التظاهرات&كممارسة&جماهيرية،&يمكن&لها&أن&تغير&ظاهرة&سيئة&أو تصحح&حالـة&خاطئة&في&بلد&طبيعي&لديه&تراكم&وعي&ديمقراطي ومؤسساتي&على&مستوى&الشعب&ونخبه،&أي&في&بلد&كاليابان&أو&السويد مثلاً.&أما&في&العراق،&فمع&كل&الحب&والاعتزاز&لمن&يتظاهرون&بين الحين والآخر&ويبذلون&أرواحهم&بنيّة&التغيير&الصافية،&إلا&أن&فعالياتهم&تبقى &قطرة&غير&مؤثرة&من&سيل&فعل&جارف&أشبه&بالمعجزة&يحتاجه&العراق&اليوم لقلب&موازين&أرضيته&السياسية&الفاسدة&والإجتماعية&المريضة&والدينيةالمتعفنة،&وهو&حتى الآن&بعيد&عنه&وعن&أجواءه&بُعد&السماء&عن&الأرض.

حتى&اليوم&لم&تتبلور&مطالب&أي من&التظاهرات&التي خرجت في أي مدينة من مدن العراق&بشكل&واضح،&وبضمنها&التظاهرات&الأخيرة&التي خرجت&في&العديد&من&المدن&العراقية&وتركزت&في&العاصمة&بغداد،&والتي قُمِعَت&للأسف&بإستخدام&خراطيم&المياه&والرصاص&الحي&بشكل&يندى&له الجبين.&فمطالب هذه التظاهرات كانت دائماً قلقة ومتأرجحة&بين&توفير الماء&وإسقاط&الحكومة،&حسب&طبيعة&وخلفية&المتظاهرين!&ومختلفة&بين محافظة&وأخرى&وأحياناً&مدينة&وأخرى&على&مستوى&نفس&المحافظة!&وعلى&فرض&أنها&ستتبلور&يوماً،&سَيَلي ذلك جملة تساؤلات أهمها:&ما&هو العمر&الزمني&لإنجازها!&ومتى&ستتمخض&عن&التظاهرات&قيادة&ناضجة تسير&بها&الى&بَر&الأمان!&هذه&الأسئلة&وغيرها&هي التي&ستحدّد مصير&التظاهرات&وتقرّر&نجاحها&مِن&فشلها،&هذا&إذا&أريد&لها&أن&تحقق فعلاً حقيقياً،&لـذا&فالطموح&هو&أن&لا&يقع&فعل&التظاهر&بنفس&الخطأالذي&وقع&فيه&فعل&مقاطعة&الانتخابات،&الذي&وإن&نجح&في&تحقيق&جزء&من أهدافه،&وأحّدها،&بل&وأهمّها،&أنه&كان&شرارة&حَرّكَت&وايقظت&رماد&جماهير التظاهرات،&إلا&أنه&فشل&في&التحول&لمشروع&ناضج&يحظى&بإجماعمحلي&وصدى&دولي&يسعى&لإصلاح&وتغيير&العملية&السياسية&جذرياً.بالتالي ينبغي&أن&تتحول&حالة التظاهر في العراق&مِن&فعل&عفوي&الىمشروع&ناضج&ذو&برنامج&سياسي&اقتصادي&واضح&متكامل،&يبدأ&مِن&توفير&متطلبات&العيش&الكريم&للعراقيين،&وصولاً&لإحداث&تغيير&جذري بمجمل&المناخ&السياسي،&يطيح&بالطبقة&السياسية&الحالية&رموزاًوأحزاب&ودستور&ومرجعيات&دين،&ويُمَهِّد&لفترة&إنتقالية&بإشراف&دولي،تنتهي&ببناء&عملية&سياسية&سليمة&لها&دستور&وقانون&أحزاب&سليم&خاليمن&العُقَد&والقنابل الموقوتة،&يمنع&تسلل&الأحزاب&والرموز&الفاسدة&اليها.

التظاهرات&كفكرة وممارسة هي حتى الآن&بعيدة&عن&هذا&الطموح،&فهيما&زالت&عفوية&وغير منظمة،&تخرج&مَرّة&بفِعل&الشباب&وأخرى&بفِعلالأحزاب والمرجعيات الدينية كالتيار الصدري،&مَرّة&تطالب&بالخدماتوثانية&بتوفير&فرص&العمل&وثالثة&بإسقاط&العملية&السياسية&ومحاسبة رموزها،&مَرّة&يخرج&فيها الناس بالمئات&وثانية&بالآلاف&وثالثة&بعشرات الآلاف،&وفي&كل&مرة&تنجح&السلطة&باحتوائها&سواء&بالترغيب&والوعود الكاذبة&والخُطَب الدينية،&أو&بالترهيب&والتسقيط&باتهامات&العمالة&وتبعية الخارج،&وما&الى&ذلك&مِن&الأساليب&الملتوية&التي&يتقنها&النظام&الحالي وجيوشه&الإلكترونية،&والتي&تعلمها&من&أسياده&في&طهران.&أما تعامل العراقيين معها ورد فعلهم تجاهها كمجموع وشعب،&فهو كالعادة غير عقلاني،&لا ينم عن وعي وتعَلّم من الدروس والعِبَر، بل يتّسِم بالتطرف سلباً أو إيجاباً.&فهم بين سلبي بتَطَرف مُتقاعس عن دعمها فَضّل&أن يجلس في البيت ويتابعها عبر شاشات التلفاز من منطلق النظرية&العراقية القائلة&"&يمعود إحنا&آني شعلينا"&أو&"&يمعود&ما يفيد".&أو ايجابي بتَطَرف مندفع في دعمها بعاطفة لا عقلانية مفرطة، يتفنن&بإطلاق التوصيفات التي تُتَرجم&أوهامه على التظاهرات والمتظاهرين فيصفها بالثورات ويصفهم بالثوار!&ويدعوهم لمهاجمة المنطقة الخضراء!&متناسياً في لحظة إنتشاء أن الثورات هي التي دمرت بلاده وأذلت شعبها،&وأن المتظاهرين لا يمتلكون مقومات الثورة أصلاً مقارنة بجيوش القتلة الجرارة التي تمتلكها الأحزاب والمليشيات والعشائر والمرجعيات التي تسيطر على البلاد،&وبالتالي هم يطالبون المتظاهرين بما يفوق طاقتهم لمجرد أنهم يحلمون به، ويضعونهم في موقف خطر إنتحاري بمواجهة نظام سياسي وديني ومجتمعي مجرم وفاسد، فيما يجلسون هم خلف شاشات وكيبوردات الحاسوب والموبايل!

لكن بالنهاية يُسَجّل لبعض&تظاهرات&ما بعد&2003&قصَب السَبق ويحسب لها&بأنها ربما أول&احتجاجات&شعبية عفوية في تأريخ العراق الحديث بلا منازع.&فقد&تعود&العراقيون&على&أن&يكونوا&مُسَيّرين&لامُخَيّرين&في&قراراتهم&وشؤون&حياتهم،&فكانوا&يخرجون&إما&في&مسيرات تنظمها&وتدعوا&لها&السلطة&الحاكمة&للترويج&لأجنداتها&السلطوية&كما&في أزمنة&الجمهوريات&الدكتاتورية&القاسمية&والعارفية&والصدامية&والمالكية،أو&في&تظاهرات&كانت&تنظمها&وتدعوا&لها&أحزابهم&الشمولية&الثورجية الشيوعية منها&والقومية&والإسلامية بحجة معارضة الأنظمة المتعاقبة ولكن بهدف&تحقيق&أهدافها&الحزبية&الفئوية&الضيقة،&أو&في&احتجاجات&تدعوالها&مرجعياتهم&الدينية&لحماية مصالحها الرجعية بمواجهة أي تغيير قد يُسهِم بتحريرهم من قيد سطوتها على عقولهم ومقدراتهم&كما&في&ثورة العشرين.&ففي&هذه&المَرّة&خرج&متظاهرون&عراقيون&بوعي&عقولهم&التي أعادوا&تشغيلها،&وبدفع&إرادتهم&الحرة&بلا&إملاء&من&أحد،&بعد&أن&كانت عقولهم&مغيّبة&مُسَيّرة&وارادتهم&مَسلوبة&مقيّدة.&وهو&أمر&قد&لا&يؤتي&ثمارهعلى&المدى&القريب&لأنه&ما&زال&في&بداياته،&لكنه بكل&الأحوال&يُبَشّر بصَحوة&مجتمعية&(قد)&و&(ربما)&تقطف&الأجيال&البعيدة&القادمة&ثمارها كحياة&حرة&كريمة&و&وطناً&آمِن&مُستقر.

[email protected]