الحقيقة أن العراقيين قد وضعوا أنفسهم في حيرة و ضياع بسبب إختلافهم في كلّ شيء، إلاّ في وصفهم التحرير الأمريكي بـ(( الإحتلال ))، و الأمر الآخر الذي يوقع العراق في حلقة مفرغة من العنف اللا متناهي هو تبنّي الكثير من الأحزاب للآيديولوجيا ‘‘ القومية،، التي أثارت و تثير المزيد من الأفكار و العقليات السرطانية العفنة و الوسخة، و عندما نقول هذا عن القومية لا نحصره، كما يفعل بعض القوميين الأكراد، في نقد القومية العروبية فقط، بل التروكية و الكرودية أيضا، إن النظرية القومية الكردية تعيش الآن حالة من فقدان التوازن منذ سقوط نظام البعث و هي، حالها حال العروبة في العراق، تعاني من ضغط الدّم و السـُّكّري و سرطان الرئة، فالعالم لم يعد يستطيع أن يتعايش مع النظريات القومية كونها أصل كلّ شرّ و كراهية، و لا بد للأحزاب الكردية من الإنخراط في النهج الديمقراطي الإنساني، و مهما اعتمد الحزبان على أحزاب مشبوهة و أُخرى متطرفة إرهابية ‘‘ كالإخوان المسلمين ـ يككرتوو،، و ‘‘ الحركة الإسلامية و أذنابها،، فإن النظرية القومية الكردية في طريقها إلى أن تنضمّ إلى متحف الحيوانات المنقرضة، و لو رجعنا إلى القانون المؤقت للدولة العراقية في المرحلة الإنتقالية سنجد مادّة تقول ‘‘ الشعب العربي في العراق هو جُزء لا يتجزأ من الأُمّة العربية،، و رُبـّما يظن البعض أن هذه الفقرة هي نتيجة لجهد المؤمنين بالقومية العروبية، لكنّـني أجزم أن الحزبين ‘‘ خصوصا ح. د. ك،، هما المُطالبان بوضع هذه الفقرة ليمدّوا في عمر آيديولوجيتهم المحتضرة، فلكي تستمر النظرية لا بُدّ من إيجاد ندّ لها، فهو أمر محرج جدّا الآن أن تكون الدولة العراقية الجديدة غير (( قومية )) و في جنّة لا موت فيها لا يوجد عمل قط لخياط الأكفان أو صانع التوابيت، و بالتالي لا بد من مساعدة ‘‘ العروبة،، لتنهض ‘‘ الكرودة،، و ليعود العاطلون إلى العمل في إثارة مخاوف الناس من تلك القومية التي ‘‘ ســـتـــضـطـهـدهـــم،، من جديد، أعتقد أن النقيضين لا يُـمكن أن يتعايشا و لا يـُمكن للضدّين أن يتفاهما، فالأحزاب القومية وسط دولة (( إنسانية )) لا تتحيز لأحد بسبب عرقه أو لونه أو دينه، يشبه زراعة الصُـبّار في السويد ـ طبعا بدون بيوت زجاجية ـ و لا بد لأحد الطرفين أن يستسلم للآخر لتمشي الأمور، و على القومية ‘‘ العروبية،، أيضا أن تفهم أن الولايات المتحدة و معها العالم المتحضّر و أغلبية العراقيين الشرفاء لن يسمحوا لها أن تتسلط من جديد، و صحيح أيضا أن النظريات القومية آخذة في الذوبان، رُبّما يتبقى لفيف شكلي من هذه النظريات ‘‘ مثل الأحزاب الشيوعية في جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق،، أو كبقايا الصعاليك النازيين في ألمانيا الإتحادية، و الأمر لن يحتاج سوى بضع سنوات من تعويد الشعب على المشاركة الديمقراطية و نقد السلطة و تغيير بعض المفاهيم السياسية، هنالك أيضا حقيقة يجب أن لا ننساها، فخلال أواسط القرن الماضي كان الصراع على أشُدّه بين ‘‘ القوميين،، و ‘‘ الإسلاميين،، و بدرجة عالية من الكراهية المتبادلة و حدثت تصفيات و قتل و إبادة خلال هذا الصراع العنيف، لكن الآن و منذ أحداث 11 سبتمبر الدامية البشعة التي أظهرت الوجه القبيح (( للإسلام السنّي )) أو قبلها بسنوات قلائل، حدث نوع من الزواج العـُرفي بين الإسلاميين و الأبطال القوميين لشعور و إدراك الطرفين أن المدّ ‘‘ الديمقراطي اللبرالي،، المُتمثّل في الولايات المتحدة و التحالف، هو تهديد لكلا الطرفين، و كلّ منهما يكره الديمقراطية كما تكره المومس الفضيلة، من هنا نجد هذا التحالف الشرير بين ‘‘ السلفية السنيّة،، و ‘‘ القومية بكل أشكالها ـ العروبة و الكرودة و التروكة،، و لكنني أعتقد أن غاية ما يستطيعه هؤلاء هو تأخير ‘‘ الحرية،، لبعض الوقت، لكن في النهاية ستنتصر الديمقراطية و الإنســانية و سينتصر ‘‘ علي الوردي،، على ‘‘ عفلق،،.

E-Mail: [email protected]