بعد سنوات من الجدل بين التيارات السياسية ظهرت نتيجة عمل لجنة تعديل قانون الأسرة،التي جاءت كخلاصة عامة تثبت الإرادة السياسية للسلطة في التحكم في هذا الموضوع ورغبتها في مزعه من الساحة و إبعاده عن المزايدات التى تمارسها التيارات السياسية،وبعيدا عن التعديلات الشكلية والموضوعية التى قدمتها اللجنة والتي لن تكون سارية المفعول إلا بعد المعركة البرلمانية التى يتوقع أن تكون باردة،نظرا للظروف التي تمربها البلاد من جهة ومن جهة أخرى للصيغة. التى جاء فيها المشروع التمهيدي فقد لجأت السلطة إلى الاعتماد على سياسة مسك العصي عن طرق الحلول الوسطى،لإرضاء المتصارعين حول هذا الموضوع،فقد لبت قدرا كبيرا من مطالب التيار الاستئصالي التغريبي،دون أن تصل إلى تحقيقها كلها والتي لا تقف إلا عند الإلغاء التام لهذا القانون،فقد استجابت له من خلال تحجيم دور الولي في إبرام عقد الزواج وجعل دوره ينحصر فقط فيالولاية على القصر ممن هم في ولايته،ومنحت الالتزامات المترتبة على هذا النوع من الزواج للقصر،ليكون دور الولي شكلي فقط كما أنها استجابة له من خلال إسقاط عمل المرأة كسبب من أسباب إسقاط حضانة المرأة،كون الدعوة إلى عمل المرأة من أهم مطالب هذا التيار،كما استجابت ووحدته بين الزوجين 19سنة السلطة أيضا لهذه المطالب عندما حددت سن الزواج ب بدعوى المساواة بين الرجل والمرأة،إلا أن هذا السن يفتح الباب إلى التلاعب بمصير من يقدمون على الزواج في هذا السن، خاصة للفتيات اللواتي يكن في تحرر من ولاية الأولياء،دون أن تذهب الاقتراحات إلى معالجة المخاطر المترتبة. على ذلك إضافة إلي تمكين المرأة الراشدة من الولاية المالية والتعاقدية على نفسها،ونفس الأمر ينطبق على تسهيل إجراءات الخلع و تحديد مقداره بمهر المثل، وحرمت الرجل من تأثير موافقته في ذلك،الأمر الذي يجعل من إمكانية تفتت الآسرة وانفصام الرابطة الزوجية متيسر للجميع خاصة عند الفئات الميسورة من المجتمع،كما استجابت لضغوطات هذا التيار من خلال تقييد إجراءات تعدد الزوجات وتعسيرها،إلى درجة يصعب إمكانية قيام التعدد،إلا أن الصيغة التى جاءت بها تعديل هذه المادة تفتح المجال للعديد من التلاعبات الإدارية وانتشار الانحرافات وهو ما يريده هذا التيار،كما ذهبت إلى إدراج قضايا الخلع والطلاق والتطليق في القضاء الاستعجالي،وجعلتها غير قابلة للاستئناف،والاهم من ذلك هو إقدام اللجنة على اقتراح صندوق النفقة،الأمر الذي سيشجع على الإقدام على الطلاق كون الزوج سيكون غير ملزم بتحمل أعباء النفقة لان الدولة ستتكفل بذلك، وحتى إمكانية تحصيل النفقة ممن يمتنعون عن دفعها فقد سلطت اقتراحات اللجنة سوط الدولة على فئة معينة فقط وهي فئة العمال الأجراء الذين ستقطع الدولة من أجورهم دون سواهم،مما يعنى أن الفئات الأخرى كالأغنياء والتجار والميسورين من غير العمال الأجراء سيكونون خارج سيطرة الدولة،وهو اقتراح يميز بين المواطنين ويفرق بينهم بحكم المستوي المعيشي،فمن خلال هذا الاقتراح يكون الطلاق في متناول فئات الأغنياء والميسورين فقط،لان الدولة ستتكفل بتبعات قرار طلاقهم. من جهة أخرى لم تستجب لكل مطالب ونداءات التيار الإسلامي الذي ينادي بالإبقاء على القانون أو الإثراء الشكلي له،إلا أنها منحته بعض مطالبه عندما أكدت إثراء وليس إلغاء القانون من جهة ومن جهة أخرى قلصت من حجم الولي ولم تحذفه،ومنحته الجوانب الأخلاقية عندما أدخلت جانب الإلزام في الرعاية بالوالدين ومعاملتهما بالمعروف،والسعي إلى تقليص حجم ظاهر تشريدهم،زيادة على عدم إقدام اللجنة على اقتراح إلغاء تعدد الزوجات،كما أبقت الاقتراحات ولاية الرجل على الأولاد في حالة الطلاق،بالرغم إشراك المرأة في ممارسة الولاية على. الأطفال بالتساوي مع الرجل ولكن المهم في الموضوع أن التيار الإسلامي قد خسر في هذه التعديلات الكثير من أوراقه،وسحب منه قانون الأسرة كون التعديلات في غالبيتها العظمي سارت باتجاه التيار الاستئصالي خاصة في الآثار المترتبة عن عقد الزواج وبالذات الجوانب المالية،والتصرفات التعاقدية ومنحت للإسلاميين الجوانب الأخلاقية،وهو الأمر الذي يكشف عن حالات التراخي والبرودة التى مارس بها الإسلاميون ضغوطاتهم على السلطة خاصة في السنوات الأخيرة،عندما ابقوا مطالبهم في الدوائر الأخلاقية والمسائل الرمزية،وإهمالهم للقضايا المالية والاجتماعية التى تتعلق بمعيشة المواطن،وليست المرة الأولى التي يسحب منهم مثل هذه الملفات.،فقد سحب منهم من قبل ملف المدرسة والعدالة في انتظار ملفات أخرى وعلى صعيد أخر فقد ألغت السلطة الجانب الأيديولوجي من الموضوع وغلبت كفة ضغوط القانون 52من الاستئصاليين على مطالب الإسلاميين وساوت بينهما في المادة عندما تركت الموضوع غامضا دون الفصل فيه،وزادت من غموضه عندما حصرت أحقية السكن الزوجية في حالة المرأة الحاضن دون سواها،وطالبت الزوج –بدون صفة - إلزامية بتوفير السكن لها كما أبقت هامشا واسعا من المناورة لنفسها لتتحكم في هذا الصراع عن إدخال نفسها النيابة العامة كطرف أساسي في فض النزاعات وتوجيه آثار هذا القانون في الاتجاه الذي تريد لأنها بقيت الحكم النهائي في الموضوع،دون أن تسمح لأحد بالتدخل في هذا الشان،الأمر الذي يؤكد الاتجاه العام الذي تسير فيه السلطة مستقبلا،باحتكار ملفات المجتمع ووضعها تحت تصرفها وإغلاق المجال أمام الفاعلين الاجتماعيين. والسياسيين
كاتب وصحفي الجزائر