حق تقرير المصير للشعوب هو من المبادئ الاساسية فى القانون الدولى حيث هذا الحق هو مضمون لكل الشعوب و على اساس المساواة بين ابناء البشر و تمتعهم بحق العيش فى الكرامة و الحرية كما جاء فى المادة الاولى فقرة ثانية و المادة 55 من ميثاق الامم المتحدة و كذلك المادة الاولى لكلا اتفاقيتى حقوق الانسان للامم المتحدة لسنة 1966 حول الحقوق المدنية و السياسية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المادة العشرين من اعلان هيلسنكى لسنة 1975 المنبثق من المؤتمر الاوربى حول الامن والتعاون و عدة قرارات للجمعية العامة للامم المتحدة بالاضافة الى عدة شخصيات سياسية و دينية اعلنوا عن تايدهم لهذا المبدا كرئيس الامريكى الاسبق ويلسون و موسس الاتحاد السوفيتى السابق لينين و البابا بنديقت الخامس عشر.
و من حيث المضمون فان حق تقرير المصير لا يعنى بالضرورة انشاء دولة مستقلة لكل قومية فى العالم و هو امر شبه مستحيل لان هناك الان فى العالم اكثر من الفى جماعة عرقية و لكن هناك 192 دولة و عدد من الكيانات الشبه المستقلة بل معنى هذا الحق هو اوسع من هذا كما جاء فى اعلان الجمعية العامة للامم المتحدة حول العلاقات الودية بين الدول لسنة 1970 بحيث يشمل حق الشعوب بالاقرار فى البقاء داخل حدود دولة ما كما حدث فى استفتاء اقليم كوبيك الكندية سنة 1995 حيث صوت اكثرية سكان هذا الاقليم الناطق باللغة الفرنسية ضد الانفصال عن كندا و و كذلك قرار البرلمان الكوردى فى 4.10.1992 لصالح بقاء كوردوستان العراق داخل عراق فدرالى موحد. و لكن حق تقرير المصير يمكن ان يعنى ايضا انضمام دولة الى دولة اخرى كما حدث لالمانيا الشرقية حيث انضمت فى سنة 1989 الى المانيا الاتحادية او ان يعنى هذا الحق تجزئة دولة ما الى دولتين او اكثر كما حدثت ليوغسلافيا و جيكوسلوفاكيا و الاتحاد السوفيتى فى بداية العقد الاخير للقرن الماضى او حتى انفصال اقليم معين من دولة ما كانفصال بنغلاديش عن باكستان سنة 1971.
الشعب الكوردى كاى شعب اخر على وجه الارض يتمتع بحقوق متساوية مع الشعوب الاخرى و هذا يمكن ان يعنى ايضا من الناحية القانونية و الاخلاقية انشاء دولة كوردية.
فيما يتعلق بالشعب الكوردى فى العراق فان هذا الشعب قرر خلال ممثليه فى البرلمان الكوردى المنخب من قبل الشعب فى انتخابات حرة و نزيهة كما ذكرنا قبلا بالبقاء داخل العراق تحت نظام فدرالى و هذا الشرط تم التجاوب معه بايجاب فى قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية و لم يصدر قرار اخر حول هذه المسالة لحد الان من البرلمان الكوردى ينسخ القرار القديم و لهذا فان الكلام عن انفصال اقليم كوردوستان عن العراق ليس الا محاولة للحصول على مكاسب سياسية من قبل بعض الجهات. و الحديث عن الدولة الكوردية هو ليس دقيقا ايضا لان كوردوستان ليست ملك الكورد وحدهم فهناك الكلدانيين و الاشوريين و التركمان و العرب الذين لهم حقوق متساوية بالشعب الكوردى و لهذا فلهم ايضا كلمة يقولونها فى هذا الموضوع حتى لو شكل الكورد الاكثرية الساحقة لان الديمقراطية هى ليست ديكتاتورية الاكثرية.
و صحيح بان كل شعب تتوفر فيه بعض الشروط كاقليم يشكل فيه الاكثرية و عدد معقول من السكان يتجاوز على الاقل عدة الاف يمكن ان يعتمد على القانون الدولى للمطالبة باجراء استفتاء حول انفصاله او بقائه داخل دولة ما و لكن الجانب القانونى هو ليس كل الصورة بل الجانب الاهم هو الواقع السياسى الدولى و الاقليمى و الداخلى السائد و مسالة الانفصال هى ليست مسالة تحسم من جانب واحد لانها تترتب عليها عواقب قانونية كتوزيع الاملاك و ترتيب الحدود السياسى و الخ. و لو كانت المسالة مسالة قانونية فقط لتجزات الهند الى عدة دول لان فيها على الاقل ثمانى عشرة قومية يبلغ اعداد بعضها عشرات الملايين كالبنغاليين 68 مليون نسمة، تيلوكو 71 مليون و ماراثى 65 مليون مثلا او لتجزات نيجيريا الى عشرات الدويلات لان فيها اكثر من 434 جماعة عرقية و حاولت اقاليم منها فى السابق الانفصال عنها كبيافرا و اخفقت. مسالة تغير الحدود الدولية هى مسالة معقدة جدا تتداخل فيها مصالح الدول الكبرى و لهذا فان اية خطوة من هذا النوع يجب ان يسبقها حصول توافق بين هذه الدول الكبرى اما خلال محادثات غير رسمية او رسمية تحت مظلة الامم المتحدة كما كان الحال فى حالة التيمور الشرقية. بدون هذا التوافق الذى تلعب فيه الدول دائمة العضوية فى مجلس الامن الدولى الدور الاكبر لان قبول اعضاء جدد فى الامم المتحدة حسب المادة الرابعة من ميثاق الامم المتحدة لا يتم الا بعد توصية من مجلس الامن و قرار من الجمعية العامة بهذا الشان و الا سيكون مصير هذا الكيان الجديد هو الفشل حتى لو تم تشكيله فعلا و لعل خير دليل على ذلك هو جمهورية مهاباد الكوردية التى تاسست بدعم سوفيتى فى كوردوستان ايران بعد الحرب العالمية الثانية و لكن بسبب عدم وجود هذا التوافق الدولى و بالاخص معارضة بريطانيا و امريكا لهذا الكيان السياسى الجديد اظطر السوفيت الى سحب دعمهم و حمايتهم للجمهورية الجديدة التى لم تدم الا بضعة اشهر و ثم دخلها الجيش الايرانى و اعدم قياداتها السياسية.
فان اية محاولة كوردية سواء فى العراق او اى جزء اخر من كوردوستان سيكون مصيرها مصير جمهورية مهاباد فى ظل عدم وجود هذا التوافق الدولى و هذا التوافق هو الان ليس موجودا لصالح دولة كوردية بصورة عامة لان الاتجاه الدولى هو الان لصاح دمج الكيانات السياسية و ليست تجزئتها كما نراه فى اوربا حيث توسع الاتحاد الاوربى الى 25 عضوا و الاتحاد الاوربى هو مبمثابة اتحاد فدرالى لان له سلطة تشريعية اتحادية و عملة موحدة وله دستور اتفق عليه مؤخرا. و لو لم يكن هذا التوافق الدولى لكيف استطاعت تيمور الشرقية بعد 350 سنة من الاستعمار البرتغالى و 24 سنة من الاحتلال الاندونوسى ان تنفصل من اندوسيا التى يبلغ عدد سكانها اكثر من 210 مليونا و عدد سكان تيمور الشرقية لا يتجاوز 000 700 الا بقليل مما يعنى بانه لم يكن هناك توازن فى القوى العسكرية و السياسية بينهما. فى نفس هذه الاندونوسيا فشلت محاولات اقليم اشى ذو اربعة ملايين نسمة بالانفصال او حتى التمتع بحكم ذاتى موسع لان التوافق الدولى لم يكن موجودا.
و فى الحالة الكوردية فان مسالة انفصال كوردوستان هى ليست مسالة تخص العرب و الكورد وحدهم اى حتى لو اتفق القسم العربى مع القسم الكوردى حول تقسيم العراق و العرب لا يحتاجون الى كوردوستان اصلا حيث لهم اراضى شاسعة فى الوسط و الجنوب مع الجزا الاكبر من احتياطى النفط و الثقافة العربية نفسها لا تعرف فى الاصل التعصب القومى و ان ممارسات اجرامية لبعض الاشخاص كصدام حسين ليست لها صلة بالثقافة العربية بل هى جزء من الثقافة الغربية القديمة التى اوجدت اصلا ثقافة التعصب القومى و تخلت عنها بعد اثبات فشل هذه الثقافة التى لم تجلب على اوربا الا الويلات. فمثلا من بين جميع رؤساء الدول فى العالم هناك رئيس واحد يؤيد علنا دعمه لحق تقرير المصير للشعب الكوردى بما فيه انشاء دولة كوردية و قدم كل الدعم المادى و المعنوى الممكن للحركة الكوردية و هو رئيس عربى من ليبيا و كم هو كثير عدد الكتاب و المثقفين العرب الذين يعلنون علنا عن دعمهم للقضية الكوردية لانهم ابناء ثقافة تتسم بالتسامح و رحابة صدر و السخاء. و العرب لم يكونوا اصلا السبب وراء عدم حصولنا على دولة كوردية بعد الحرب العالمية الاولى و الثانية بل السبب كانو البريطانيين و الامريكان و الفرنسيين و مذكرات المسسز بيل هى خير دليل على ذلك. و حتى لو دعونا اخواننا العرب للانفصال من العراق فيجب علينا نحن الكورد ان نكون حضرين جدا بقبول هذه الدعوة لان الانفصال عن العراق يعنى تلقائيا الانضمام الغير الاختيارى لاحدى دول الجوار التى لها اطماع تاريخية فى كوردوستان العراق و حينئذ سنتمتع بنفس الحقوق التى يتمتع بها الكورد فى هذه البلدان اى لا حكومة فدرالية و لا حكومة كوردية و لا حتى مدرسة ابتدائية باللغة الكوردية.
لذا فان الاكثرية الساحقة للشعب الكوردى فى العراق تعرف جيدا بان العراق هو المكان الامن لنا نحن الكورد و ان الشعب العربى هو الاسهل فى التعامل معه من اى شعب اخر نعرفه فى المنطقة و ان الاحترام و التقدير الذى يتمتع به الانسان الكوردى فى المناطق العربية فى العراق يفوق الاحترام الذى يتمتع به العربى نفسه فى موطنه. و لا بد ان يسال الكوردى ايضا ماذا سيكون مصير حوالى مليون كوردى يعيشون الان فى مناطق عربية فى العراق اذا انفصلنا عن العراق و هل يعودوا هؤلاء الى كوردوستان ليشكلوا زيادة سكانية مفاجئة يمكن ان تصل الى 25% من مجموع سكان كوردوستان و كيف سنسكنهم و نطعمهم؟ و كيف سنمارس التجارة مع العالم الخارجى و نتصل به و ليس لنا منفذ بحرى و نحن محاصرن من قبل دول تود خنقنا بدل توفير منافذ لنا الى العالم الخارجى. و ربما سنظطر فى هذه الحالة العودة مرة اخرى الى اخواننا العرب العراقيين لتامين هذه المنفذ لنا و لذا فمن الافضل ان نبقى معهم بدل من العودة مرة ثانية خوفا من ان تلتهمنا دولة ما من دول الجوار و نحن نعرف تاريخها فى اظطهاد الكورد. و اود ايضا ان اسال كم دولة سنشكلها فى كوردوستان العراق اذا انفصلنا من هذ البلد؟ فمن المتاكد فان الدولة الكوردية ستكون على غرار تقسيم الادارة الكوردية الحالية بفرق واحد فى التسمية اذ ستكون لنا جمهورية فى السليمانية و مملكة فى اربيل.
[email protected]
- آخر تحديث :




التعليقات