعله حالياً و ستفعله تركيا مستقبلاً في سياساتها الداخلية". &&
و هذا هو بالضبط ما حصل، حيث لا تزال "دراما الوضع الداخلي التركي" في تفاعل و تدهور و نحن بانتظار ما سوف ينجم عنه من المضامين و النتائج الاستراتيجية و الجيوبوليتيكية الكبيرة على حاضر و مستقبل تركيا.&
&

&