الليبرالية كلمة ذات وقع موسيقي في الاذن وما ان تكتشف معناها حتى تزداد اعجابا بما تحمله من قيم الحرية والديمقراطية والانفتاح. ولا يكاد احد من الذين يصفون انفسهم بالليبراليين، لا يكاد يستطرد في الحديث عن القيم السامية التي يؤمن بها دون ان يتفاخر بمساحة الحرية المسؤلة واللامتناهية التي يؤمن بها، وكيف انها مكفولة للجميع دون تحفظات للون او جنس او معتقد. كما ان الكثير منهم يقر بحق كل انسان بان يعتقد ما يشاء ويفكر بما يشاء ويؤمن بما يشاء، ومع ذلك فان ايمانه ومعتقداته وقناعاته لا تخرجه من دائرة الليبرالية مادامت في اطار من الحرية التي لا تتجنى على حرية الاخرين ولا تلغيها ولا تمارس الاقصاء ضد من يخالفها.وهنا يبرز الكثير من اصحاب التيارات المتخالفة كالاسلاميين واليساريين وغيرهم والذين لم تخرجهم افكارهم ولا الايدلوجيات التي يتلبسونها من دائرة كونهم ليبراليين. وهذا سر قوة الليبرالية كفكر يستوعب الجميع دون تشنج ويتسع للكل دون حجر او اقصاء. الليبرالية كنمط راق للتعايش السلمي البعيد كل البعد عن الارهاب الفكري وما قد ينتج عنه من اثار ضارة على الجميع دون استثناء. وهذا ليس تسطيح لفكرة أو قولبتها بقالب اجوف كما يحلو للبعض ان يظهره وذلك لحاجة في انفسهم. بل هو اسلوب راق في التعاطي بواقعية مع الوان الطيف في اي مجتمع انساني مهما تنافرت هذه الالوان ومهما تمايزت.

بيان الليبراليين العرب وما رافقه من مساجلات وشد وجذب اسهم في بروز توجهات تدعي الليبرالية ولكن واقعها العملي يدل على انها بعيدة كل البعد عن ماتدعيه. فنجدها تمارس الاقصاء والارهاب الفكري بصورة اكثر راديكالية من التيارات المتطرفة. وهذه الشريحة تحاول اللعب على حبال الاختلافات فنجدها بسبب او بدون سبب تعلنها صراحة تارة وبخفاء تارة اخرى بانها ضد كل ماهو اسلامي مهما كان من الاعتدال والطرح المتزن والعقلاني والمنفتح. اي انها ضد كل ماهو اسلامي فقط لكونه اسلامي. وهذ يتعارض مع اهم مبادء الليبرالية وهي الحرية.

اصحاب هذا الاتجاه ماهرون في كسب عداوت الاخرين. ورغم ايماني التام وتسليمي المطلق بان القيم الليبرالية والديمقراطية والحرية ليس فيها ما يتنافى مع الاسلام. لكننا نجد ان هذه الفئة لم تستطع كسب ثقة التيارات الاسلامية المعتدلة والتي تمثل السواد الاغلب من الشارع العربي شئنا ام ابينا. لم تستطع نشر قيمها بصورة سليمة ومقبولة. ولكنها دأبت على ابراز هذه القيم على انها تتعارض مع الاسلام وان الدين يقف حجر عثرة في وجه هذه القيم. وقد اختارت هذه الفئة لغة الصدام وتبنت اساليب التهميش والاقصاء. وذلك لن يحقق اي مكتسبات لا لليبراليين ولا للقواسم المشتركة التي يمكن ان تكون ركيزة قوية نحو فكر يستوعب الجميع.

بالمقابل نجد ان فئة اخرى اختلطت عندها الاوراق واشتبهت الافكار والمفاهيم فاصبحت لا تستطيع التمييز بين الليبرالية او العلمانية. بل لاتستطيع التفرقة بين الليبرالية والعلمانية الغربية ان جاز التعبير. وهذا جعل الفجوة تتسع وفرص التلاقي تبدو صعبة ان لم تكن معدومة.

ان المستفيد من هذا كله هم التيارات الراديكالية والفكر المتشنج والمتطرف الى اقصى اليمين او اقصى اليسار. كما ان ذلك افقد الليبرالية الكثير من فرص الانتشار كفكر وخصوصا في مجتماعاتنا العربية والتي للتيارات الراديكالية فيها اثر كبير.

وهنا تاتي مهمة المثقف العربي ليبين ان الليبرالية لم ولن تكون في يوم من الايام ضد الدين وما يعتقده الناس وان حرية الاعتقاد جزء من الحرية التي ينادي بها الليبراليون للانسان. هذه الحرية المسؤلة التي تكفل التعايش السلمي والبناء للجميع على اختلافهم واختلافاتهم. نحن لسنا ضد دين ما ولسنا وصايا على عقول الناس ولا على قناعاتهم.

مشاري محمد كاتب واكاديمي سعودي