أحمد عدنان من جدة: يأتي قرار فصل وزارة العمل عن وزارة الشؤون الاجتماعية الصادر مؤخرا في السعودية، معبرا عن اهتمام الحكومة وإحساسها بمشكلة البطالة والرغبة في حلها، وجاء تعيين الإداري المخضرم د غازي القصيبي في كرسي الوزارة الوليدة دلالة على الحرص الرسمي لاستغلال خبرات القصيبي المتراكمة بين أكثر وزارة و عمل حكومي لتقليل نسبة الأخطاء وتكثيف فعالية الحلول و السياسات التي من المفترض أن تحد من تأثير البطالة على المجتمع أو تقضي عليها، لتجيء بعدها تصريحات وزير العمل التي عبر فيها عن سياساته و قراراته المستقبلية لتثير الحراك بين الوزارة و بين رجال الأعمال، الذين تراوحت مواقفهم بين الشد والجذب حول تصريحات الوزير.

البدء من ثقافة المجتمع

بدأ وزير العمل سلسلة تصريحاته بإعلان الأسس التي ستتخذها وزارة العمل للقضاء على البطالة، نلخصها في الآتي : "اتخاذ قرارات حاسمة قد تكون مؤلمة لكنها ستحل المشكلة بشكل جذري، الحد من استقدام العمالة الوافدة و مضاعفة فرق التفتيش و المراقبة ، نجاح السعودة مرتبط بنجاح التدريب و التخلص من أسطورة أن السعودي لا يقبل الأعمال اليدوية، على المواطن أن يتزود بالمهارات التي تكفل له فرص العمل، القضاء على الظواهر المخلة في سوق العمل، التأكيد على انضباطية العامل السعودي و أرباب العمل السعوديين، ، التركيز على القطاع الخاص من أجل خلق فرص وظيفية توفير البيئة الملائمة له كي يستقطب العامل السعودي المنتج" الوطن 19/4/2004م.

يوافق جمال الزامل، رجل أعمال من المنطقة الشرقية، على الأسس التي أعلنها الوزير ويثني عليها، ثم يضيف : "إن وزارة العمل بحاجة إلى الاستفادة من تجارب التنمية في الدول الأخرى خاصة عمان للتعامل مع مشكلة البطالة، و في تصوري أن بداية الحل لهذه المشكلة العميقة يبدأ ترسيخ قيمة العمل و أهمية إتقانه في ثقافة المجتمع السعودي عبر التربية في المدرسة و المنزل و وسائل الإعلام، بحيث يجب على المواطن السعودي بدلا من أن ينتظر الفرص الجاهزة، أن يتعلم ويعتاد على تسويق نفسه و البحث عن فرص عمله، و من ثم التعامل معها بشكل جيد ليستطيع الاستفادة منها و تطوير نفسه فيما بعد، و أن يصبح أداءه هو المعيار الوحيد الذي يحدد أهميته في بيئة العمل، فرب العمل في السعودية ليس عدوا للموظف أو العامل السعودي، إنما هو صديق للموظف المنتج و المنضبط والمتطور" .

الإساءة لرجال الأعمال

بعدها أعلن وزير العمل رفضه صراحة لـ "ابتزاز" بعض رجال الأعمال الذين هددوا بنقل أعمالهم إلى دول مجاورة إذا استمرت الوزارة في التضييق عليهم في نسب "السعودة" بقوله: "من أراد أن يبقى من رجال الأعمال فهو في عيوننا، و من أحب أن يرحل فستصحبه تمنياتنا له بالسعادة" (الحياة 29/4/2004م) .
واتفق جميل فارسي، شيخ جواهرجية جدة مع تصريح القصيبي حين قال : "إذا كانت الحكومة عادلة مع رجل الأعمال، فلا يجوز لرجل الأعمال أن يبترها" .

و لكن للزامل رؤية مختلفة، فهو لا يرى المسألة مندرجة تحت باب الابتزاز كما يتصور معالي الوزير، فالأرقام خير برهان على أن القطاع الخاص هو الذي أصبح يحتضن الشباب السعودي، بعدما أغلق القطاع العام أبوابه في وجوههم، و يتصور أن تصريحا مثل الذي أدلى به القصيبي قد يفسر يؤدي إلى تأليب للمجتمع على رجال الأعمال: " إن توفير بيئة منفرة لرجال الأعمال السعوديين في بلادهم، يعني التأثير سلبا على عدد ليس بالقليل من الصناعات الخفيفة، لانعدام توفر الكفاءات السعودية فيها، و في حال اندثرت هذه الصناعات يعني تحويل السعودية إلى مجرد سوق مستهلكة، مما يعني رفع نسبة البطالة فيها، و هذا ما لا يرغب فيه أحد".
ثم يضيف القصيبي في ذات اليوم : "70% من 600 ألف تأشيرة تصدر للمتاجرة ، و البقية هي التي تمثل حاجة السوق الفعلية" ، ليرد عليه الفارسي: "إن من يستطيع الحصول على التأشيرة لا يذهب و يشتريها، كما أن حرصه على الحصول عليها لا يعني التوفير بقدر حاجته الماسة لها، و لكنني اتفق معك بأن هناك فئة من المتاجرين يتعرف عليهم بكميات تأشيراتهم التجارية كـ 10000 تأشيرة فأكثر،لا من القضاء عليها" .

البطالة و الحلم المستحيل

ثم يختتم وزير العمل تصريحاته المثيرة بـ "امنحوني بضعة أعوام و سأجعل قضية البطالة جزءا من التاريخ" (المدينة 29/4/2004م).

يؤكد دعبدالعزيز الدخيل، رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل، أن البطالة لا يمكن أن تكون شيئا من التاريخ، لأنها جزء من اقتصاد السوق، لكن المهم في الأمر أن تكون هذه البطالة في أقل حدودها ، وأن يكون مسيطرا عليها بحيث لا تصبح مؤثرة على الوضع الاجتماعي و السياسي، فيما يتعلق بالسعودية هناك إحساس عام بأن هناك بطالة ذات مستوى كبير، وإن لم تكن كبيرة جدا في الوقت الراهن، فإنها ستكون كذلك في المستقبل بما يؤثر سلبا على المجتمع ككل، و هو يعتقد أن الدكتور القصيبي قادر على تقليل نسبة البطالة إلى حدودها الدنيا المقبولة إذا عالج القضية بمفهوم و آلية تعطي أهمية كبيرة للآثار الاقتصادية ذات العلاقة المباشرة بالإنتاجية في سياساته وقراراته الإدارية .

والجدير بالذكر أن بقية المشاركين انقسموا بين الدعاء للقصيبي بالتوفيق لتحقيق أمنيته المذكورة، وبين تخوفهم من تعجله في هذا الإعلان، خاصة و أن حل مشكلة مجتمع كالبطالة ليس مرتبطا بوزارة واحدة.