&الآشوريون (سرياناً وكلدناً)، سكان العراق الأوائل، انطلقوا كحركة وطنية عراقية من أجل إحقاق حقوقهم القومية والسياسية والدينية في إطار (الدولة العراقية)، التي تشكلت بموجب اتفاقية (سايس بيكو) ووضعت تحت الانتداب البريطاني. لكن بدلاً من أن تستجيب حكومته آنذاك، برئاسة ( رشيد عالي الكيلاني) للمطالب المشروعة للآشوريين، صورتهم على إنهم (أقلية وافدة وانفصالية) تعمل لصالح بريطانيا، وأوهمت الرأي العالم العراقي على أن الآشوريين عدواً خطيراً للعراق. وبدأ الاعلام الحكومي يضلل العراقيين حول هذا العدو الوهمي ،بهدف إثارة الحقد والكراهية الدينية والعرقية ضد الآشوريين المسيحيين، لإشغال العراقيين بالحملة على الآشوريين وصرف أنظارهم عن المشاكل الداخلية التي كانت تواجهها حكومة الكيلاني. كذلك لوأد "القضية الآشورية" التي برزت بقوة على المشهد السياسي العراقي وطُرحت على طاولة "عصبة الأمم" بين 1931 و 1932. لنجاح مخطط ضرب الآشوريين، استدعت الحكومة البطريرك ( مار شمعون) الى بغداد بحجة التفاوض معه بشان حقوق ومطالب الآشوريين. لكن التفاوض كان مجرد خدعة لاعتقاله ووضعه تحت الاقامة الجبرية، بهدف إثارة غضب الآشوريين ودفعهم للعصيان والتمرد ، لتبرير الحملة العسكرية عليهم وسحقهم. الخلفيات الأيديولوجية والعرقية والدينية، لأعضاء "مجلس الاجرام" المسؤول عن قتل آلاف الآشوريين العزل في سميل وبلدات آشورية أخرى، تكشف زيف ذريعة "ارتباط الآشوريين بدولة الانتداب"، التي تذرعوا بها لارتكاب جريمتهم. رئيس الوزراء (رشيد عالي الكيلاني)، عًرف بالرجل المخادع المتآمر، دساساً سفاحا ،قاد الجيش لمقاتلة عشائر الفرات الاوسط واعدم الكثير من ابناءها. وزير داخليته (حكمت سليمان)، ابن سليمان فائق، رئيس المماليك في العراق، شركسي مغولي الدم. نشأ في استانبول تحت رعاية اخيه الجنرال محمود، تربى على نفس الاساليب العثمانية في السياسة والادارة، القائمة على الدس والتآمر والاستبداد والغطرسة. كان مهيأً للعب ذلك الدور القذر في ذبح الاشوريين، انطلاقاً من ثقافته التركية العنصرية وأصله المملوكي. كانت ماتزال تراوده فكرة (خيانة الاشوريين لأسيادهم الاتراك العثمانيين). اراد الانتقام من أحفاد هؤلاء الآشوريين. قام بالدور المكمل لإبادة الآشوريين والأرمن ،على يد جيش السلطنة العثمانية والعشائر الكردية 1915. (بكر صدقي)، قائد الجيش العراقي، كان على قدر عظيم من الغرور والحمق. كان يضمر الحقد والكراهية والعداء للآشوريين كونه قوميا كردياً متطرفا. كان يرى في "القضية الاشورية" عقبة أساسية وكبيرة في طريق "القضية الكردية". في أوائل آب 1933، اعلنت حكومة الكيلاني رسمياً، "الجهاد الاسلامي"، على الآشوريين المسيحيين. وقامت، عبر مختلف وسائل الاعلام، بحث رجال القبائل العربية والكردية ومختلف ابناء العراق من المسلمين، على التطوع في العمليات الجهادية والتوجه نحو الشمال العراقي لمقاتلة الآشوريين. للتحفيز على القتل والفتك بالآشوريين ولقتل أكبر عدد منهم ، وجهت الحكومة تعليمات رسمية لرجال القبائل العرب والأكراد بتخصيص "ليرة انكليزية" عن كل (راس آشوري) يجلب اليهم ، وعدم مطالبة الحكومة بتسليم ما سيستولوا عليه من متاع وغنائم. بينما اعتبرت الذين لا يشاركون في الجهاد "خونة" نحو دينهم وبلادهم. يوم السابع من آب 1933 ،رغم أن المذابح لم تكن قد انتهت، احتفلت الحكومة العراقية رسمياً بالقضاء على أكثر من 3000 آشوري غالبيتهم من النساء والأطفال وتهجير آلاف العائلات الآشورية الى الجزيرة السورية. فيما المذابح كانت على أشدها، في بلدة سميل وعشرات القرى الآشورية في ولاية الموصل ، الطائرات البريطانية كانت تحلق فوق مناطق المذابح، لتصوير ما كان يحدث دون أن تتدخل في تقديم يد المساعدة للآشوريين. تأتي ذكرى مذبحة سميل هذا العام، والجرح الاشوري يزداد نزفاً وألماً في العراق وسوريا مع دخول البلدين في حروب داخلية كارثية، وضعت مصير ومستقبل الآشوريين والمسيحيين على المحك ، خاصة بعد أن اصبحت التنظيمات والمجموعات الاسلامية الجهادية السلفية التكفيرية المتطرفة ،مثل تنظيم الدولة الاسلامية(داعش) والقاعدة وأخواتها، طرفاً أساسياً في حروب البلدين.

بدعوة من (المعهد الملكي البريطاني)، التقينا في لندن 9 – 11 شباط 2004 مجموعة من الكتاب والمثقفين السوريين( معارضة وموالاة) مع العديد من الباحثين والسياسيين الأجانب ، لبحث تداعيات الغزو الامريكي الغربي للعراق ، على سوريا والمنطقة، لجهة نشر الديمقراطية والحريات وتعزيز حقوق الانسان. جلسات الحوار كانت في مبنى قديم يعود الى زمن الامبراطورية البريطانية وهي في ذروة قوتها وسلطانها. رئيسة المعهد، افتتحت جلسات الحوار بحديث عن تاريخ المبنى الذى كان مقراً لقادة الامبراطورية البريطانية العظمى التي لم تغيب عنها الشمس" لكثرة مستعمراتها في مختلف قارات العالم شرقاً وغرباً". قالت" في هذا المبنى كان القادة يضعون خططهم العسكرية واستراتيجيتهم السياسية في إدارة الحروب والمستعمرات البريطانية." وجدت في كلامها فرصة ومناسبة للحديث كآشوري عن الدور الخطير لبريطانيا في المصائب والويلات التي حلت بالشعب الآشوري، نتيجة الوعود الكاذبة التي قطعتها على نفسها والمتعلقة ببناء "وطن قومي" لهم على جزء من وطنهم التاريخي (بلاد ما بين النهرين)، لكنها تركتهم في النهاية يواجهون وحدهم هجمات العثمانيين والأكراد والفرس والعرب، من دون أن تفعل شيئاً لأجل إنقاذ حلفائها الآشوريين الذين حاربوا الى جانبها في الحرب العالمية الأولى. ختمتً كلامي بالقول:" أخشى أن يتكرر ذات السيناريو الأليم بحق آشوري العراق من جديد في ظل الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق". اندهش الحضور من ما سمعه، أعقبت رئيس المعهد بالقول" نتأسف لما حصل للآشوريين لكن اليوم ليس بمقدورنا أن نفعل شيئاً لهم. بكل الأحوال هذا ليس موضوع جلساتنا. ". للأسف ، حصل ما كنا نخشاه، من تداعيات غزو العراق على الآشوريين والمسيحيين العراقيين. فقد تعرضوا لعمليات تطهير عرقي وديني، منظمة وممنهجة، ترتقي الى مستوى (الجرائم ضد الانسانية) ،على ايدي الجهاديين الاسلاميين المتطرفين. كذلك وقعوا ضحية الأجندات السياسية والطائفية والعرقية للقوى المتصارعة ،عربية (سنية – شيعية) ، كردية ، اسلامية، على الكعكة العراقية، ما بعد صدام حسين. كما في مذابح سميل، لم تحرك قوات الاحتلال البريطانية والأميركية ، ساكناَ لأجل الدفاع عن الآشوريين والمسيحين، الغير قادرين على توفير الحماية الذاتية لأنفسهم. وكأن قوى الاحتلال غير معنية بمأساة جلبتها لشعب أطاحت بحكومة بلاده ونشرت الفوضى الأمنية والسياسية فيه، تخلى عنه(عن الآشوريين والمسيحيين) حكامه الجدد، الذين جاءت بهم قوات الاحتلال، وتركوه من غير حصانة وحماية وطنية.&

&أخيراً: ذُبح آلاف الآشوريين العراقيين، أحد أبرز واقدم المكونات العراقية، بأيدي حكامه، بذريعة تعاطفهم وتعاونهم مع دولة الانتداب، ضد دولة العراق. في تسعينات القرن الماضي( بعد ست عقود من الاستقلال والحكم الوطني) استعان أبناء وأحفاد قتلة الآشوريين بالبريطانيين والامريكان ، للتخلص من الحكم الوطني للعراق، (صدام حسين وزمرته). ليس من المبالغة القول، أن العراق ، من شماله الى جنوبه، محكوماً اليوم بذات العقلية الاجرامية، التي ارتكبت "مذبحة سميل الآشورية" ، والعراقيون يدفعون ثمن ذبح الآشوريين في سميل!!

سليمان يوسف.. باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات.

[email protected]