مع ظهور الفضائيات و إسقاطها للحدود التقليدية للسمعي البصري ، انبرت العديد من القنوات التلفزية الفضائية إلى اختيار أجمل المقدمين والمقدمات مع اختلاف المعايير من قناة إلى أخرى ،فهناك من جعل من المقدم أو المقدمة أداة لإثارة انتباه المشاهدين وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة ممكنة ،وهناك من حول مهنة التقديم التلفزي إلى تنشيط وتهريج يتم فيه إطلاق العنان للغنج الأنثوي والثرثرة الفارغة .

من ليليان اندراوس ، إلى كارولينا دي أوليفييرا ،مرروا برزان المغربي إلى عشرات الأخريات اللواتي يتكلمن لغة الجسد والإثارة بامتياز، علاوة على بعض المقدمين الشباب والذين يتقافزون أمام الكاميرا بقصة شعرهم الشاذة والمدهونة بالزيوت اللامعة وسراويلهم التي توشك أن تسقط عن خصورهم ، أضحى منتوج الفضائيات العربية مرادفا للرداءة ولتعميم الفساد على النمط الغربي مع دخول الفضائيات عصر التنافس على جيب المشاهد العربي من خلال المكالمات الهاتفية والرسائل القصيرة ،.

لقد أجمع شيوخ الإعلام والاتصال أن الشرط الأساس الواجب توفره في المذيع (ة) التلفزي هو الكفاءة المهنية ،وليس لون العينين أوحجم الصدر(مذيعات روتانا) ، فليس العيب أن يكون مقدم الأخبار أوالبرامج غير وسيم جدا (مذيعو قناة الجزيرة مثلا) و لكن العيب في أن يفتقر إلى الكفاءة المهنية ، فالعوامل المساعدة من ماكياج وإضاءة وأزياء وديكور تساعد في تقريب الوجه التلفزي إلى المثل الأعلى للجمال ،وإخفاء كل العيوب الظاهرة ،وأغلب المشاهدين السويين يتغاضون عن جمال الوجه التلفزي وفتنته ، فالجمال في اعتقادهم هو فصاحة اللسان ،والتحرير المحكم للخبر ،والمواضيع المشوقة والمثيرة،فالمذيع (ة) التلفزي في نظرهم جميل بأخلاقه وكفاءته وحسن تعبيره.

وبينما يخضع مقدمو البرامج في الغرب لتكوين علمي رصين يجعل مسألة اختيارهم تخضع للكفاءة المهنية ، فإن الفضائيات العربية تعمل بمبدأ الوساطة والزبونية في الانتقاء ،فأصبحت مقدمة البرامج اليوم لا تسأل عن دبلوماتها وحياتها المهنية ،بل عن تفاصيل جسدها الدقيق ،حيث يصبح جسدها هو جواز مرورها للظهور على التلفزيون.

تعدد الأواني لا يعني تعدد الأطعمة فتدفق البرامج وتناسل الفضائيات ألغى إمكانية المقارنة بينها ، فأغلب البرامج تتطابق شكلا ومضمونا، بل دخلت الفضائيات مرحلة استنساخ المقدمين والمقدمات من خلال تشابههم الكبير في المظهر العام ،قصة الشعر واللباس الفاضح ،ما الذي يمنع كفيفا(ة) من أن يكون مقدما برامج تلفزية ،فقد يسهل الأمر عليه بتلقينه ما حرر عبر ميكروفون دقيق يوضع في أذنه ،ويدلي فيه أيضا بالمعلومات ليعرف متى يتكلم ومتى يصمت ،وكذا مساعدته بتحرير الأسئلة أو الأخبار بطريقة"براي" التي يقرأ بها المكفوفون ، فكل الفارق بينه وبين من يبصر هي نظرة العينين التي ستختفي وراء النظارة.

لا يجادل أحد أن بعض الفضائيات العربية ساهمت في تثوير التغطية الإخبارية في زمن التنافس الذي يعيشه عالمنا المعاصر والذي لن يسمح لأي أمة أن تأخذ لها مكانا متميزا بين الأمم ، ما لم تأخذ بأسباب التقدم ،وإن كانت الفضائيات العربية قد أخذت أسباب العلم والتكنولوجيا نقلا واقتباسا عن الغرب ، فإن الهندسة الاجتماعية والأخلاقية تبقى المهمة التي يجب أن تتحمل الفضائيات أعبائها ، والمسؤولية التي على عاتق الإعلاميين أن يلجوا أبوابها ، وإن كان :

"دخولك من باب الهوى إن دخلته يسير،ولكن الخروج عسير"

لقد صدق الشاعر.

كاتب مغربي مقيم بباريس

[email protected]