محمد كركوتي من لندن: انطلقت في مدينة برمنغهام مؤخراً الشرارة الأولى لإنشاء أول مصرف إسلامي بريطانيا، أطلق عليه اسم «بنك بريطانيا الإسلامي»، وفي مطلع هذا الشهر (سبتمبر) افتتح مركزه في المدينة البريطانية الواقعة إلى شمال البلاد، وافتتح في الوقت نفسه أول فرع له في اليوم نفسه في شارع إدجوار اللندني الذي يعج بالسكان والزائرين العرب على مدار السنة.
«الاقتصاد اليوم» كانت المطبوعة العربية الأولى التي التقت بمايكل هانلون رئيس البنك الجديد، وفتحت معه الكثير من الملفات التي لا تنحصر فقط بمستقبل أداء البنك وخدماته وآفاق توسعاته فحسب، بل تشمل أيضا رؤية السوق المالية في بريطانيا لهذا البنك، وموقف السلطات المختصة منه، خصوصاً وأن يفتح أبوابه في وقت تزداد فيه حدة الرقابة على نشاطات المصارف كلها الإسلامية وغير الإسلامية.
لكن «بنك بريطانيا الإسلامي» كأي بنك في البلاد يخضع للرقابة من هيئة الخدمات المصرفية التي تفرض بدورها رقابة على عمل مختلف المصارف في المملكة المتحدة. الحوار مع هانلون تناول موضوع التنافس في تقديم الخدمات المصرفية وفق الشريعة الإسلامية، كما تضمن دور البنك والمؤسسات المشابهة في المستقبل في عملية تثقيف البريطانيين بالقواعد المالية الإسلامية.
وتحدث هانلون أيضا عن الخدمات التي سيقدمها «بنك بريطانيا الإسلامي» بما في ذلك القروض السكنية وتمويل الطلاب وبالطبع توفير الخدمات الخاصة للنساء المسلمات. ولعل من أهم النقاط الرئيسية التي وردت: أن هانلون شدد على أن البنك لن يكون مقتصراً على زبائن وعملاء من مجموعة دينية أو عرقية معنية، على اعتبار أن فتح أبواب البنك لغير المسلمين سيعرفهم بحقيقة الدين الإسلامي وقوانينه المالية التي يعود تاريخها لأكثر من 1400 سنة، ويمكن أن تكون مناسبة حتى في عالم مالي متغير تحكمه قواعد متغيرة ومتجددة بصورة متسارعة.
وفيما يلي نص الحوار:
* وافقت السلطات المصرفية البريطانية على إنشاء هذا البنك. هل أخضعت هذه السلطات البنك لشروط استثنائية مختلفة عن غيره من البنوك ؟ وكيف تفرض السلطات المالية المختصة الرقابة على عمليات البنك الجديد؟
ـ لا .. ليس هناك شروط استثنائية أو مختلفة عن تلك التي تفرض على بقية البنوك العاملة في بريطانيا، لمجرد أننا بنك إسلامي. ولكن في كل الأحوال نحن ملزمون بالتقيد بالقواعد و واللوائح والقوانين المرعية في البلاد، كما أننا نعمل في بيئة مصرفية خاضعة لرقابة مباشرة من «هيئة الخدمات المصرفية» المعروفة اختصاراً FSA. فهذه الهيئة تقوم بفرض رقابة مباشرة على كل المصارف العاملة في بريطانيا - جون استثناء - ولايمكن أن يتجاوز أي مصرف يريد الاستمرار في عمله في البلاد أيا من قوانينها.
*ما حجم الرقابة التي يفرضها بنك إنجلترا المركزي على البنك الجديد ؟
ـ وفق القواعد التي تحدثنا عنها، فإن «هيئة الخدمات المصرفية» هي التي تفرض الرقابة والمتابعة على كل المصارف. لكن في حالة مصرفنا الإسلامي، فإننا - كما تعلم - نطبق الشرعية الإسلامية في التعاملات المصرفية بصورة كاملة، وهناك لجنة في مصرف بريطانيا الإسلامي تراقب بدورها مدى تطبيقنا لقواعد الشريعة الإسلامية في كل التعاملات، بصورة لا تتعارض بالطبع مع اللوائح المتبعة في المملكة المتحدة.
* لماذا تأخر العمل على إنشاء بنك إسلامي بريطاني كل هذه السنوات برأيكم ؟
ـ نعم .. أنت على حق، لقد تأخر العمل على إنشاء مصرف إسلامي، ويعود هذا التأخير إلى مجموعة من الأسباب، في مقدمتها: غياب المستثمرين الذين يستطيعون أن يقدموا التمويل المالي اللازم، وأن يلتزموا بمواصلة تقديم المساندة، التي يحتاجها أي مصرف قيد الإنشاء، لاسيما إذا كان هذا المصرف من نوع آخر مختلف عن بقية المصارف. وقد شهدت العقود الأربعة الماضية اهتماماً متنامياً بما يمكن أن نطلق عليه «الصناعية المصرفية الإسلامية». ومع ذلك فإن الحركة المصرفية الإسلامية ليست ظاهرة جديدة.
وأن التعامل المالي وفق القواعد الإسلامية لا يعود لسنوات خلت، بل يرجع إلى قرون بعيدة، لأن المبادىء التي يستند إليها هذا النوع من التعامل المالي وضعت - كما هو معروف - منذ عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). إن التغيير الذي يحدث حالياً هو أننا نقوم بتطبيق قواعد وقوانين الشريعة المباركة في عصرنا الحالي، آخذبن بعين الاعتبار المفاهيم والقواعد المصرفية الجديدة، لكننا في الوقت نفسه لا نقبل بأية حلول وسط في التعاطي مع قواعد وأسس الشريعة الإسلامية.
* تعج بريطانيا بالأقساط السكنية من البنوك والمؤسسات المالية المختلفة. وتمثل سوق العقارات في بريطانيا ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني . هل سيمنح البنك قروضاً سكنية طويلة الأمد ؟
ـ لا مانع في تقديم القروض السكنية والخدمات المالية الخاصة بشراء العقارات، وإن بنك بريطانيا الإسلامي، سوف يقدم هذه الخدمات الهامة في غضون ستة أشهر على أبعد تقدير إن شاء الله.
* نحن نعرف أن الفائدة في بريطانيا على القروض السكنية ترتفع وتنخفض شهرياً، وأن البنوك المانحة للقروض تزيد وتخفض الفائدة على القروض السكنية الممنوحة من قبلها. كيف سيتصرف البنك الإسلامي في مسألة ارتفاع وانخفاض أسعار الفائدة ؟
ـ إننا نؤكد هنا وبقوة، بأن كل الخدمات المصرفية التي نقدمها بما في ذلك القروض وغيرها، تتم وفق قواعد وقوانين الشريعة الإسلامية، مع التأكيد ايضا على أن خدماتنا ستكون منافسة للخدمات المصرفية المتوفرة أصلا في بريطانيا. وبما أننا «بنك إسلامي»، فلن يكون هناك نظام الفائدة المعروفة في المصارف الأخرى. إننا سنستخدم معايير مختلفة وواضحة المعالم بشفافية كاملة، وبصورة تسمح لعملائنا والذين يريدون التعامل مع خدماتنا الاعتماد علينا. إن مستوى المكاسب التي نحققها، تأخذ بعين الاعتبار - طبعا - الحالة الاقتصادية للسوق. ونؤكد مرة أخرى على أننا نحافظ على التوازن، بين الأرباح التي نقدمها للمودعين، وبين العمولات التي يتم تحصيلها من العملاء الذين يرغبون في الانضمام إلى خدماتنا المالية والمصرفية بشكل عام. بمعنى آخر، نحن نضع نصب أعيننا الشفافية في إيجاد التوازن المطلوب.
* بدأت بعض البنوك - غير الإسلامية - بتخصيص أقسام للخدمة المصرفية وفق الشريعة الإسلامية. هل تعتقدون أن ذلك سيؤثر سلبا على استقطاب عملاء للبنك الجديد في المستقبل ؟
ـ نستطيع أن ندعي أننا جزء لايتجزأ من فريق صنع التاريخ بتقديمه القروض السكنية وفق الشريعة الإسلامية في الغرب. وأستطيع القول: إن المسلمين الملتزمين بدينهم وعدداً من المجموعات الدينية الأخرى، يفضلون التعامل مع جهة تعمل بالكامل وفق الشريعة الإسلامية ، ولا تدخل في عملياتها أي أنظمة أخرى لا تتفق مع قوانين الشريعة السمحاء . إن هذا لايعني أن الخدمات التي تقدمها بعض البنوك الأخرى - غير الإسلامية - لا تتفق مع قوانين الشريعة. وعلى هذا الأساس فإننا نرحب بالمزيد من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بالدخول إلى السوق البريطانية، لأن ذلك يساعد في تحسين وتنمية ومفهوم الخدمات المالية الإسلامية، التي تساعد بدورها في توفير بدائل وحلول للسوق المصرفية التقليدية في بريطانيا والغرب عموماً.
* هل سيمنح البنك - على سبيل المثال - قروضا لغير المسلمين في بريطانيا وفق الشريعة الإسلامية ؟
ـ لن نحصر خدماتنا في مجموعة عرقية أو دينية ، فكل من يكون مؤهلاً للحصول على هذه الخدمات سيكون محل ترحيب من قبلنا للتعامل معه وتقديم كل ما يحتاجه في مجال الخدمات المصرفية، بدون أي اضطهاد أو نظرة مختلفة أيا كانت الاعتبارات. ودعني اقول لك شيئاً: إن تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية لأشخاص غير مسلمين أو مؤسسات غير إسلامية، سوف يدعم بقوة الصناعة المصرفية الإسلامية بشكل عام ، وسيساند الخدمات التي نقدمها.
* هل تعتقدون أن إنشاء «البنك الإسلامي» سوف يستقطب نسبة كبيرة من المسلمين في بريطانيا ؟
ـ أظهرت دراستنا وأبحاثنا أن المسلمين في بلد كبريطانيا وأوروبا، يعانون من الحرمان في الحصول على الخدمات المصرفية والمالية التي تتفق مع الشريعة الإسلامية، وبالتالي مع ما يؤمنون به وما يفرض عليهم دينهم. فعلى سبيل المثال هنا ما يقرب من 75 بالمائة من المسلمين الملتزمين بالقواعد المالية الإسلامية والراغبين في الحصول على الخدمات المصرفية وفق هذه القواعد. ونحن متفائلون في أن الغالبية العظمى من هؤلاء، سوف يتوجهون إلينا في المستقبل القريب، بالإضافة إلى أفراد من جماعات دينية أخرى تود الحصول على الخدمات التي نقدمها.
* إذا افترضنا أن هناك ما يقرب من 2 مليون مسلم يعيشون في بريطانيا. ما العدد المفترض للمسلمين الذي سيتحولون إلى البنك الإسلامي ؟
ـ أرد عليك بكلمة واحدة فقط هي: غالبيتهم إن شاء الله .
* هل هناك مجال لتقديم القروض للطلاب ؟ وكيف ستتم وفق الشريعة الإسلامية؟
ـ سنوفر الخدمات المالية الإسلامية لكل المؤهلين لها في بريطانيا. وإننا نخطط حالياً لاستحداث قسم خاص للتعاطي مع الطلبة الراغبين في التعامل مع مصرفنا، وسنعلن عن إطلاق هذا القسم الهام عندما يكون جاهزاً بالفعل. إن إحدى أهم أولوياتنا أن نحدد الاحتياجات المالية لكل زبائننا بما في ذلك الطلاب، ونقدم الخدمة المناسبة للشخص المناسب .
* هل سيتم فتح أقسام مخصصة للنساء ؟
ـ نعم سننشىء أقساماً خاصة لمقابلة النساء وتقديم الاستشارات والنصائح المناسبة لهن، في إطار يحترم خصوصيتهن وفق القواعد الإسلامية. كما أن فريق موظفينا وخبرائنا يضم مجموعة من النساء اللواتي سيتعاملن مع العميلات في كل الفروع التابعة لمصرفنا في جميع أنحاء بريطانيا. وقد حرصنا على أن يكون بين كوادرنا متحدثون بلغات متعددة. فعلى سبيل المثال فإن معظم العاملين في فرعنا في شارع «إدجوار» اللندني المعروف باستقطابه للعرب، يتحدثون العربية.
* سيبدأ البنك بفرعين - كما نعلم - الأول في برمنجهام، والثاني في لندن. ماهي الخطة الخاصة بانتشار فروع البنك في جميع أنحاء بريطانيا ؟
ـ لقد وضعنا لفتح 15 فرعاً للمصرف في غضون الـ 15-18 شهراً المقبلة، لاسيما في المدن والمناطق التي تشهد كثافة سكانية إسلامية. وفي مقدمة هذه المدن ليستر وبرادفورد ومانشستر وليدز ونوتنجهام في إنجلترا وكارديف في إقليم ويلز، وغلاسكو في إسكوتلندا. كما أنه ستكون لدينا قنوات أخرى للوصول إلى عملائنا عن طريق البريد التقليدي، والخدمات المصرفية عبر الهاتف، كما أننا نستعد لطرح الخدمة عبر الإنترنت في السنوات القليلة المقبلة.
* هل هناك خطة لتوسيع رقعة البنك خارج الأراضي البريطانية مستقبلا ؟
ـ نعم هناك خطة للوصول إلى بقية دول أوروبا وذلك في غضون عامين أو ثلاثة أعوام من عملنا في المملكة المتحدة.
التعليقات