كنا ذكرنا في مقال سابق تحت عنوان قانون شارون الجديد " الدولة مقابل تفكيك المنظمات ووقف المقاومة والإستسلام " وعرفنا أيضاً أن إنتفاضة الأقصى كانت هي السبب الرئيس لسحب كل من مصر والأردن سفيريهما من إسرائيل الى أن إلتئم مؤتمر شرم الشيخ وبشرط مسبق من إسرائيل هذا على حد قول وزير خارجية دولة عربية وهو لكي تقبل إسرائيل حضور القمة سواء نجح المؤتمر أم فشل لابد من إعادة السفيرين المصري والأردني الى إسرائيل وبالتالي نجد أن من أبسط نتائج الإنتفاضة هي تأخير التطبيع ومن العجيب في أروقة المؤتمرات العربية ونحن على عتبة أبوابها أنه لا أحد يجرؤ على أن يقاوم التطبيع ولكن جميع مؤتمرات القمة ترفض التوطين وهنا نتساءل أليس من السذاجة أن نهرول من أجل التطبيع ونرفض التوطين؟

والسبب بسيط جداً وهو أن التطبيع يخدم مصلحة إسرائيل الإقتصادية والتوطين يحل عقد اللاجئين النفسية والإقتصادية، فمن يقول لا للتوطين لايقدم برنامج بديل لتخفيف المعاناة عن أبناء المخيمات، ولازال أبناء المخيمات يحدوهم أمل العودة منذ العام 1948م. ولكن أصبح لاأمل لهم بالعودة قريباً بعدما إنفرط عقد جامعة الدول العربية الذي كانت تزين به صدرها هذا العقد كان يحتوي على ثلاث حبات من اللؤلؤ عرفت باللاءات الثلاث : لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف وهو ماكان يعرف بنتائج مؤتمرالخرطوم.

أما نتائج مؤتمر الجزائر من المتوقع أن تكون نتائجه نعم ثلاث مرات " نعم للصلح ونعم للتفاوض ونعم للإعتراف " ليتناسب مع زمن الهرولة الجديد أما على الصعيد الفلسطيني فستبقى اللاءات الثلاث من أهم نتائجه " لا للتوطين لا للدعم لا للمقاومة " وتعليل اللاءات الثلاث لا للتوطين لأن التوطين يحل أزمات أبناء المخيمات ولا للدعم لأن كل من يدعم فلسطين هو في محل تهمة دعم الإرهاب ولا للمقاومة لأن خيار السلام هو وقف المقاومة فإسرائيل وأمريكا وكل العالم الغربي والمنطق المقلوب يقول المقاومة والسلام لايجتمعان.

وشارون وبوش وشيراك وزعماء العالم الغربي لازالوا يطالبون بالضمانات الأمنية العربية للدولة الصهيونية حتى إذا ماتحققت فستكون هناك مطالبة بضمانات أمنية إيرانية وإذا ماتحققت فسيطالبون بضمانات من باكستان لأنها دولة إسلامية نووية ولكن ماذا تعني الضمانات الأمنية العربية الإسلامية للدولة الصهيونية في الوقت الذي تتمتع فيه الأخيرة بالتفوق العسكري والدعم المالي والإعلامي والسياسي من الدول الغربية، وبالأسلحة النووية، وبسطوة الحركة الصهيونية العالمية؟ ومن الذي يهدد من: الدول العربية أم الدولة الصهيونية؟ ومن الذي يحتل أرض من؟ ومن يقتل ويشرد شعب من؟!

ومن نتائج جولة بوش الأخيرة الى دول أوروبا هو مساندة ودعم فرنسا لتنفيذ القرار 1559 وهو بداية الإتفاق الأمريكي الأوروبي على مخطط "الشرق الأوسط الجديد" هو مخطط صهيوني - أمريكي قديم، دلّلت على وجوده أكثر من وثيقة، منها الوثيقة التي ترجمها إسرائيل شاحاك، عام 1982 عن العبرية إلى الإنجليزية عن مجلة كيفنيم (اتجاهات)، وهي الناطق الرسمي باسم المنظمة الصهيونية العالمية.

تتحدث هذه الوثيقة عن ضرورة تفتيت الدول العربية الكبيرة مثل مصر وسوريا والعراق و، وعن إقامة الوطن البديل في الأردن، وتقوم فكرة التفتيت في هذه الاستراتيجية على تفجير الصراعات الطائفية والإثنية وغيرها، وعلى تسعير النزاعات الإقليمية وكانت البداية في إحتلال العراق ثم التلويح بالتهديد لسوريا وإيران وإثارة مشكلة الأقباط في مصر بين الحين والآخر وأخيراً إنقسام الشارع اللبناني بعد إغتيال الرئيس الحريري يرحمه الله.

إنها خطط إستراتيجية مرسومة بدقة وجاري تنفيذها خطوة خطوة وتعتمد على نظرية العاملين لفردريك هزربرج وتسمى أيضاً الدوافع والنتائج أي أن العوامل المؤدية للرضا تختلف تماماً عن العوامل المؤدية الى الإستياء فالعوامل الوقائية وظيفتها هي منع عدم الرضا ولكنها لاتؤدي في حد ذاتها الى الرضا واستراتيجية التفتيت التي تنفّذ في الدول العربية مرتبطة بسبب عاملين يتشابكان ويتقاطعان ويعززان بعضهما في الدوافع والنتائج، أولهما يتعلّق بالمصلحة الصهيونية، وثانيهما يتعلق بالعولمة.

أما العامل الأول فينبع من حقيقة موضوعية مفادها أنّ الأمن الحقيقي لدولة إسرائيل لا يمكن أن يتحقق على المدى البعيد طالما لهذه المنطقة هوية عربية - إسلامية، وطالما وجد في هذه المنطقة دول أو أقطار عربية كبيرة نسبيا. فالأمن الحقيقي لدولة إسرائيل يقتضي إذن تغيير هوية المنطقة الحضارية إلى "شرق أوسطية" وتغيير تركيبتها السياسية والاجتماعية، فإذا بقيت هذه الأرض عربية، فلا مكان لأي شيء اسمه "إسرائيل" عليها. أما إذا أصبحت هوية المنطقة "شرق أوسطية"، فيصبح وجه "إسرائيل" طبيعيا فيها.

أن مشروع الدولة الفلسطينية بحد ذاته لا يتناقض مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" إذا تم على قاعدة "اندماج" دولة إسرائيل في المحيط العربي، لا على قاعدة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة والقطاع دون قيد أو شرط، وهو المطلب الأساسي للانتفاضة الثانية. لا بل أن الدولة الفلسطينية ضمن سياق مشروع "الشرق الأوسط الجديد" تصبح المدخل الطبيعي للتغلغل الإسرائيلي في المنطقة العربية.

ويؤكد هذا الأمر أيضاً تصريح السفير الإسرائيلي في الأردن ديفيد دادون، حسب وكالة الصحافة الفرنسية يوم 26 تشرين الأول/أوكتوبر 2001 :" فقط في اليوم الذي تخلق فيه دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة سوف تنفتح عقول وقلوب كل الشعوب العربية لإعطاء المشروعية لحق الشعب اليهودي بدولة خاصة به... وإذا أردنا هذه المشروعية، فإن علينا أن نعترف بأن ذلك يرتبط بخلق دولة فلسطينية".

وأما مايتعلق بإستراتيجيات تعزيز الديموقراطية في الدول العربية فهو من منطلق إستراتيجيات صهيونية لتعزيز حكم الأغلبية وسياسة إسرائيل في الحرب والسلام يجب أن تتوجه نحو التخلص من الفلسطينيين عبر الأردن ونقل الحكم للأغلبية الفلسطينية هناك وتغيير النظام شرق النهر سوف يحل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان غرب النهر، فيكون الأردن لهم، والمناطق غرب النهر لليهود.

وسيكون هناك تعايش وسلام حقيقيين فقط عندما يفهم العرب أنه بدون حكم يهودي بين النهر والبحر، لن يكون لهم أمن ولا وجود، فإذا أرادوا دولة وأمن، فإنّ ذلك سيكون لهم في الأردن فقط". ولهذا نجد أن الأردن سارع بإتفاقيات وادي عربة الذي أسفر عن الإعلان "الإسرائيلي" الرسمي "أن الأردن ليس فلسطين"، أي التعهد بالتخلي عن مشروع إقامة الوطن البديل للفلسطينيين في الأردن وهذا مايعتبره النظام في الأردن أحد أهم المكتسبات السياسية التي حققها من جراء توقيعه على معاهدة وادي عربة.

ولابد أن نعرف أن الدول تلتزم بمصالحها الإستراتيجية، لا بتعهداتها فكيف لا وسجل الدولة الصهيوينة وتاريخها حافل لذا نؤكد على أن الثغرة الأساسية في تصديق هذا التعهد الصهيوني تنبع من تناقضه مع وقائع ما يسمى بعملية التسوية ذاتها، وبالتحديد أكثر الطريقة التي يريد الطرفان الصهيوني والأمريكي أن يحلا فيها مشكلة اللاجئين. ولا بد من الإشارة هنا أن معاهدة وادي عربة تركت قضية اللاجئين دون حل، ورحلتها إلى مفاوضات المتعددة، أي أنها تركت باب توطين اللاجئين في الأردن مفتوحاً على مصراعيه، وبالتالي تركت باب مشروع الوطن البديل مفتوحاً من الناحية الموضوعية، بغض النظر عن أية نوايا أو تعهدات.

والحقيقة هي أن مجرد الاعتراف بحق الدولة اليهودية بالوجود، وهو ماأكد عليه بوش في مؤتمر العقبة وهو على حد تعبير السفير دادون، وبمشروعية الاستيطان الصهيوني في فلسطين، يترك مشكلة اللاجئين بدون حل، خاصة وأن هناك شبه إجماع صهيوني على هذا الموقف والغريب أيضاً وفي نفس الوقت هو إجماع عربي على عدم التوطين باللاءات الثلاث المذكورة أعلاه " لا للتوطين لا للدعم لا للمقاومة"

ومن الخيارات المطروحة لحل مشكلة اللاجئين، يبرز على رأسها مشروع التوطين. لكن التوطين بالنسبة لبلد مثل الأردن يفتح الباب لتسلل مشروع الوطن البديل، مما يفجر النزعات الإقليمية ويهدد أمن واستقرار البلاد والنظام، على حد سواء. ويصر لبنان على رفض التوطين لاعتبارات مماثلة، رغم كونها أقل وطأة في الأردن منها في لبنان، بسبب ارتفاع نسبة الفلسطينيين في الأردن من السكان عن أضعاف مثيلتها في لبنان.

ومشروع التوطين/التطبيع/التفتيت كل متكامل هو فحوى مشروع "الشرق الأوسط الجديد " وهو الشكل الذي سيأخذه بالضرورة مشروع التسوية في ظل موازين القوى الحالية. ونجد أن جميع المؤتمرات التي تبحث في قضايا اللاجئين تنظر إليها من زاوية "البعد الإنساني لقضية اللاجئين"،وليس من زاوية شعب له أرض أحتلتها إسرائيل وشردت أهلها ولذا نجد حضور صهيوني مكثف ومن أهم المشاركون في مثل هذه المؤتمرات وذلك "من أجل إبقاء القضية ضمن إطارها الإنساني فقط".

فهم دائماً يركزون على الوضع الإنساني " للاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن وسوريا "، وعلى استعدادهم للمساهمة في الجهود الرامية إلى تحسين أوضاعهم. فما يعني طرح قضية اللاجئين ضمن إطارها الإنساني فقط إلا فرض المشروع الصهيوني وهو التوطين كبديل عن العودة؟! والعجب كل العجب أن يتفق العرب واليهود على مبدأ عدم التوطين في زمن الهرولة للتطبيع مع إسرائيل ولاسيما أن دعاة التطبيع في الآونة الأخيرة بدأوا في إرسال الدعوات لممثلي إسرائيل لحضور القمم الدولية وكأنما نجاح هذه القمم مرهون بحضور ممثلي إسرائيل وكل مؤتمر لايحضره ممثل عن إسرائيل لاينجح.

والمعيب في الأمر أن إسرائيل هي دائما أول من يكشف مايحدث في الخفاء ويبادر في الإعلان. شارون زار مصر لحضور مؤتمر شرم الشيخ وسوف يزور تونس ولاتمانع دول عربية أخرى بذلك والجميع يتكلم عن الحق الفلسطيني والشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية المحتلة ! فكل من يخطوا خطوة مع إسرائيل فهي من أجل فلسطين فالتطبيع من أجل فلسطين والتوطين من أجل فلسطين وإنسحاب سوريا من لبنان من أجل فلسطين والقرار 1559 من أجل فلسطين والحرب على العراق من أجل فلسطين؟ اليس من العيب أن ترتبط جميع المسائل العربية والدولية بإسم فلسطين وتحت دعوى مساندة الشعب المظلوم؟

حتى صدام عندما إحتل الكويت قال إن الطريق الى القدس يبدأ من الكويت وبن لادن يجاهد في أفغانستان من أجل فلسطين وعبدالله عزام عندما سئل لمذا الجهاد في أفغانستان قال إن الطريق الى القدس يبدأ من أفغانستان والكل يعرف أنه لم يتحقق شيئاً حتى الآن من أجل فلسطين حتى شارون لم ولن يقدم للعرب شيئا لا الان ولا في المستقبل؟ لان شارون لديه مشروع جديد إسمه " التطبيع من أجل التوطين".

والتوطين، مثل التطبيع ومشروع الوطن البديل، جزء متكامل من مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي يستهدف ابتداء إضعاف، ومن ثم تفتيت، الدول العربية الكبيرة ومما تقدم ألا يستحق أن ينال شارون جائزة نوبل من أجل التطبيع؟.

مصطفى الغريب – لندن