الصحافة حرية رأي. هكذا قرأناها خارج العراق حتى في الدول التي لا تختلف أنظمتها الحاكمة عن نظامنا السابق مع الاشارة الى أننا لم نر نظاما مجرما مثل النظام الذي كان يحكمنا. لقد كنا نقرأ في صحافة دولة مجاورة للعراق انتقادات واسعة النطاق ضد وزراء هذه الدولة، بل إن رئيس الوزراء لم يكن يسلم من مثل هذه الانتقادات. ربما تستغل حكومات هذه الدول ذلك الموضوع لتثبت لشعوبها أنها دول تؤمن بالديمقراطية ودليلها هو حرية الصحافة التي تتيح للصحافيين توجيه انتقادات للحكومة. أما نظامنا السابق فلم يتح للصحافة أي نوع من أنواع الحرية فقد كانت صحافتنا بشكل عام خاضعة لسلطة وثقافة النظام ولم يكن بامكان أي كاتب عراقي مهما كان وزنه أو حجمه أن يتجرأ على الخروج من الشرنقة التي وضع قوانينها النظام الحاكم، إذ أن المصير في حالة التجرؤ على الخروج من الشرنقة هو الاعدام لا محال.

هكذا كان حال الصحافة الرياضية أيضا فهي كانت أما مطبلة لابن الرئيس الذي كان مسؤولا عن حقل الرياضة ( الدكتور، المهندس، المخطط، رجل الرياضة الأول، الأستاذ الفاضل، قائد الرياضة، الدعم اللامحدود ) وغيرها من الألقاب والصفات التي لم تكن لها علاقة لا من بعيد ولا من قريب مع ابن الحاكم. قلة قليلة من الصحافيين الرياضيين احترموا أنفسهم ولم يدخلوا الى حفلة التطبيل والردح هذه واكتفوا بكتابة مقالات أبعدتهم عن الجحيم. معظم هذه المقالات لم تكن من النوع الذي يدخل في مجال التطبيل والردح، لكنها لم تكن رافضة أو مخالفة لقوانين الشرنقة، إذ كانت مقالات رياضية صرفة فيها تحليل لمباراة أو بطولة أو اقتراح لهذا الاتحاد أو ذاك باستثناء اتحاد كرة القدم الذي كان يرأسه ابن الحاكم.

لابد لنا هنا من أن نستثني بعض الصحافيين الرياضيين الذين تعرضوا للسجن والتعذيب والاضطهاد من قبل ابن الحاكم بسبب بعض المقالات التي خرجوا فيها عن الخطوط الحمراء أو بسبب بعض العبارات الشجاعة التي وضعها هؤلاء الكتاب بين الأسطر في مقالاتهم منتقدين فيها بعض التصرفات والجرائم التي كان يقترفها ابن الحاكم بحق الرياضة والرياضيين العراقيين. هذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها حينما نتحدث عن تأريخ الصحافة الرياضية العراقية ولابد لنا من تسجيل احترامنا لهؤلاء الصحفايين الشجعان.

في عراقنا الجديد ( غصبا عن المشككين في هذه الحقيقة ) وفي مجالات الصحافة كلها ومنها الصحافة الرياضية نرى اليوم مساحة كبيرة لحرية الرأي تصل بعض الأحيان الى الخروج عن المبادىء الحقيقية لمعاني حرية الرأي أما نتيجة عدم فهم هذه المعاني أو استغلالا للحرية التي أتاحتها الحياة الجديدة، إذ وصل الأمر الى أن البعض يستخدم لغة القذف والتشكيك بوطنية ومواطنة الآخرين.

البعض من الصحفيين الرياضيين، لاسيما منهم الذين كانوا يردحون ويطبلون لابن الحاكم استغل هذه الحرية استغلالا بشعا وأخذ بالعزف على أوتار تريد غالبية أبناء الشعب العراقي قطعها، بل وقذفها خارج أسوار الوطن.

واحد من هؤلاء الصحافيين من الذين كانوا كأي نملة صغيرة في العهد الغابر، إذ أن قلمه لم يتجرأ في يوم من الأيام على كتابة سطر واحد يشير به ولو بشكل غير مباشر الى السياسة الاجرامية التي كان ينتهجها ابن الحاكم ضد الرياضة والرياضيين العراقيين قد استغل الحرية التي أتاحها له العراق الجديد ليرمي بسموم كانت قد غرست في عقله من أيام العهد الغابر وسموم أخرى غرستها عقليته الطائفية التي لا يتوانى عن الاجهار بها بمناسبة ودون مناسبة.

نعتقد أن حرية الرأي لها قوانين وأصول ويجب على الجهات المعنية الوقوف ضد هؤلاء الذين يريدون بنا العودة الى سنوات العهد الغابر، سنوات الظلام والقهر والعبودية من خلال مقالاتهم المليئة بالسموم، تلك المقالات التي لا تخلو من الدعوة الى العنف والقتل.

كاتب عراقي مقيم في استراليا

[email protected]