من المؤكد ان الحرمان السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي او التعليمي او الحرمان من السكن او العمل او الضمانات الصحية والاجتماعية
والائتمانات سببها الاخر.

هذا الاخر يمكن ان يكون السلطة الاسرية او العائلية او القبلية او العشائرية او السلطة السياسية او السلطة الدينية التي يمكن لها ان توقع الحرمان حتى من حق الحياة على شخص او جماعة او مذهب او طائفة او فئة او جهة والامثلة على ذلك كثيرة ويمكن لأي مهتم ان يعود الى كتاب التاريخ المدرسي العادي ليقرأ سيرة المذابح خلال عمليات الاستيلاء على السلطة او انتقال السلطة.

ولكن " الحرمان الحسي " او الحرمان من الاحساس بالآخر مرض يولد مع الشخص ويترعرع ويكبر معه فإذا حصل على سلطة سياسية او مادية فإن هذا المرض الذي هو مرض معد على الارجح ينتقل منه الى الازلام والانصاب والجماعات التي تدور في اطار سلطته او تقع تحت تأثير سلطته وبالتالي يؤدي ذلك الى اقامة حدود داخل الاسرة او المجتمع او الوطن بين جماعات لا تعود تمتلك احساسا" بالاخر وتصير كل جماعة تعتبر بحكم الفعل ورد الفعل انها نفسها سلطة قابضة تمتلك حق النقض او حق اتخاذ قرارات وطنية دون الالتفات على جنابها او خلفها وحتما" امامها لأنها لا تعود تبصر الا حتف انفها.

هذا المرض " الحرمان الحسي " يضرب بعض لبنان، يضرب بعض قيادات شارعه السياسي المقيم والمغترب ويشيع الفوضى والقلق والخوف والاضطراب ويؤدي الى ارباك النظام العام في لبنان.


-2-

وهذا المرض اذا استفحل فإنه يصل الى حدود المؤامرة على الذات الوطنية وعلى الجغرافيا والتاريخ واللغة والارث التاريخي والتراث الانساني وعلى الحاضر وعلى المستقبل.

هذا المرض انتج هذا الاسبوع مفردة " المشروعية " محليا" وانتج تحركا" يصل الى حد الاستهجان خارجيا".

" المشروعية " التي نقصدها هي المصطلح الذي رمى به احد المصابين بمرض " الحرمان الحسي " وقصد به مشروعية المقاومة واسباب وجودها واستمرارها معتبرا" ان المشكلة في اساسها هي في " احتلال " سوريا لمزارع شبعا اللبنانية مما يستدعي اولا" بنظره تحرير المزارع من سوريا ثم بعد ذلك البحث في مسألة " استعادتها " من اسرائيل؟

مشكلة هذا المرض انه في اطواره يجعل المصاب به في حالة من الحمى التي تثير الكوابيس والهواجس في المخيلة الى حد ان تصور للمريض وجود عدو يستهدفه ويستهدف حضوره ودوره ومصالحه وهو بالمقابل يركب رأسه ويصير بفعل هذا العدو الذي يسكنه مصابا" بالهوس ويصبح عدوه على رأس لسانه في اكله وشربه وقيامه وتعوده ويصير يتوهم ان عدوه يسكن في رغيف خبزه وتحت مخدته وفي هاتفه وفي محبرته ويصير يعتقد
ان في مصباحه الكهربائي جهازا" يرسل ( من والى ) ويصير وكأنه ركبه الجان.


-3-

مشكلة احد المصابين اللبنانيين في هذا المرض انه يعتقد ان الامن السوري المشغول اساسا" بالصراع العربي الاسرائيلي وبعدوانية اسرائيل وبمسؤوليات سوريا القومية تجاه ذلك وتجاه الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية وانهائه وكذلك المشغول بإستتباعات حرب السيطرة التي تستهدف الموارد البشرية والطبيعية للمنطقة والتي كان احتلال افغانستان ومن ثم العراق اول بوادرها والامن السوري المشغول ايضا" وايضا" بدعم لبنان لتصفية نتائج الاحتلال الاسرائيلي لمعظم ارضه وما تركه من خلايا تخريب بعد اندحاره – يعتقد هذا المصاب بهذا الداء – ان الامن السوري
يترك تلك المشاغل لينصرف الى انتاج كوابيس هذا المريض بـ" الحرمان الحسي ".

لا ينتبه هذا المريض ان مزارع شبعا اذا كان سورية او لبنانية فهي بالتأكيد ليست اسرائيلية وانها اذا كانت تقع في الجانب السوري او اللبناني من الحدود فإن ملاكيها من اللبنانيين الذين حرموا من غلالها وخيراتها منذ احتلالها وان المطالبة بترسيم الحدود ولبننة هذه المزارع من اجل تشريع المقاومة اللبنانية
لتحريرها هو هلوسة مطلقة تهدف الى ترسيم الحدود بين المسارين اللبناني والسوري وتقع في اطار الخبث الذي تنتجه حمى مرض " الحرمان الحسي " ذاته والذي في لحظة اسرائيلية مماثلة واثناء تقدم المفاوضات على المسار السوري اثار مسألة منطقة الحمى السورية على انها فلسطينية وكادت تحول اهتمام قيادة السلطة الفلسطينية انذاك من على جبهة التناقض الرئيسي التي تمثلها اسرائيل الى اصطناع جبهة تناقض ثانوي مع سورية على سورية او فلسطينية ( الحمى ).


-4-

" الحرمان الحسي " هذا المرض اصاب ايضا" بعض اللبنانيين المغتربين الذين يستثمرون على اسم تيار معين حيث ذكرت صفحة على الانترنت ان المسؤوليين والنافذين في ذلك التيار يعملون دون هواده في العواصم الاوروبية المعنية وفي مراكز القرارات المختصة وعلى اعلى المستويات لاقناع المفوضية الاوروبية والبرلمان الاوروبي والوزراء الاوروبيين بعدم اقرار اتفاقية الشراكة بين سوريا والاتحاد الاوروبي طالما استمر النظام السوري في الابقاء على قواته في لبنـان وفي سياسة تحـدي المجتمـع الدولي والمجتمع الاوروبي عبر مواقفه ( المتعنتة ) من القضية اللبنانية ورفضه تطبيق قرار الامم المتحدة الرقم 1559.

المؤسف ان يبلغ مرض " الحرمان الحسي " مرحلة خطيرة تؤدي بالمريض الى فقدان الذاكرة التاريخية التي تحمل في صفحاتها بصمة احتلال وانتداب للمنطقة ادى الى توقيع اتفاقية سايكس بيكو وتقطيع اوصالها وكذلك الى انتاج مشروع اسرائيل العدواني والاستيطاني.

المؤسف ان يصدق مريض " الحرمان الحسي " ان اوروبا التي لم يتخلص العالم من مستعمراتها ومن احتلالها اللغوي والاقتصادي للعديد من الدول ستحمل الى لبنان الاستقلال عن سوريا!

المريض لا ينتبه الى ان اتفاقية الشراكة الاوروبية مع أي دولة ليست حاجة من جانب واحد بل وهي في الحقيقة حاجة اوروبية مصلحية لا تضحي بها اوروبا لمصلحة احد.

-5-

والمريض في هذه الحالة يقنع نفسه بأنه وحده النافذة الاوروبية المفتوحة على الشرق عبر لبنان لأنه أي المريض محليا" وخارجيا" يتحدث اللغات الاجنبية بطلاقة وهو لا ينتبه الى ان اغلب اللبنانيين الاخرين الذي يرون في سوريا شقيقا" وقت الضيق وانها لها الدور الانقاذي الاساس للبنان يتحدثون اكثر من لغة بما فيها اللغات الميتة التي لم يبق منها سوى اطلال لبعض سكانها الاصليين الذين نجوا من نيران المحتلين الاوروبين لافريقيا.


نجزم ان كل مريض بـ " الحرمان الحسي " يجب ان يوضع في العناية الصحية المركزة وليس العناية السياسية المركزة لأن فلتان مثل هذا المرض في الشارع السياسي اللبناني على المستويين المقيم والمغترب يؤدي اساسا" بالاضرار بمصالح لبنان مع اشقائه ومع العالم ويؤدي نتيجة العدوى والانتقال الى قطاعات الشعب الى انعكاسات طائفية وسياسية وتجعل لبنان اسرائيليات وتبدد ما تبقى من قواه في حرب شوارع سياسية تأكل طاقاته وامكاناته وتعود لتزيل ما اكتسبه لبنان من مناعة بمواجهة اسرائيل وتجعله مفتوحا" من جديد على اطماعها وبالتالي سوف لا يبقى لنا من رصيد سوى المقاومة لأنه في غياب الوحدة بسبب المرض الآنف الذكر لا بد من طليعة تنام وعيونها مفتوحة على جهة الجنوب حيث تنتظر اسرائيل الفرصة للانتقام من لبنان.

بلال شـراره امين عام الشوون الخارجيه في مجلس النواب اللبناني