&مقاربة للحلم التاريخي جاء القرار السحري بإعتلاء الشيعة للسلطة السياسية واحتلال واجهة التمثيل في جسد الحكومة والدولة، هذا ماحدث بعد إسقاط نظام صدام حسين في مشروع الإحتلال الأمريكي للعراق، ومحاولة استنبات نظام ديمقراطي فيدرالي في دولة توارثت أنظمة حكم عسكرية وشمولية دكتاتورية زهاء 65 عاما ً.

&تأسيس نظام سياسي – اجتماعي يخرج من زوايا نظر دوائر مخابراتية وجنرالات جيوش الإحتلال، سيفقده شرعية الولادة والنمو، فكيف إذا فرط بفكرة وقواعد المواطنية في الثقافة والإنتماء والتاريخ، واستبدلها بتوليفة تعتمد الهويات الفرعية الطائفية والعرقية والأثينية..؟

برنامج مغطى بدستور تمت صياغته برؤى ومفاهيم بعيدة عن واقعية الحياة العراقية وشكل نواة الأخطاء الإستراتيجية للدولة العراقية الثالثة بعد 2003، وهي لم تزل تعيش سلوكا ً استعاديا ً للتقاليد العشائرية ونظم اقتصادية شبه ريعية، فرضتها بنية النظام الشمولي وتهرئاته الداخلية جراء سياسة الحروب، ومنهج العزل وقمع الحريات والتنوع الثقافي وهيمنة فكر الحزب الواحد.

&النظام (العرقطائفي) الذي تشكل في العراق بعد 2003، لم يأت نتيجة إشراف الحاكم الأمريكي على هندسة البناء السياسي لعراق مابعد صدام وحسب، إنما جاء كوليد مشوه أجهضته عقلية سياسية مأزومة ومنكفئة طائفيا ًوعنصريا ً لأحزاب معارضة فاقدة صلاحية التمثيل الوطني، منقطعة عن التواصل مع قطاعات الشعب العراقي، ماجعلها تضيع في متاهات تغذيها عوامل نفسية كامنة كالشعور بالنقص والرغبة بالإنتقام وعقد موروثة عن سنوات الغربة والتشرد والقمع والخوف والفاقة.

&إتباع سياسة منفعلة، منتقمة وفاقدة للتأهيل الوطني والمراس الديمقراطي،أنتجت قرارات التفكيك للدولة العراقية برعاية دستور باعث على الفرقة والتشتت ومتناقض بمواده ومنطلقاته، وهو ماجعل بعض التطبيقات تعيش في إغتراب حقيقي عن واقع حال مستتب إداريا ً منذ عشرات السنين، خصوصا ً في قانون فصل الأوقاف الدينية، وحل الجيش العراقي وقانون الإجتثاث وقانون الأقاليم ومجالس المحافظات الغير مرتبطة بأقليم وغيرها، دمجت مشروع المحتل الأمريكي في التفكيك والتجزئة مع رغبات مكبوتة متوارثة لدى عدد من وجهاء و شيوخ عشائر المدن وتوليفاتهم الأثينية وحاجتهم لتملك السلطة، وفق بناءات إدارية ذات خصوصية جد محلية وحاكمة بأمرها غيرمرتبطة مع دولة المركز ومصلحة الوطن الواحد.

&تجارب حكم محلية تستدرج الواقع للضياع في ظل تشكيلات إدارية زائفة مترشحة عن إنتماءات حزبية وطائفية وعشائرية متسلطة، وليست عن تأهيل علمي وكفاءة ونزاهة وتدرج وظيفي منطقي..! هذه القوانين وغيرها جاءت لتعمل على التجزئة وتفكيك الدولة، وإنشاء كيانات طائفية وعرقية متصارعة على النفوذ والمال والسلطة.

فشل الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة في إقامة الدولة المدنية الديمقراطية، تكرس في نظام المحاصصة وتقاسم الوزارات والوظائف المهمة والسلطة والمال على ممثلي المكونات الطائفية والقومية والدينية، في ظل غياب التكنوقراط والنزاهة والكفاءة، مصطحبا ً معه فسادا ًغير مسبوق للسلطة ونهب المال العام.

&أبرز سمات فشل الدولة تتمثل بتراجع وانهيار الخدمات للمواطنين وإنعدامها أحيانا ً، مثل فقدان الأمن وأزمة السكن والصحة والنظافة والعيش اللائق والكهرباء والتعليم والنقل والنظافة وغيرها، وهنا ملفات فساد جعلت العراق يتربع على مواقع متقدمة في مراتب الفساد العالمية، كما أضاعت الحكومات المتعافبة مايزيد على 800مليار دولار امريكي في عشر سنوات، دون تحقيق منافع أو بناء أوتنمية اجتماعية أو مدنية حضرية، ولعل قراءة تقارير المفتش الأمريكي عن ضياع ثروات العراق وكذلك تقارير الأمم المتحدة الدورية عن واقع حال العراق، تشكل غيض من فيض الفساد المالي والإداري الذي تمارسه أحزاب السلطة ومافياتها، وميليشياتها في عقود وهمية وصفقات مليارية فاسدة.

فساد السلطة وأحزابها الحاكمة جعل جيوشها ومؤسساتها الأمنية تنهزم أمام عصابات ( داعش)، فقد انتزعت منها ثلاث محافظات كبرى في العراق، واقامة فيها مايسمى ( دولة العراق والشام الإسلامية ) وهذا يحدث أول مرة في تاريخ العراق..!

&تلك بأختصار شديد صفحات من رواية طويلة تحكي فشل الدولة العراقية الجديدة، وتلاشي حلم الأغلبية الشعبية في حياة الرفاهية واقامة دولة مدنية ديمقراطية تستند لقواعد العدالة وسلطة القانون وتكافؤ الفرص.

[email protected]