تحرز قوى الإسلام السياسي في الكويت منذ سنوات، وخاصة في أعقاب غزو قوات النظام العراقي للكويت، مواقع مهمة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد وعلى مستويات أو مجالات ثلاثة مهمة، وهي
1 – على الصعيد الاقتصادي والمالي حيث تحتل قوى الإسلام السياسي اليوم موقعاً أساسياً في المجموعة المالية الغنية جداً في الكويت، إذ من هذا الموقع المالي المهم بدأت هذه القوى تمارس دورها وتأثيرها في، وعلى، المجالات الأخرى.
2 – على صعيد الحركة الجماهيرية والمنظمات غير الحكومية والحياة الاجتماعية وهي نتيجة منطقية لضعف فعل وتأثير القوى الأخرى وبسبب موقف الحكومة السلبي من القوى الديمقراطية على مدى سنوات طويلة، إذ فسح ذلك في المجال لقوى الإسلام السياسي أن تقوم بتشكيل منظمات كثيرة وبناء المزيد من الجوامع لممارسة دورها السياسي والاجتماعي والثقافي وزيادة تأثيرها على الحياة السياسية والعامة في الكويت. كما أن نوعاً من التحالف قد نشأ بين هذه القوى والقوى القومية اليمينية على الصعيد الكويتي والعربي الذي سمح لها بمزيد من حرية الحركة على الشباب الكويتي وفي الجامعة والمعاهد المختلفة.
3 – على صعيد مجلس النواب حيث تمكنت هذه المجموعة من تشكيل قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة في البرلمان (لوبي للقوى الدينية خارج البرلمان) قادرة على ممارسة التأثير المباشر وغير المباشر على وجهة ومضمون القرارات والقوانين التي يصدرها البرلمان الكويتي وعلى سياسات الحكومة، وكان أحدها الموقف من مشاركة المرأة في الانتخابات التي رفضها المجلس بسبب موقف قوى الإسلام السياسي، على سبيل المثال لا الحصر. وقد تحققت لهذه المجموعة البرلمانية إمكانية تشكيل لوبي سياسي مهم تجاوز مجال البرلمان ووصل إلى أجهزة ودوائر الدولة وفي صفوف السياسيين والمثقفين وفي الأوساط الجامعية في البلاد.
وعبر هذه المجالات الثلاثة، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى المجال الثقافي، تمكنت هذه القوى على مد جسور لها باتجاهات ثلاثة، وهي:
1.صوب الدول العربية، حيث أقامت علاقات واسعة ومتينة ومتعددة الجوانب مع قوى الإسلام السياسي فيها، بمن فيها القوى المتطرفة تمارس من خلالها التنسيق وتوحيد المواقف والإجراءات والدعم المتبادل.
2.صوب الدول الإسلامية وبنفس الاتجاهات وتقدم الدعم المالي للكثير من تلك المنظمات الإسلامية المتنوعة.
3.صوب الدول الأخرى حيث توجد جاليات إسلامية.
وهي تستفيد من كل ذلك لصالح تعزيز مواقعها في الكويت وضمان التنسيق والتفاعل مع القوى الأخرى. وهي تدعي بأنها قد تبنت اللاعنف في علاقاتها السياسية في الكويت.
تمتلك هذه القوى وزناً ملموساً وتميزاً في الإعلام والصحافة الكويتية، وهي قادرة على زعزعة الشخصيات القومية التي ترفض سياساتها ومواقفها العملية في الحياة العامة. وتمارس ذلك فعلاً، وتمتلك ما يكفي من وسائل لمحاربة الصحفيين الذين يواجهونها ويتصدون لها.
تمارس قوى الإسلام السياسي في الكويت تأثيراً مباشراً على مجرى الحياة السياسية والثقافية والإعلامية في البلاد والتأثير الفعلي غير المباشر على اتجاهات عمل بعض الوزارات، ومنها وزارة الإعلام مثلاً، حيث اضطرار وزير الإعلام على الاستقالة تحت ضغط قوى الإسلام السياسي في البرلمان. وقد كان لإسقاط وزير الإعلام الكويتي دلالته الكبيرة بالنسبة للوضع في الكويت، فهو يؤكد بأن في مقدور هذه القوى التحكم بمضمون القوانين والقرارات التي يمكن أن تصدر عن البرلمان أولاً، وفي فرض وجهة العمل العام الاجتماعي والثقافي في البلاد ثانياً، وهي قادرة أيضاً على فرض استقالة أو بقاء وزير ما في الحكومة ثالثاً، رغم أن وجهتها السياسية والإعلامية مخالفة تماماً لمضمون الدستور الكويتي. ويشكل هذا الاتجاه نذير شؤم للكويت حيث يمكن أن تتحول الحياة السياسية فيها إلى صيغة ثانية مقاربة لما هو قائم في إيران مثلاً، وأن كان من منطلقات المذهب الإسلامي السني السلفي والرديكالي، رغم الإدعاء بالاعتدال.
هناك الكثير من المخاطر الكامنة في الوجهة الراهنة للتطور الجاري في الكويت لا نتيجة تسرب تأثير قوى الإسلام السياسي إلى الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والجامعية والمنظمات غير الحكومية فحسب، بل وفي تأثيرها الواضح والمتزايد في المنطقة، وخاصة في دول الخليج ونشوء عمليات تنسيق مع القوى المماثلة لها في الدول العربية، ومنها العراق.
إن الإمكانيات المالية لقوى الإسلام السياسي في الكويت ووزنها السياسي يسمح لها بالتحرك الحر ودعم نشاطات قوى الإسلام السياسي في الدول الأخرى دون رقيب أو محاسبة. والعراق نعاني اليوم من هذا الواقع الذي سوف لن يقتصر تأثيره السلبي على العراق بل ينتقل إلى الكويت، إذ أن له قواعد مهمة وأساسية فيها يمكنها أن تنطلق في كل لحظة لتغير وجهة تطور الأوضاع في الكويت. وعلينا أن ننتبه إلى العلاقة التي تربط بين النشاط الإسلامي السياسي المعتدل وبين القوى المتطرفة التي تستفيد من عمل قوى الإسلام السياسي التي يطلق عليها بالمعتدلة. وهي تبدو أحياناً وكأنها توزيع أعمال وأدوار. وما العمليات الأخيرة التي وقعت في الكويت سوى التعبير الأولي عن احتمال تصاعد هذا الأسلوب في الفترة القادمة، خاصة وأن جماعة الإرهابي بن لادن لها قواعد مهمة في الكويت وأنجبت بعض قادة هذا التيار الإرهابي.
هناك الكثير من الأحاديث عن أن قوى الإسلام السياسي في الكويت تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر تحرك العناصر الإرهابية صوب العراق. وقد أمكن إلقاء القبض على البعض من هؤلاء الذين وجدوا من يدافع عنهم في بعض القوى القومية الناشطة في مجال حقوق الإنسان.
نأمل أن تتمكن القوى الديمقراطية في الكويت من منع تطور هذا التيار الذي يهدد أي تطور ديمقراطي عقلاني ومدني مستقبلي في الكويت.
برلين في 22/1/2005كاظم حبيب