لقد كان ذلك اليوم مشرقاً وليس غائماً لأنه كان فيالرابع عشر من تموز/ 1958
ان السيد مصطفى القرة داغي لديه عقدة مستديمة من الاحتفال فيفي 14 تموز ومن اليسار العراقي والحزب الشيوعي العراقي



القسم الاول

الاسطر بين القويسات وباللون الازرق للسيد مصطفى القرة داغي

الاحداث الكبيرة التي تؤثر في التاريخ تُقَيم من خلال احداثها الآنية والمستقبلية واسباب قيامها وكيف كانت مسيرتها و نهايتها ايجاباً أو سلباً وليس تحميلها نتائج احداث طارئة رافقت الساعات الاولى من قيامها أو أحداث أخرى بهدف تشويهها وتشويه اهدافها.. ولا يمكن ان يتحمل عمل ايجابي نافع اخطاء عمل سلبي بحجة ان الحدثين مرتبطين باسم واحد.. مثلما يقال ان ثورة الرابع من تموز 1958 لأنها الغت الملكية واقامت الجمهورية تتحمل اوزار الانقلابات الدموية في 1963 و1968 لأنهما يحملان اسم الجمهورية نفسه ولا أعرف ماذا يقول في انقلاب بكر صدقي واعدام الصائغ ورفاقه الضباط فهو قبل انقلاب 14 تموزكما يحلو ان يسمي الثورة بسنوات عديدة..
ان ثورة 14/ تموز في جوهرها السياسي والاقتصادي كانت تهدف للتغيير نحو الاحسن ولقد قدمت الكثير من الانجازات و الايجابيات لا نريد عدها لأنها اصبحت معروفة لكننا مع ذلك سنفعل في الوقت المناسب لنثبت انها ليست امتداداً للانقلابات التي حدثت على الرغم من تصريحات بعض الانقلابيين بعد نجاح انقلابهم " بأنهم جاءوا لتصحيح مسيرة
ثورة 14 تموز.
واذا ما حدثت في ساعاتها الاولى بعض الاحداث المؤسفة فذلك لا يعني البتة انها كانت مرسومة أو ضمن برنامجها الهادف للتغير، واقصد هنا ما حل بالعائلة المالكة بشكل عام مع شديد الأسف وبعض التجاوزات التي حدثت في ذلك الوقت.. اما الانقلابات التي جاءت بعد ذلك فقد كانت تحمل بذور الشر والعداء للناس ولو قارنا بين اهداف ثورة الرابع عشر من تموز 1958 والانقلابات التي تلتها لوجدنا ان هناك تناقضاً جوهرياً في الاهداف والنتائج.. اما الشكوكية بمصداقية الرابع عشر من تموز بالاعتماد على نتائج الانقلابات فيما بعد على اساس منهجاً عاماً في المعرفة فهو يؤدي الى الغاء الحقيقة الموضوعية ثم انكار امكانيات الناس على معرفة الامور بحقيقتها خارج الوعي البشري.. اما إذا كانت الشكوكية مزاجاً وحالة نفسية فهي مصيبة ما بعدها مصيبة لأن المزاج هذا وهذه النفسية عليها أن لا تطلق احكاماً قطعية على الحدث، ولا تحاول ان تبني من خلال مواقفها موقفاً تشويهياً لكي تحاول التشويه وطمس الحقيقة الموضوعية، كما اجد من الضروري ان يجري التحقق الموضوعي الحيادي بالنسبة للذين يكتبون عن اي حدث كبير في التاريخ وعدم وضع شروط مسبقة حسب وعيهم المنحاز وفرض هذه الشروط على وعي الناس، وان مثل هكذا تَحَقق من الممارسة الفعلية سيكون معياراً ومحكاً اساسياً لمعرفة الحقائق بشكلها الواقعي..
من هذه الزوايا اود ان اشير لبعض ما جاء في مقالتي السيد مصطفى القرة داغي مع احترامي له حول ثورة 14 / تموز المنشورة في إيلاف اولاً ثم بعدها على عدة مواقع في الانترنيت ما بين 14 - 19/ 7 / 2004 الاول (ذكرى 14 / تموز بين الاحزان والافراح) والثاني 14/ تموز ثم 17 / تموز ومسلسل الانقلابات)
لقد جاهد السيد مصطفى القرة داغي في هذين المقالين ان يؤكد على عدة قضايا في ذهنه اضافة لبعض الاراء المنحازة تماماً بالضد من الثورة.
الاولى: ان ثورة 14 تموز هي اسّ البلاء والمصائب التي مر الشعب العراقي والعراق بها.
الثانية: ان الانقلابات التي حدثت بعدها لا تختلف عنها لا في المنهج ولا بالاهداف
الثالثة: الاساءة المطلقة لهذه الثورة وتغليب الخاص على العام.
الرابعة: سرد قصة ما جرى للعائلة الملكية عن طريق ضابط سابق في القصر لإثارة المشاعر بدلاً من نقل الحدث بشكل موضوعي مع العلم ان الكثير ممن خططوا وشاركوا في الثورة اعربوا عن رفضهم لذلك العمل اللانساني، وعدم تحميل الثورة كهدف وطني وهو الخروج من حلف بغداد والجنيه الاسترليني وانهاء التحكم الاستعماري البريطاني بالعراق..
الخامسة: الاساءة لقادة وطنيين معروفين بوطنيتهم وقادة من اليسار والحزب الشيوعي العراقي..
السادسة: اعتبار الاحتفال بذكرى ثورة 14 تموز استفزازاً واستغلاله لخلق العداء والبغضاء والفتنة..
السابعة: بذل الكاتب جهوداً مضنية في تصوير قصته كميثولوجيا أسبغ عليها طابعاً اسطورياً لكنها موجودة في الوقت الحاضر
ففي المقال الاول (14 تموز ما بين الاحزان والافراح) اعتبر السيد مصطفى ثورة 14 تموز منعطفاً تاريخياً في سلبيته المطلقة ولهذا لم يميز اذا كان ذلك اليوم مشرقاً أو غائماً ، ولهذا اقول له ان ذلك اليوم كان مشرقاً ومشمساً مثل تموز العراق.. والجميع يعرف ذلك وبخاصة من يعرف العراق وكيف يكون تموزه مشرقاً وساطعاً.. اما إذا قصد الكاتب، كان غائماً كدلالة الحزن فارجو العودة للارشيف لرؤية مئات الآلاف من الشعب العراقي وقد خرجت الى الشوارع تحي ذلك اليوم الاغر.
بعد ان ينهي السيد مصطفى ببعض سطور التسلسل التاريخي للدولة العراقي فهو يشير ان سقوط النظام الشمولي في " التاسع من نيسان 2004 " خلف ورائه " مجموعة من التساؤلات المهمة احد هذه التساؤلات والذي نحاول الايجابة عليها في هذا المقال هو هل يفرح العراقييون بذكرى 14 / تموز ام يحزنون "
ويستنج من خلال تساؤله ان الشارع العراقي انقسم الى قسمين.. قسم من هذا الشارع مازال يحتفل بها ويعتبرها عيداً وطنياً.. والقسم الثاني المختلف وبالضد معه بما يمثله سمو الشريف حسين بن علي راعي الحركة الدستورية العراقية.
في البداية وقبل اي شيء اعلن انني شخصياً ضد اي عمل غير قانوني وانساني ولهذا كنت اتمنى ان يأخذ العدل والقانون والرحمة مجراهما فيما يخص اقطاب النظام الملكي
وبخاصة الذين استغلوا سلطتهم بالضد من ارادة الشعب.. كي لا يتهمني السيد مصطفى القرة داغي بأنني مع ما حدث صبيحة الرابع من تموز في قصر الرحاب.
لم ينقسم الشارع العراقي الى قسمين متوازنين واكبر دليل التأييد الشعبي المطلق للثورة ساعة اذاعة البيان الاول وثم تلك الحشود الجماهيرية التي عمت جميع محافظات العراق من المدن وحتى الارياف في الشمال والجنوب وفي الغرب وشرق البلاد.. وهذه دلالة على خطأ التقسيم اما من كان بالضد فهم معروفين وقلة اما فيما يخص سمو الشريف حسين وانصار الملكية في العراق بخصوص ما حدث في قصر الرحاب فهي مسألة طبيعية لأنه من العائلة نفسها ولكن هذا لا يدل على ان اكثرية العراقيين ضد قيام الجمهورية وانهاء الملكية في العراق..
يتطرق السيد مصطفى القرة داغي الى شكل آخر من القضية لكنها في الوقت نفسه تصب في قضية مصير العائلة المالكة فيسرد قصة لضابط اسمه فالح حنظل الذي كان ملازماً في قصر الرحاب (لعلم السيد مصطفى القرة داغي ان قصر الرحاب غير القصر الملكي المعروف بقصر الزهور).
" ان الايجابة عن السؤال الذي طرحناه في الفقرة السابقة من موضوع المقال لابد من النظر الى هذا الموضوع من جميع جوانبه بشكل عقلاني ومنطقي بعيد عن العواطف والانفعالات التي لا تزال تفعل فعلها في البعض" هكذا يسحبنا الى سرد الضابط لكنه منذ البداية لا يبدو على السيد مصطفى انه يريد ان يحلل الموضوعة بشكل حيادي وعقلاني ومنطقي بعيداً عن العواطف والانفعالات، فسرعان ما يكشف انحيازه التام لمجرد قصة قد تكون غير صحيحة امام العديد من القصص وبخاصة ما ذكره النقيب مصطفى عبد الله من السليمانية الذي كان يقود فصيلاً من الجنود عندما اطلق عليه النار في بوابة القصر من قبل احد مرافقي الوصي رحمه الله اثناء تجمع العائلة والكثير من معاصري ما جرى شاهدوا صورته مع الزعيم عبد الكريم رحمه الله وهو مصاب.. لقد ذكر النقيب مصطفى عبد الله " انهم لم يزودوا بتعليمات للتخلص من العائلة المالكة بل اعتقالهم، لكن اثناء النقاش مع الوصي اطلق من خلف العائلة احد الضباط النار فأصبت في كتفي مما حدى بالجنود والضباط اطلاق الرصاص على الجميع بشكل عشوائي وقد نقل على الفور الملك فيصل الثاني رحمه الله بسيارة اسعاف الى مستشفى الرشيد العسكري حسب اوامر الزعيم عبد الكريم قاسم لكن مع شديد الأسف فقد توفى الملك في الطريق الى المستشفى "
قبل ان يحلل السيد مصطفى القرة داغي بموضوعية ومنطقية مثلما اكد اصدر حكمه القطعي واعلن موقفه بدون ان يقدم لنا ادلة ملموسة معتمداً على سرد الضابط " من الناحية الانسانية فان ما حدث صبيحة 14 تموز وبكل المقاييس جريمة ومجزرة بحق أناس ابرياء" وخلال صفحة وربع فولسكاب ظل يكرر قضية القصر ويستشهد على حد قوله بما قالته زوجة عبد السلام عارف "لماذا قتلتم الملك ؟...الخ" ولا أعرف مَنْ كان مع عبد السلام عارف وزوجته اثناء هذا الحديث الخاص بين زوج وزوجته؟ حتى يظن القارئ ان المقال ينحصر بهذه الحادثة دون سواها..
من الناحية الاخرى يحاول السيد مصطفى تشويه الثورة بالاعتماد على سرد من نوع آخر فيقول " اما من ناحية تأثير ما حدث يوم 14 تموز على تطور البلاد وتغيّر وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي فالجميع يعلم ويقر بأن النظام الجمهوري لم يكن يحمل للعراق برنامجاً مستقبلياً محدداً لتطوير اقتصاده وتحديث بنيته التحتية ومعالجة مشاكله الاجتماعية.. فهناك فرق بين ان تقوم بتوزيع الاموال وقطع الاراضي بشكل عشوائي وغير مدروس على الفقراء لأشعارهم بسعادة وقتية وانتشالهم من حالة الفقر والعوز التي يعيشونها كما فعل الزعيم عبد الكريم قاسم وحكومة الانقلاب " الحمد لله ان السيد مصطفى اعترف بعظمة لسانه انه تم توزيع الاراضي (المقصود قانون الاصلاح الزراعي واراضي لسكن المواطنين) وتوزيع الاموال(والمقصود زيادة الرواتب) وكذلك اعترافه بوجود فقراء يجب انتشالهم من حالة الفقر والعوز.. فهو يريد من ثورة 14 تموز ان تملك عصى سحرية تقول للشيء كن فيكن.. وينسى ان 37 عاماً من الحكم الملكي لم يستطع ان يحقق 5% مما طالب به السيد مصطفى القرة داغي لا بل ان احياء سكنية بنيت من جريد النخل والتنك والطين في منطقة وراء السدة والشاكرية وغيرها والتي كان يقطنها مئات الآلاف من العوائل الفقيرة لم تكن تصلح لسكنى البشر ولم يلتفت لها النظام الملكي طوال فترة تواجده،، بينما يتهم ثورة لم يمر عليها سنة إلا وقامت المؤامرات لحرفها عن طريقها التحرري الوطني فلم تستطيع تكملة مسيرتها
وسرعان ما قام التحالف القومي الرجعي الذي جمع ما بين الاحزاب القومية وفي مقدمتها حزب البعث العراقي وبدعم ومساندة الاستعمار الغربي و رجالات العهد الملكي بالسطوا على مقاليد الحكم بانقلاب دموي في 8 شباط 1963 ولم يمر على مسيرة الثورة سوى اربع سنوات ونصف السنة، ذلك الانقلاب الدموي الذي لم يشهد له التاريخ إلا بالتشابه مع احتلال بغداد من قبل هولاكو.
فكيف يريد السيد مصطفى ان يقنع الناس بان ثورة 14 تموز هي التي جلبت المصائب للعراق والعراقيين؟
ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة واستطلعنا بما قامت به الثورة خلال اربع سنوات ونصف من عمرها وقارناها بــ 37 عاماً لوجدنا كم تجنى هذا الرجل على هذه الجمهورية الفتية وكم كان ظالما وغير واقعياً ولا منطقياً في اتهاماته.. فالاربع سنوات ونصف كما هو معروف لا يمكن ان تقوم بكل ما يريده السيد مصطفى القرة داغي أو غيره، ولا يمكن محاسبتها بعد ان تم تجريدها من آلياتها واهدافها بالقوة على ما ارتكب من اخطاء او جرائم مثلما كان الامر لانقلاب 8 / شباط / 1963 وانقلاب 17 / تموز / 1968 لأن هذين الانقلابين قاما اساساً ضد افكار ومنهجية ثورة الرابع من تموز ولحرفها عن مسيرتها الوطنية..
فدعنا نحاول ان نذكر البعض من الانجازات لهذه الثورة لكي نضع ايدينا بشكل منطقي وموضوعي وعقلاني وبدون الانفعالات او العواطف على الحقيقة الموضوعية.
1 - الخروج من حلف بغداد الاستعماري
2- الخروج من الكتلة الاسترلينية بتحرير النقد العراقي من الضغوط الاستعمارية
3- حررت البلاد من قيود الشركات الاجنبية
4 – اصدار قانون (80) والغاء امتيازات شركة النفط التي كانت تتحكم بــ 99% من الاراضي العراقية
5- اغلقت الى الابد قاعدتي الحبانية والشعيبة ورحلت ما تبقى من القوات البريطانية
6– اصدار قانون الاصلاح الزراعي
7 – اصدار قانون الاحوال الشخصية الذي حرر المرأة من الاضطهاد والظلم الذي لحقها طوال سنين عديدة
8 – انجزت وأعدت مشاريع اقتصادية وصناعية كثيرة بهدف الاعمار
9– اطلقت الصحافة ودور النشر والجمعيات والاتحادات الثقافية بعدما كانت مقيدة
في العهد الملكي وتختصر على بعض الاسماء والشخصيات الموالية.
10 – توزيع الاراضي السكنية على الجماهير الشعبية العراقية الفقيرة بعدما كانت تعيش في مجمعات صرائفية بائسة جداً (وراء السدة والشاكرية وغيرها).
11– تشكيل الجمعيات والنقابات والاحزاب وجميعها من مقومات المجتمع المدني.
ويبقى السيد مصطفى القرة داغي مصراً على ان النظام الجمهوري لم يقدم اي شيء حسن للعراقيين وانه لم يمنح العراقيين الحرية ولم يطور " هامش الديمقراطية والحكم الدستوري الذي كان واقعاً ملموساً أبان العهد الملكي " ولا نعرف كيف يفهم الهامش الديمقراطي والحكم الدستوري بينما تكبت الحريات العامة والخاصة وتملئ السجون باصحاب الرأي الآخر.. والا ما معنى قيام العديد من الانتفاضات والوثبات والاضرابات والمظاهرات الجماهيرية التي كانت تجابة بالنار والحديد واطلاق الرصاص على المتظاهرين المسالمين وتفرض الاحكام العرفية ويزج الآلاف في السجون.. ولا نعرف كيف يفسر السيد مصطفى اضرابات السجناء السياسين واطلاق الرصاص عليهم مما ادى الى استشهاد البعض منهم وهم سجناء لا حول لهم ولا قوة.. وكيف يفسر انتفاضات الشعب الكردي ضد الظلم والغاء الحقوق..
ان السيد مصطفى القرة داغي يدرك جيداً الحدود الزمنية الفاصلة بين عهود النظام الجمهوري لكنه يحاول جاهداً عدم التطرق اليها ويجاهد على ان يجعلها فترة زمنية بدون فواصل ومناهج سياسية متناقضة لكي يشوه الواقع ويبتعد عن العقلانية والموضوعية التي طالب فيها وهو يتحدث عن االثورة والنظام الجمهوري بدون التغيرات التي حصلت ومدى تأثير التآمر الداخلي والخارجي عليها والمحاولات العديدة لحرفها وهو ما حصل بعد سنة واحدة من انتصارها ثم تلتها الانقلابات الرجعية الدموية المعروفة.. ولهذا يحاول في موضوعته الى تبسيط فكرة الصراع بين قوى الشر وقوى الخير لانه يرى دون حق ودون وضع الفواصل السياسية وواقعها الزمني، الا انه يقع في الفخ الذي حاول ان يوقع القارئ فيه فيعترف ضمناً بالفواصل " وصل العراق بعد سنوات من قيام النظام الجمهوري الى حالة مزرية جداً " اي انه يعترف بدون تفاصيل ان الالتفاف على الثورة وقيام الجمهورية انتكست بعد سنوات ولا يعترف بمسببات هذه الانتكاسة وهذه الحالة المزرية.
ان اكثرية الباحثين والمتابعين والمعاصرين المحايدين يناقضون هذا الرأي وقد أكدوا ان التآمر الداخلي والخارجي كان المعرقل الاساسي للتطور والتقدم في العراق، وان هذا التآمر على قيم واهداف ثورة 14 تموز من اجل حرفها عن اهدافها التحررية وبناء عراق جديد قد بدأ منذ الشهور الاولى على قيام الجمهورية الفتية حيث استكملت خيوطه في انقلاب 8 شباط الدموي 1963 ، اما قضية العسكريتاريا واجهزة الامن والمخابرات على الرغم من أننا بالضد منها لكنها مخلفات الحكم الملكي التي ظلت معادية لحركة الجماهير ورياح الحرية و الديمقراطية التي هبت على العراق ولهذا كانت احدى الاركان الاساسية التي اعتمد عليه الذين حرفوا مسيرة واهداف الثورة والمتآمرون عليها معاً.. وفي مقدمتهم الاحزاب القومية والفئات التي تضررت بفعل التطورات الجديدة وتحالفاتهم مع الاستعمار الخارجي وبخاصة الامريكي التي بانت بعد ذلك وباعتراف العديد من قادتها وعلى رأسهم المرحوم صالح علي السعدي الامين القطري لحزب البعث العراقي في حينها.. واذ يتحدث السيد مصطفى القرة داغي عن قيادة " البلطجية وقطاع الطرق وارباب السوابق " فعليه ان يكون موضوعياً ويشخص هؤلاء وفي اية فترة كانوا.. اما التعميم فقد يجعله في موقف ضعيف لأننا نستطيع وبالاسماء ان نعدد رجال الثورة العسكريين والسياسيين وعند ذلك سيعرف جيداً إذا لم يكن يعرف وهو اضعف الايمان انهم ليسوا بالبلطجية ولا قطاع الطرق ولا ارباب سوابق.. اما المقصود اولئك الذين جاءوا بعد انقلاب 8 شباط 1963 والانقلاب البعثفاشي المشبوه في 17 / تموز / 1968 فهاذا امر آخر.
كنت اتمنى ان لا يعود السيد مصطفى القرة داغي في كل مرة الى قضية الاحتفال بثورة تموز لريبطها بحادثة العائلة المالكة رحمها الله.. ولا نريد ان نتسابق معه في قضية النساء والاطفال وغيرهم لأن ذلك الشعور الانساني الرفيع لا يمكن التزاود عليه ونحن ضد اي عنف جسدي ونفسي يستعمل ضد الآخرين إذا لم يكونوا هم البادئين به، لكننا نجد ان محاولته العودة لزرع روح البغضاء والعداء والفتنة مرة اخرى محاولة بائسة لا جدوى منها وطريقة قديمة تقوم على المبدأ السيء الصيت " فرق تسد " وهو لا يخدم وضعنا الراهن ولا المستقبل الذي نريده ديمقراطياً فدرالياً مسالماً، لأنه يربط بين احتفال الشعب بالمناسبة وبين مجلس العزاء للعائلة المالكة. ان الجماهير التي احتفلت بالمناسبة تعتبرها عيداً وطنياً وهذه الجماهير ليست تلك الجماهير قبل 46 عام ولهذا يجب ان يمنح الكاتب الآخرين حريتهم ويحترم رأيهم، ومجلس العزاء يخص افراد العائلة وهي مسألة عائلية وعلينا جميعاً احترام رأيهم وحريتهم، اما اتهام " قادة اليسار العراقي بشكل عام والحزب الشيوعي بشكل خاص في الكثير من بلدان المهجر تصر على الاحتفال وبشكل مبالغ فيه بذكرى انقلاب 14 / تموز دون مراعاة لمشاعر دعاة الملكية وعلى رأسهم سمو الشريف" ولو تمعن السيد مصطفى القرة داغي وتابع الاحتفالات لوجدها قد عمت الكثير من المناطق في العراق وليس في الخارج فقط مثلما يقول، وكأن هؤلاء القادة والحزب الشيوعي العراقي لا هََمَ لهم الا اثارة مشاعر دعاة الملكية والبعض من أفراد العائلة الملكية، ولا يفسر القارئ ان اعادة وتكرار تلك المأساة بين مقطع وآخر هدفه الظاهري والباطني اثارة المشاكل القديمة التي عفى عليها الزمن وأصبح التطلع نحو المستقبل أكثر اشراقاً وسلاماً أما قضية عودة الملكية أو بقاء الجمهورية فكلنا متفقون على ان الانتخابات الديمقراطية الحرة القادمة هو الطريق الذي يجب ان يسلكه الجميع ويقبل بنتائجه ويحترم الرأي الآخر فيه.. فإذا كان الشعب العراقي يصوت للجمهورية أو لعودة الملكية والملك فعلينا جمعينا ان نلتزم بالأكثرية من الشعب العراقي لكننا في الوقت نفسه علينا ان نحترم الاقلية ولا نعمل على الغاء الرأي الآخر مثلما كان في العهد الملكي أو ما صار عليه بعدما تم حرف ثورة تموز وعهدي الاخوين عارف وحكمي حزب البعث العراقي..
بقراءة بسيطة نجد ان تحليلات السيد مصطفى القرة داغي غير دقيقة وهو قد حاول التعميم فيما وصفه بتاريخ العراق فخلط بين عهود الاخوين عارف وانقلابي 8 شباط 1963 و 17 / تموز / 1968 وبين قيام الثورة في 14 / تموز واعتبر هذه الفترات وكأنها فترة واحد..
وإذا اعتبرالثورة كرأي شخصي " تغير نظام حكم راقي بنظام همجي " فهذا رأيه الشخصي ولملايين من الشعب العراقي رأيهم ايضاً وليس كما يدعي لقادة اليسار والحزب الشيوعي العراقي.. ومثلما علينا ان نحترم رأيه الشخصي عندما يكتب " لذا حسب رأي الشخصي والمتواضع وفق المعطيات التي ذكرت فأن ذكرى 14 تموز هي ذكرى للحزن وليس للفرح " فعليه ان يحترم رأي الآخرين الذين يعتبرون ثورة الرابع عشر من تموز 1958 عيداً وطنياً يحتفون به ويفرحون له وفي الوقت نفسه ينتقدون الاخطاء والتجاوزات التي حدثت وهي بالتأكيد ليست ضمن اهداف الثورة وانما نتيجة للانفلات بعد سجن طويل استمر 37 عاماً كما حدث بعد سقوط النظام البعثفاشي واحتلال العراق والذي كان سجنا آخراً للشعب العراقي طال مدة 41 عاماً منذ انقلاب شباط الدموي.. اننا في عصر نرفض الوصايات والمفاهيم السطحية والهامشية ونحترم عقول الناس وآرائهم وليس كما يفعل السيد مصطفى القرة داغي الذي يريد كما يبدو على الرغم من ادعاءاته بالديمقراطية ان يصحح بمقالة واحدة وغير دقيقة مفاهيم الناس " كان يجب ان يقال في محاولة لتصحيح بعض المفاهيم السطحية الهامشية التي لا تزال موجودة في عقول الناس " والناس الذين يقصدهم هم أكثرية الشعب العراقي واحزابه الوطنية الشريفة، كي يقفوا معه في الخندق نفسه ويلغوا ثورة 14 / تموز كمشروع احتفال وقيام فاتحة عزاء لذلك اليوم.

يتبع