"في الفترة الأخيرة لجأنا لتقسيط السولار الذي نستخدمه لتشغيل ماكينات الري للأراضي الزراعية، ولا نعرف كيف سنتصرف الآن؟"، هكذا علقت جمالات لطفي، إحدى المزارعات بقرية صغيرة جنوبي الجيزة على قرار السلطات المصرية برفع أسعار منتجات الوقود، والذي دخل حيز التنفيذ الخميس.
تراوحت الزيادة ما بين 10% إلى 15%، بحسب الجريدة الرسمية، وجاء القرار قبل أيام من المراجعة الثالثة المقرر أن يجريها صندوق النقد الدولي، لبرنامج القرض الموسع للبلاد بقيمة ثمانية مليارات دولار.
وحسب ما أعلنته وزارة البترول، فقد ارتفع سعر لتر بنزين 80 من 11 إلى 12.25 جنيه (0.25 دولار)، وسعر بنزين 92 من 12.5 إلى 13.75 جنيه، وبنزين 95 من 13.5 إلى 15 جنيهاً.
أما السولار، وهو أحد أكثر أنواع الوقود استخداماً، فشهد زيادة أكبر إذ تقرر رفعه إلى 11.50 جنيه (0.24 دولار) من عشرة جنيهات.
تشكو جمالات تضاعف أسعار السولار وزيوت تشغيل ماكينات الري والآلات الزراعية المختلفة، على مدار السنوات العشرة الماضية، مما فاق قدرتها على الدفع النقدي.
وكان سعر لتر السولار 110 قروش في بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر نهاية مايو/ أيار 2014، وفي يونيو/ حزيران نفس العام تم إقرار زيادة قدرها 63% في سعر السولار ليرتفع اللتر إلى 180 قرشا، وتوالت الزيادات من وقتها حتى تخطى اللتر، اليوم 11.5 جنيهات.
سوق سوداء للوقود
يتطلب ري الفدان الواحد خلال الموسم ما يتراوح بين 200 إلى 600 لتر من السولار، كوقود لماكينات ضخ المياه حتى تصل للأرض الزراعية في ظل شح المياه في بعض المناطق بحسب جمالات.
وتشير المزارعة المصرية إلى أن هناك سوقا سوداء للسولار تنشط في القرى يحدد أسعارها التجار، ويخضع لها الفلاحون، كلما وُجد شحا للسولار، وذلك في ظل غياب البدائل.
الأسعار الرسمية حبر على ورق
محمد رزق صاحب متجر للفواكه والخضروات بأحد أحياء القاهرة قال لبي بي سي إن: "هذه الزيادات في الوقود بالقطع ستؤدي لزيادات كبيرة في أسعار الخضروات والفواكه فمن المنبع سيضطر الفلاح لزيادة سعر المحصول الزراعي لأن تكلفة الإنتاج زادت عليه، فضلا عن زيادة أسعار النقل وخلافه".
وتابع أنه خلال السنوات الأخيرة "شهدت أسعار الفواكه والخضروات على وجه الخصوص زيادات غير مسبوقة في الأسعار مما جعل حركة الشراء شحيحة، ولا نعلم ماذا سيحدث بعد ذلك".
فيما قالت ولاء عادل، طالبة جامعية، لبي بي سي: "إن سائقي الميكروباص- وهي أحد أكثر وسائل النقل الأكثر استخداما في مصر- قاموا خلال الأيام الماضية بدون مبرر بزيادة سعر تعريفة الركوب عن السعر المقرر من جانب الحكومة، حتى قبل زيادة سعر البنزين الأخيرة، وهذا ضاعف الأعباء على الكثير ممن يضطرون لركوب هذه الوسيلة ولا بديل لديهم للمواصلات".
وتتبع كل زيادة تقرها الدولة في أسعار الوقود، قرارات من جانب المحافظين بتحديد نسبة الزيادة الرسمية في تعريفة ركوب المواصلات الداخلية بكل محافظة أو بين المحافظات وبعضها، ولكن يشكو مواطنون من أن هذه التسعيرات الرسمية لا تعدو مجرد حبر على ورق ولا يلتزم بها أحد خاصة في بداية التطبيق.
ماذا عن الزيادات السابقة؟
فيما يقول محمد فلسطو، سائق تاكسي لبي بي سي: "هذه الزيادات تؤثر على أكل عيشنا، فنحن نضطر لزيادة سعر خدمة الركوب مما يجعل الناس تعزف عن الركوب معنا، وهذا يضر الجميع".
وتعجب فلسطو من تصريحات رئيس الحكومة التي قال فيها إن الدولة ستضطر لتحريك أسعار الوقود خلال العام والنصف المقبلين، وتساءل سائق التاكسي: "وماذا عن كل هذه الزيادات خلال السنوات الماضية؟.. فلم يمر عام إلا وكانت هناك زيادة أو اثنتين".
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي، إن حكومته بصدد رفع أسعار الخدمات البترولية خلال الشهور الثمانية عشرة القادمة وحتى نهاية العام المقبل، مشيرا إلى أن هذا الإجراء سيكون تدريجيا حتى لا يؤثر على معدلات التضخم، أو يشكل مزيدا من الأعباء على المواطنين، على حد وصفه.
زيادات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية
منذ بداية عهد السيسي شهدت أسعار الوقود والمنتجات البترولية تحريكا لأكثر من 21 مرة منها 10 زيادات على السولار والبنزين.
وفي عام 2019 تم إنشاء ما يسمى آلية التسعير التلقائي للوقود التي تتم عبر لجنة من المختصين تجتمع كل 3 أشهر لمراجعة أسعار الوقود عالميا وتقر إما تثبيتا أو زيادة أو تخفيضا في أسعار الوقود بمصر، ولكن هذه اللجنة لم تقر تخفيضا سوى مرتين فقط إبان أزمة وباء كورونا في عامي 2020 و2021 وبقروش قليلة جدا، وثبتت الأسعار مرات قليلة أيضا، وفي معظم الأحيان يتم إقرار زيادات إما في جميع المنتجات البترولية أو بعضها.
تجنب الرئيس الراحل حسني مبارك زيادة أسعار الوقود خلال سنوات حكمه ولكن عام 2008 تم إقرار زيادات في البنزين والسولار تراوحت بين 40 و65 قرشا، ليكون سعر بنزين 92 185 قرشا بدلا من 145 قرشا وبنزين 95 أصبح بسعر 275 قرشا بدلا من 175 قرشا والسولار تم تسعيره بـ 105 قروش بدلا من 70 قرشا، بينما تم تثبيت سعر بنزين 80 الأكثر استخداما في سيارات الأجر والنقل.
فيما لم تشهد أسعار الوقود أية زيادات خلال حكم المجلس العسكري ولا عام حكم الرئيس المنتسب لجماعة الإخوان الراحل محمد مرسي، وكذلك خلال عام الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وتعد الزيادة الحالية في أسعار الوقود هي الثانية خلال عام 2024 حيث كانت مصر قد رفعت أسعار الوقود في مارس/ آذار الماضي بعد نحو أسبوعين من تطبيق تخفيض جديد لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها البلاد.
قرار خطأ في توقيت خطأ
من جانبه قال المحلل الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب لبي بي سي: "إن قرار زيادة الوقود الأخير، هو قرار خطأ في توقيت خطأ، لأن كل المؤشرات توضح أن الوقود ينخفض عالميا، وبالتالي فالحكومة ليس لديها مبررات منطقية ومقبولة لهذه الزيادات".
وتابع " كلمة السر هي صندوق النقد الدولي واشتراطاته"، وحذر عبد المطلب من أن ذلك قد يزيد "فجوة عدم الثقة" بين الحكومة والمواطنين، الذي قد يشعرون أن الحكومة لم تتخذ هذا القرار "لاعتبارات اقتصادية وطنية كما تقول، ولكن لإملاءات خارجية".
وقدّر صندوق النقد في أبريل/ نيسان أن دعم الوقود في مصر يتعين أن ينخفض من 331 مليار جنيه مصري (6.8 مليار دولار) في العام المالي 2023-2024 إلى 245 مليار جنيه (5.1 مليار دولار) في 2024-2025.
ويعزو البعض زيادات أسعار الوقود إلى رغبة مصر في تنفيذ متطلبات صندوق النقد من أجل الحصول على القرض الذي تسعى إليه حيث توصلت القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، في مارس/ آذار الماضي، على رفع قيمة القرض الخاص بها إلى 8 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ضمن حزمة تمويلات من مؤسسات وجهات دولية لمساعدة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجهها وخاصة أزمة نقص العملة الصعبة.
جاء ذلك بعدما اتخذت الحكومة المصرية قرارات تعويم متتالية منذ نهاية 2022، أفقدت العملة المصرية نحو ثلثي قيمتها، فضلا عن قرارات أخرى متعلقة برفع أسعار الوقود وخفض الدعم على سلع تموينية، تنفيذا لاشتراطات الصندوق أيضا.
وكان الصندوق قد أرجأ موعد المراجعة الثالثة لبرنامج القرض الممدد لمصر والتي كانت مقررة في العاشر من الشهر الجاري، إلى 29 من نفس الشهر، وعزا البعض ذلك إلى اعتراض الصندوق على عدم تنفيذ اشتراطاته، لتستبق الحكومة المصرية تلك المراجعة بزيادة أسعار الوقود.
وشدد عبد المطلب على أن قرارات زيادة أسعار الوقود ستؤدي بالقطع إلى زيادات مضاعفة في أسعار السلع والخدمات الأخرى لأن الوقود يدخل في كل شيء تقريبا سواء من إنتاج أو نقل وغيره.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أنه وفق المؤشرات قد تخفض الحكومة قيمة الجنيه أمام الدولار مجددا قريبا، "تنفيذا لشروط الصندوق الذي يرى أن سعر الصرف الحالي ليس عادلا".
الأسعار العالمية السبب!!
من جانبه قال خالد عثمان مساعد وزير البترول والثروة المعدنية المصري إن هناك عدة أسباب دفعت لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، إلى رفع أسعار البنزين والسولار.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن عثمان أن "الأحداث العالمية والتوترات الجيوسياسية مثل أحداث غزة والسودان، وتحريك سعر الصرف، أدى إلى زيادة التكلفة بشكل كبير.
وأوضح أن دعم السولار ارتفع للضعف تقريبا لتصل تكلفته 20 جنيهًا في اللتر، علما بأن الدول المحيطة تبيع السولار بسعر يتخطى 35 جنيهًا، في حين يبلغ سعره بالأسواق العالمية حوالي 34 جنيها، وفقا لما قاله.
وأكد عثمان أن: "الدعم اليومي المقدم للسولار يخسر الدولة 450 مليون جنيه يوميا، ولو أضفنا دعم البنزين ودعم المحروقات التي يتم توريدها للكهرباء يتخطى الدعم مليار جنيه يوميا، وهذا رقم مرعب" حسب تعبيره.
ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول مصري لم تسمه أن الحكومة تسعى لتوفير 36 مليار جنيه من زيادة أسعار الوقود الأخيرة، ولكن مراقبين أكدوا أن الخسائر على قطاعات الإنتاج ستكون أكبر من ذلك بكثير.
الزيادة تأخرت كثيرا
محمد الجبلاوي، عضو لجنة الطاقة بالبرلمان المصري، قال لبي بي سي إن: "لجنة التسعير أقرت زيادات أسعار الوقود بناء على مراجعة ووفقا للزيادات العالمية في أسعار المحروقات، والدولة المصرية لابد أن تسير بالتوازي مع الزيادات العالمية".
وقلل الجبلاوي من تأثير الزيادات الجديدة على الوضع الحالي بالبلاد، وقال "لا ننكر قيام البعض باستغلال هذه الزيادة في مضاعفة أسعار السلع والخدمات كالمواصلات ومنتجات الطعام، وبالتالي مطلوب من الحكومة الرقابة الحازمة لمنع ذلك".
وختم الجبلاوي بالقول إن "هذه الزيادة تأخرت كثيرا نظرا لحالة الاحتقان بالشارع المصري بسبب الزيادات الكبيرة في أسعار السلع والخدمات وتضرر الناس من ذلك، ولكن هذه الزيادة كانت ضرورية".
التعليقات