في مسعاها لتبرير فشلها، في تحقيق سياساتها المعلنة، اتهمت الدول العربية، حكومات ووسائل الاعلام وحتى المعارضة، مجلس الامن الدولي بالانحياز لاعداءها، وهذا المسعى التضليلي مستمر وينطلي على الجميع منذ عام 1948، اي منذ طرح قضية فلسطين على الامم المتحدة لتقول كلمتها فيها.


قلنا ان المسعى كان تضليليا، بسبب ان المنطق والعقل واساس بناء الامم المتحدة واجهزتها، كان على اساس موازين القوى والواقع السياسي المنبثق عن نتائج الحرب العالمية الثانية، من انكفاء الدول الكبرى السابقة مثل بريطانيا وفرنسا، وتقدمت الصفوف دول جديدة وفتية هما الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي، وبالطبع ان الدول المستقلة تباعا بعد تأسيس الامم المتحدة، وبضمنها الدول العربية، كانت تدرك واقع الامم المتحدة ة ومؤسساتها، بمعنى انها كانت تدرك ان الامم المتحدة ليست محكمة لتحقيق العدالة الانسانية، بل هي هيئة سياسية تخضع في قراراتها لمصالح الدول المختلفة والمتصارعة، واي قرار يصدر عن اقوى مصدر للقرار في الامم المتحدة، ونعني به مجلس الامن الدولي، يكون نتيجة لواقع ميزان القوى في لحظة صدوره، ولان الامم المتحدة هيئة سياسية بالدرجة الاولى فاغلب الدول قبلت قراراتها كأمر واقع، لان القرار لم يكن يعرب عن العدالة المطلقة، بل عن الواقعية في اخذ مصالح كل الاطراف بحسب قوتها (قوة الدولة ليست متمثلة بقواتها العسكرية، بل تشمل القوى الاقتصادية والتحالفات الدولية وموقعها الجغرافي واستقرارها السياسي).


فهنالك قوانين واعراف دولية، يمكن الاستعانة بها لاتخاذ مواقف معينة او لاستكشاف القرار الممكن اتخاذه، فغزو العراق للكويت، كان قرار غبيا من قيادة غبية، اولا لانه غزا دولة عضوا في الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية عديدة كما ان العراق معترف بالكويت رسميا ومنذ عام 1963، والامر الاخر ان الكويت لم تشكل تهديدا للعراق يوما ما، ولذا كان من الممكن قرأة مواقف الدول او اغلبها من من هذه المغامرة الطائشة لو فكر اركان النظام السابق قليلا، رغم الوضوح هذا نرى ان بعض الدول وخصوصا العربية اتخذت من مصلحتها دليلا لاتخاذ موقف من هذا الغزو الذي طال دولة شقيقة كما يقولون، لا بل ان البعض حاول ان يسوق استقلال الكويت مقابل الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية، وبالتالي ان هؤلاء العرب كانوا مستعدين بل داعمين لضرب الحق والقانون والعرف بعرض الحائط، مقابل انقاذ ماء وجه صدام. اي انهم كانوا يسوقون لتحقيق مراميهم وحسب اعتقادهم بالطبع، استنادا الى ميزان القوة الذي كان قائما حينذاك او الامر الواقع. الا ان رد المجتمع الدولي كان قاسيا، وذلك لان جريمة العراق كانت واضحة المعالم، كما ان سجل النظام العراقي كان من اسوأ السجلات لاي حاكم حينذاك، ولانه لم يجد في الكويت من ادعى التأييد لما جرى، فصدرت القرارات تحت بند الباب السابع، مما يعني انها ان لم تنفذ فسيتم تنفيذها بالقوة.


وفي تجربة عراقية اخرى وهي الحرب العراقية الايرانية، من الواضح ان صدام كانت له مرامي بعيدة الامد، من الحرب ضد ايران، الا ان حكومة الثورة الايرانية لم تكن ايضا بريئة من الاخطاء ومما كانت تنادي به من تصدير ثورتها الى البلدان المجاورة، وباالتالي انها منحت للاخرين الحق في ابداء مخاوفهم من التدخل في شؤونهم الداخلية، وبرغم من ان رؤساء اكبر قوتين في العالم قد ذكرا بعبثية هذه الحرب، وبأنها سوف تنتهي بلا غالب ولا مغلوب، وهذا منذ اندلاعها او في السنة الاولى لاندلاعها، الا ان الدولتين اصرتا، في الاستمرار بحربهما، فتارة جاء الاصرار من العراق وتارة احرى من ايران، وطبعا حسب موازين القوى الذي كان سائدا اثناء ذلك، نرى هنا ان القوى العظمى اصدرت قرارا موزونا، ممكن تأويله، لان الدولتين المتحاربتين كانت من الدول الغير المرغوب في انظمتها، وان التدخل الدولي كان بالاساس لدوافع انسانية، بعد الخسائر الكبير لدى الجانبين، فالقرار اعادة الوضع لما كان عليه قبل الحرب، وحجمت كل دولة من طموحات الاخرى بهذه الحرب المدمرة.


اما عن المسألة الفلسطينية، فهنالك قرار للامم المتحدة بفرض التقسيم، وقد قبل به اليهود، ورفضه العرب، وتم شن الحرب لازالة اثر القرار الدولي، ولكن العرب فشلوا، فهل كان العرب يتوقعون من الدلو الكبرى ان تلحس قرارها؟ والغريب ان هذه الدول استمرت في مواقفها الشاذة والغير منطقية، على رغم خسائها المتتالية، ففي حرب عام 1967، كان من الواضخ ان العرب هم من بدأو الحرب، برغم من الاداعات ان اسرائيل هل التي جرت العرب الى الحرب، ولنفرض ان الامر كان كذالك، فلماذا انجروا لها دون التفكير بالعواقب؟ ورغم كل هذا صدر القرار 242 الشهير وقبلت به الاسرائيل ورفضه العرب، ولم يقبلوا به الا بعد سنوات، وصدر القرار بالاجماع، بمعنى ان الدول الكبرى مستعدة لتطبيقه، الا انه لم يصدر ضمن الباب السابع بمعنى ان تطبيقه خاضع للتفاوض، بين الاطراف المعنية والمجتمع الدولي يمكن ان يساهم بالمساعدة.


وهنا علينا التساؤل، اذا كانت الدول الغربية منحازة لاسرائيل، فماذا كان دور صديق العرب وخصوصا صديق المطالبين بالحرب في الحد من انحياز الغرب، او في افشال القرار المذكور ان لم يكن في صالح حلفاءه، وما كان يكلفه ذلك غير فيتو واحد؟
الم تكن المصالح هي التي توجه الاتحاد السوفياتي ياترى؟


ان ما يثير التساؤلات هو هذه القدرة المستمرة لخداع الذات قبل الاخرين والاستمرار فيها ودفع تكاليفها الباهضة، ان العرب مطالبون اليوم بالعودة الى الوعي، والاندراج في المنظمومة الدولية وبحسب قوانينها السائدة وليس استنادا الى امال واوهام العظمى الفارغة.