الفصل الثانى من مذكرات محمد عبد الواحد

الجمعة (16/1/2004):

عاد «الوزير» من رحلته ـ رافقته فيها ـ إلي الدوحة، وبعد ساعتين من وصولنا إلي «القاهرة» اتصل بي، وقال إن الزميل «حلمي النمنم ـ مجلة المصور» اتصل به فور عودته من المطار إلي البيت، وأبلغه بأمر أزعجه كثيراً.
السبب أن الدكتور يحيي الجمل أشار إلي ثمة علاقة كانت تربط بين «المخابرات» و«فاروق حسني» خلال عمل الأول مستشاراً ثقافياً في باريس، في الفترة التي تواجد فيها الثاني ملحقاً بالمكتب الثقافي المصري في العاصمة الفرنسية، وجاءت تلك الإشارة في أحد فصول الجزء الثاني من مذكرات السيرة الذاتية للجمل «قصة حياة عادية ـ حركة الثقافة والمجتمع»، وكانت المذكرات صدرت في سلسلة «كتاب الهلال» ورغم مرور شهر علي صدورها إلا أن أحداً لم يلتفت إليها قبل اتصال «النمنم» ومن بعدها تناولتها بعض المواقع علي «الإنترنت».
صباح اليوم التالي «السبت» تلقيت اتصالات من الوزير وطلب أن أذهب مباشرة إليه في بيته وليس إلي المكتب، كانت الشمس يسقط وهجها فوق عيناه رأيتهما ـ وهو مشهد نادر ـ من دون نظارتيهما، بدا عليه أثر أرق، في حالات كهذه يحزنني تكدره، كثيراً ما تهاجمه هذه الحالات، لكنه يتغاضي ولا يظهر، وكنت قد عدت إلي المذكرات، قرأت الفقرات التي قصدته مشيرة إليه بأول حرفين من اسمه «ف. ح» كنت مقدراً تأثره، فالتلميحات ـ في هذا الحال ـ تشبه القتل الخسيس، بعد دقائق بدأ يتكلم مؤكداً أن «الجمل» يغالط، اتفقنا علي سرعة التحرك باتجاه رد.. ما، في البداية اقترحنا تجاهل الأمر، فتوزيع هذه المذكرات محدود جدا، بدليل أن أحدا لم يلتفت لها سوي بعد مضي شهور علي صدورها، ومن انتبه كاتب متخصص، يعنيه الأمر، إضافة لكونه نائب رئيس تحرير «المصور» التي تصدر عن دار الهلال.
امتدت جلستنا في حديقة البيت وفي داخله «6 ساعات» كاملة اتفقنا علي كتابة رد إلي الكاتب الصحفي «مكرم محمد أحمد» رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور، وأعدنا صياغة الرد المكتوب 3 مرات، إلي أن استقرينا علي صيغته النهائية، وبعد كتابة الرد بدأ أكثر إرهاقا دعاني لتناول طعام «الغداء» فاعتذرت، فهو يتناوله مبكراً بالنسبة لي، أجري عدة اتصالات يستطلع كيفية معالجة الأمر، خاصة وأن القضية لها علاقة بأجهزة حساسة في الدولة، وعدنا إلي فكرة تجاهل الرد، وأجريت اتصالات «بحلمي النمنم» ـ وهو مخلص في محبته لفاروق حسني ـ وأطلعته علي فكرة تجاهل الموضوع، وخلال نقاشنا انتبهنا إلي إمكانية التقاط بعض الصحف ـ وهي كثيرة ـ للخيط الذي بدأ من مذكرات «الجمل» وساعتها لن يكفي رداً واحداً، إذن خيار الرد أفضل من موقع الدفاع، واقترحت علي «حلمي» إجراء حوار مع «الوزير» وراقت الفكرة للاثنين، وبمضي الساعات توصلت إلي أن يكون الرد أكثر وقعا، واقترحت أن يكون الوزير هو ضيف «حوار الأسبوع» وهو باب مهم تنشره «المصور» من خلال ندوة موسعة يحضرها رئيس تحريرها وعدد من أبرز مساعديه، كان التوقيت مهما ـ ربما أكثر من شكل الرد ـ اليوم «السبت» و«المصور» تصل المطبعة صباح الثلاثاء أو مسائه علي أقصي تقدير، وبخاصة صفحاتها الداخلية وتكون هناك إمكانية محدودة لإضافة أخبار طارئة صباح «الأربعاء» أو في مسائه إن اقترب الخبر من حجم الكارثة أو «الخبطة» الصحفية المدوية.
اتصلت «بالنمنم» فوافق علي الاقتراح، لكن الموافقة المهمة عند «مكرم محمد أحمد» طلب «حلمي» أن نتصل بالأستاذ «مكرم» عقب اتصاله هو به، وهو ما حصل وكانت مكالمة ودية بين «الوزير» و«مكرم» أوضح له فيها الأخير أنه متهم بإجلاء حقيقة ما ألمحته إليه مذكرات «الجمل» وبخاصة أنها صدرت عن «دار الهلال» وغضب مكرم ـ حسب الوزير وطبقاً لما لمسته منه بنفسي فيما بعد ـ حين تلقي ـ سريعاً ـ تفسيرا من «الوزير» يتبين من عدم صحة الوقائع التي سردها «الجمل».
وبصورة استثنائية وافق «مكرم» علي إقامة «الندوة/ الحوار» بعد غد ـ الاثنين ـ علي أن يعدها «النمنم» للنشر في الليلة نفسها، وبدا «الوزير» أكثر ارتياحاً، فقد أجري اتصالات أخري مع قيادات سياسية أكدت مساندتها له، حيث أن ما كان يقوم به في باريس ـ علي عكس ما أراده «الجمل» من تلميحاته ـ كان مهمة وطنية، تمت بطلب من جهات سيادية وطنية، وأن الحقيقة قصد «الجمل» أن يرويها منقوصة ليبدو ـ بنقصانها ـ «فاروق حسني» ليتجسس علي الطلبة المصريين في باريس عندما كان يعمل هناك(!)
ولعل صدق «فاروق حسني» وسلامة موقفه، وجدية المساندة له، كان لها دورها الفعال علي «الجمل» الذي بدا متراجعاً في ارتباك محرج ونحن في مكتب «مكرم» قبل «الحوار» وهي صورة مغايرة تماما لصورة الواثق «المستخف» التي كان يكتب بها في مذكراته.
وأنقل هنا الفقرات «المقصودة» ـ التي قال فيها بعد ـ أنه لم يقصدها:
ومنذ بدأ الحوار ـ المسجل ـ معه لم يتوقف عن الاعتذار والاشادة بأفضل وزير ثقافة عرفته مصر.. و«سومر ست موم العرب».. ويقصد «فاروق حسني.. «ف. ع» ـ سابقا(!!)

***

وكان الجزء الثاني من مذكرات الدكتور يحيي الجمل، والمعنونة «قصة حياة عادية - حركة الثفافة والمجتمع» قد تناول في أحد فصوله رحلته إلي باريس التي عمل بها مستشارا ثقافيا، يحكي الجمل عن بعض الأشخاص الذين عملوا معه في تلك الفترة ومن بينهم: «ف. ح» أحد الملحقين بالمكتب وكان شابا فنانا أعير للمكتب من وزارة الثقافة.
لم يكن الأمر في حاجة لذكاء ما لأن يعرف الجميع أن «ف. ح» هو فاروق حسني ليس فقط لأن تلك هي الحروف الأولي لاسمه إنما أيضا لأنه عمل بالمكتب الثقافي المصري بباريس في تلك الفترة، والإشارات التي يبدو أن المؤلف قد كتبها كرموز من السهل فك شفرتها، إضافة لهذا فقد ادعي البعض أن صاحب المذكرات قد أكد في جلسات خاصة صحة هذه الاستنتجات وحكي وقائع أكثر مما ورد بكتابه.
وربما لم تكن هذه القصة لتثير الاهتمام لو أن ساردها كان شخصا أقل وزنا وقيمة من يحيي الجمل، فالرجل صاحب تاريخ من الصعب بعده التشكيك فيما يقوله فهو الفقيه القانوني البارز، ووزير الدولة السابق في عهد الرئيس السادات، ويعتبره الكثيرون واحد من الأصوات القليلة الآن في مصر التي يمكن الوثوق في شهادتها.
إضافة لهذا فمذكراته قد صدرت عن واحدة من كبريات دار النشر في العالم العربي وهي دار الهلال.
وقد فضلت ولحساسية ما أثير أن أنقل النص الكامل لما ورد في مذكرات الجمل.
ملحوظة: ضمير الغائب يشير للمؤلف.
وفي يوم من الأيام طلب «ف» الذي كان ملحقا بالمكتب معارا من وزارة الثقافة مقابلته علي انفراد لحديث هام فرحب به علي الفور.. فقد كان «ف» شابا لطيفا خدوما إلي جوار أنه كان فنانا فيه رقة الفنان، ولم يكن صاحبنا يعتبر نفسه بعيدا عن الفن.
وكان يعرف أن «ف» علي صلة وثيقة بالمرحوم سعد وهبة، وكان هو يعرف سعد وهبة ويقرأ له ويقدره، وكان يعرف أيضا أنه وثيق العلاقة بالمرحوم أحمد كامل الذي كان محافظا للإسكندرية وكان هذا الشاب الفنان يعمل في أحد قصور الثقافة وقد أصبح أحمد كامل بعد ذلك مديرا للمخابرات العامة، ثم أطيح به بعد ذلك فيمن أطيح بهم في انقلاب 15 مايو 1971.
وبدأ «ف» الحديث بطريقته الخاصة وصاحبنا ينصت إليه كل الإنصات بغير مقاطعة خاصة بعد أن تبين من بداية الحديث مدي أهميته.
قال إنه يود إنه يصارحني بأن له مهمة خاصة أكثر من كونه ملحقا معارا من وزارة الثقافة، وأنه حضر دورة في المخابرات العامة قبل مجيئه إلي باريس وأن أحد مهامه أن يرصد تحركات الطلبة وأن يكتب تقارير لمصر.
أنصت صاحبنا لهذه المفاجأة بقدر غير قليل من الاهتمام ولم يشأ أن يرد مباشرة ولكنه بعد أن فرغ «ف» من حديثه الخطير قال له صاحبنا: لعلك تدرك دقة الأوضاع بين الطلبة في باريس، والأمور هنا ليست هي الأمور في القاهرة، والطلبة هنا يعيشون في قلق شديد، كل يوم يسمعون تصريحات عن عام الحسم ثم عن عام الضباب ثم عن امتلاك أمريكا 99% من حلول مشاكل الشرق الأوسط ثم يسمعون عن طرد الخبراء السوفييت ويسمعون عن الصلف والغرور الإسرائيلي ويدركون أن أرض سيناء ماتزال تحت الاحتلال.
قلت له أنت تعرف أن الطلبة يعيشون ذلك كله ويشعرون به ويتنفسونه كل صباح ومساء، وأن طلابا هذا حالهم لابد وأن يكون التعامل معهم بتفهم شديد وبصدر واسع وأعصاب هادئة.
وأبدي «ف» موافقته علي هذا التشخيص لأحوال الطلاب في باريس.
ثم قلت له برقة وحسم أرجو أن تعرف أنني عندما اخترت لأكون مستشارا ثقافيا في باريس فإن هذا يعني بالنسبة لمهمتي في مواجهة الطلبة هنا أنني وزير التعليم العالي ووزير الداخلية ومدير المخابرات وأنني المسئول الوحيد عنهم في فرنسا.
وساد صمت ثقيل.
وأدرك «ف» أنه لم يحقق بغيته التي كان هدفها إشعاري بأهميته بل وجعلي أخاف منه أو أحسب له حسابا أكثر من حسابه.
ومن يدري لعلني أكون قد أخطأت في فهم مقصده وأنه لم يكن يقصد من وراء حديثه إلا الخير كل الخير، من يدري.
وأنهيت الحديث ببعض العبارات التي خففت من ثقل المفاجأة وأنهيت إليه بعض التكليفات الثقافية وتمنيت له التوفيق في إنجاز ما عهدت به إليه من مهام.
ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أنني في الحقيقة لم تكن عندي الوسيلة لأعرف هل استمر أم لم يستمر، وهل أخذ تحذيري له مأخذ الجد أم لم يأخذه استنادا إلي الأجهزة التي كان يتعامل معها.
وحرصت بعد ذلك علي أن تكون العلاقة عادية وطبيعية.. وكان حريصا بدوره علي إظهار المودة، وكان لديه من الرقة والنعومة ما يمكنه من ذلك وما أظن أني كنت أقل منه رقة ومقدرة علي التعامل مع مثل هذه الأوضاع.
هذا ما ورد في مذكرات يحيي الجمل، وقد كان كافيا ليفتح بوابة من الحكايات بدأت بالتساؤل عن علاقة فاروق حسني بجهاز المخابرات، ولم تنته للقول بأن تلك العلاقة كانت الجسر الذي عبر عليه إلي الوزارة، وهي أيضا العلاقة التي حفظته داخلها طوال 16 عاما رغم عشرات العواصف التي تعرض لها والتي كانت كافية لاقتلاع عدة وزراء حسب تفسير كثير من المفسرين المتخصصيين في انتظار أي هفوة له.

***

.. منذ لحظة دخول الدكتور «يحيي الجمل» إلي مكتب «مكرم محمد أحمد»، بدا معتذرا، ومتراجعا أمام «فاروق حسني»، وإن لم ينطق بكلمة، لكن لسان حاله قال: «معقول أقصد أتهم رجل شريف..، أما أثناء الحوار، فقال أكثر من ذلك، وتعجبت من سرعة قلبه لما قال إنها «حقائق» في مذكراته، ورجعت إلي صورة «فاروق حسني»، متوترا، غاضبا، طوال 6 ساعات قضيناها ونحن نفكر في وسائل الرد علي «الجمل»، الذي لم يبدو - أبدا - غاضبا من تراجعه، وكتبت «المصور» في عددها الصادر في (30/1/2004): ولم يكن ممكنا أن يدور حوار مع وزير الثقافة فاروق حسني ونتجاهل كتاب د. يحيي الجمل «قصة حياة عادية» والذي صدر يوم 5 يناير من دار الهلال، ويضم سيرة حياة د. الجمل، وقد تحدث في عدة صفحات منه عن فاروق حسني وقت أن كان ملحقا ثقافيا بباريس وكان د. الجمل مستشارا ثقافيا في باريس أيضا، وأشار د. الجمل إلي صلة فاروق حسني آنذاك بجهاز الأمن القومي، صحيح أن د. الجمل تحدث عن الوزير برمز «ف. ح» ولكن كل الصفات تشير إلي الوزير، وكانت المفاجأة حينما طلبنا من الوزير أن نحدثه في هذا الأمر، أنه قال «لو لم تطلبوا كنت سأبادر أنا بالكتابة إليكم حول هذا الموضوع وبجرأة عرف بها فاروق حسني جلس يحكي إلينا القصة كاملة.
وكان لابد أن نطلب من د. يحيي الجمل أن يشترك في هذا الجزء من الحوار لنسمع شهادته عن فاروق حسني وعن تلك الفترة التي عملا فيها معا، وقال لنا إنه يعتبر دور فاروق حسني بالنسبة لمصر وحرب أكتوبر مساويا لدور سومرست موم في انجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية.
lt; المصور: أردنا أن تكون هذه الجلسة للتذكر حول تلك الفترة خاصة أنكما عملتما معا ونريد أن نعرف حدود العمل مع الأجهزة الأمنية وتحديد متي يكون هذا العمل في خدمة الوطن ومتي يكون في إطار لا نرضاه لك د. يحيي أو للوزير أو أي إنسان.. أيكما يبدأ الكلام.
lt;lt; الوزير: طبعا الأكبر أولا.
lt;lt; د. الجمل: أنا أنطوي علي تقدير كبير وإعزاز للزميل الفنان فاروق حسني، وهذا التقدير ليس مجاملة مني لأن فاروق حسني في الفترة الأخيرة استطاع أن يحدث حركة ثقافية ضخمة في مصر لا يشبهها إلا الحركة التي قادها ثروت عكاشة في البداية وأتذكر أنه بعدما رجع فاروق حسني من أوروبا اتصلت به وطلبت منه أن ينزل عندي في منزلي حتي يدبر أموره فقال لي إن لديه بيتا في المعادي.
هذا الشعور لا يصاحبه أي رغبة في الإساءة، أيضا بعدما حدث أول هجوم علي فاروق حسني في بداية دخوله الوزارة، حيث هاجمه عدد من الكتاب مثل عبدالرحمن الشرقاوي، أنا كلمته وعرضت عليه أن أدعو من هاجموه وأدعوه إلي منزلي ليتحدث معهم لأنهم أصدقائي.
ومسألة الإساءة لم تكن في ذهني مطلقا، وإنما أقول وأكرر أن فاروق حسني كفنان إنسان لديه كل مشاعر الخير والود ولم أشعر منه بأي إساءة وفاروق سبقني إلي باريس بعدة أشهر وكان يتبع وزارة الثقافة وأنا كنت أتبع للتعليم العالي «الجامعة»، وأنا كنت سعيدا به وكان أقرب الناس لقلبي.
وبالنسبة للكتاب فهو عبارة عن فصول نشرت مجزأة في مجلة «الشباب» والمقال الذي ورد به هذا الموضوع نشر في عدد سبتمبر 2001 ولو أن هناك أي، ملحوظة علي هذا الكلام أو أن به شبهة إساءة إلي الوزير كنت سمعتها من عامين، ولكن لم يحدث وانتهي الموضوع، وبعدها جمعت أعداد الشباب وأرسلتها إلي كتاب الهلال لتنشر بدون أن أقرأ أو أن أراجع ما كتبت، وذلك نظرا لكبر سني وما يصاحبه من حالة النسيان.
الموضوع في الأصل يرجع إلي بداية السبعينيات في مرحلة الشباب بالنسبة لي ولفاروق، وبعد مرور هذه السنوات الطويلة أنا دفعت هذه المذكرات بدون أن أتلقي عليها ملاحظات وأرسلتها ونشرت وأنا أتحمل مسئولية كل كلمة فيها وأنا أكرر أنني لم ولن أقصد الإساءة إلي الوزير فاروق حسني مطلقا بل أكن له كل تقدير واحترام عندما عملنا معا، والآن أكثر لأنه يتولي موقعا يستطيع أن يقدم الخدمة للوطن، ودائما يقدم لي فاروق حسني كل الدعم والتقدير بداية من منحي تذاكر للأوبرا عند طلبي ذلك إلي مناداتي بكلمة «أستاذي» في كل مناسبة وأمام الجميع.
lt;المصور: إذا كان لي من شهادة أقولها فإن د. الجمل قال لي حين اتصلت به أنه يعتبر فاروق حسني في مكانة شقيقه الأصغر وأنه يعتز به كثير وأنه يقدر الدور الذي قام به ويعتبره دورا وطنيا وأنه يعتبر الدور الذي قام به فاروق حسني في باريس في بداية السبعينيات يشبه الدور الذي قام به الكاتب الإنجليزي «سومر ست موم» لانجلترا في الحرب العالمية.. ما الذي قام به «موم» بالضبط وما وجه الشبه بينه وبين فاروق حسني؟
lt;lt;د. الجمل: «سومرست موم» كان من أعظم الكتاب الإنجليز في القرن العشرين ويعتبر أيضا فنانا وفاروق حسني فنان ومن أكبر الفنانين في مصر وقيمة كبيرة في الفن العربي.
وأيضا فإن «موم» في فترة الحرب العالمية الثانية كان يعمل مع جهاز الأمن القومي في انجلترا وكانت له آراء تخدم المجهود الحربي والقضية ليست أن يعمل إنسان مع المخابرات - قد يستطيع أي شخص العمل بالمخابرات المهم هل هو بهذا العمل يخدم أو يضر كما حدث عندنا في فترة من الفترات ورفضنا بل احتقرنا جميعا هذا الوضع وأنا كنت مستشارا ثقافيا في باريس فإذا طلب مني أن أتبين الطلبة المنحرفين هناك وأشير إليهم - هل هذا يعتبر أنني أسيء إليهم؟!.
والحقيقة أن لدنيا فهما غريبا للأمور، بوش الأب كان مدير المخابرات الأمريكية، وأنا أعرف ثلاثة من مديري المخابرات وأصدقاء لي، المرحوم كمال حسن علي والسيد أمين هويدي ونورالدين عفيفي.
lt;المصور: بغض النظر عن فاروق حسني فالموضوع عميق ومعقد، ونريد أن نفهم متي يمكن أن يكون العمل مع هذه الأجهزة مشروعا أو أن يكون «سبة» في حق من يعمل مع تلك الأجهزة؟ وأين تضع دور فاروق حسني بالضبط في هذا العمل؟
lt;lt;هذه الأجهة مهمتها الأساسية حماية أمن الدولة من الخارج، وأنا أتصور أن كل مواطن تري فيه الأجهزة الصلاحية لخدمة أمن الدولة من الخارج وتكلفه بشيء ويتنحي عنه يكون مقصرا، ولكن هذه المهمة يمكن أن تنطوي علي خطر وتصبح «سبة» للشخص في حالتين فقط وهما أن أضلل هذه الأجهزة أو أسيئ إلي بعض الناس عمدا ولا أراعي ضميري.
ولما حدث وأخبرني فاروق حسني بالتكليف بالنسبة له وهذا كرم كبير منه، فلم يكن مطالبا بذلك وقد أكون نسيت إطار التكليف كما أخبرني به لتباعد السنوات، أذكر أنني قلت له إننا في باريس في وضع حساس والطلبة في باريس منفتحون علي العالم بخلاف الطلبة في مصر، كان هناك محمود أباظة وممدوح البلتاجي وكانت هناك طلبة تمثل كافة التيارات منها الماركسي واليساري والناصري والإخواني.
وطلبت منه أن ينتبه لأن الأولاد في حالة من القلق.. وسأقص حكاية لا أعرف هل فاروق سيتذكرها أم لا عندما حضر مراد غالب إلي باريس وطلب أن نجمع الطلبة في منزل السفير، في البداية هاجم مراد غالب الطلبة لكنه حدثهم بصراحة ووضوح وأفهمهم أنه سيحدث شيء حقيقي، وتفهم الطلاب الأمر وفاروق كان في المركز الثقافي وحول المركز إلي خلية نحل ولم يكن نشاط المركز في باريس فقط إنم كان يذهب إلي الأقاليم في فرنسا ويقوم بعمل ثقافي ممتاز وكانت له علاقات جيدة مع الفرنسيين.
lt;المصور: أي أن فاروق حسني في هذه الفترة كان ملحقا ثقافيا كفئا يقوم بأداء واجبه والاتصال بالطلبة والجهات الفرنسية المسئولة عنه في إطار عمله؟.
lt;lt;الوزير: لم أكن أتصل بالجمعيات المعنية بالطلبة، ولم يكن وقتها لي أي اتصال بالجهات المعنية بالطلاب المصريين في باريس، ذلك أنني كنت ملحقا ثقافيا، وكان عملي متصلا بالجوانب الثقافية فقط وليس بالطلاب والجوانب التعليمية.
lt;المصور: هل للفنان فاروق حسني ملاحظات علي شهادة الدكتور يحيي؟
lt;lt;الوزير: لا توجد لدي ملاحظات وكلام الدكتور يحيي كلام جميل وعبر عن فترة رائعة، ولكن لدي ملاحظات أن الفترة كانت حساسة جدا والذي طلبني للتعاون مع المخابرات هو الأستاذ أحمد كامل فقد كان يعرفني من أيام أن كان محافظا للإسكندرية ثم انتقل رئيسا لجهاز المخابرات العامة، ولم أعرف ماذا توسم في شخصي وبعدها أحمد كامل دخل السجن مع مجموعة 15 مايو 1971 وكل حاجة «اتفركشت» وابتعدت عن المخابرات، وبعد فترة وأثناء حرب الاستنزاف وكانت المسألة خطيرة وكانت باريس بالذات مسرحا كبيرا للمخابرات الإسرائيلية وهناك مجموعة كبيرة من رجال المخابرات عملوا بشكل جيد في أمور عديدة ولكن أهم هذه الأمور هو موضوع الصواريخ، ووجدت أحدهم يتصل بي للسفر إلي باريس ومع أنني فنان لا أعرف أن أعمل في الخفاء لكنني قبلت لأنه واجب وطني وكان ذلك في فترة محددة من 1972 إلي 1973 حتي انتهت الحرب بالانتصار وبعدها انتهت علاقتي بالجهاز تماما وإلي اليوم.
وبالنسبة للطلبة المبعوثين لا أعتقد أن جهاز المخابرات يهتم بهم ولكن قد تكون أجهزة أخري، وكان الطلاب يتمتعون بحرية كاملة في فرنسا يقولون ما يريدون وهي مسألة مسموح بها وحدث أيام مظاهرات 18، 19 يناير 1977 أن الطلاب دخلوا السفارة واحتلوها وكان هناك لقاء كبير مع الدكتور عاطف صدقي المستشار الثقافي في باريس وكانت فترة خطيرة جدا، وكان المركز الثقافي ملتقي لمجموعات ليس لها هوية وبجوارنا المطعم الإسلامي ويتحركون ويتعاملون مع أناس لا نعرفهم وكانت المسألة خطيرة جدا وكان المكان مسرحا خطيرا للمخابرات الإسرائيلية وأنا كنت جزءا من عمل متكامل وكان من ضمن المسائل حماية هؤلاء الطلبة من أن يجندوا لصالح الموساد أو يخترقهم هذا الجهاز بأي طريقة، أما متابعة آرائهم ومواقفهم من الحكومة هنا وكتابة التقارير لم تكن دوري الموكل إليّ والجهاز موجود والوثائق موجودة هناك ودوري كان محددا وأنا أفتخر به ومع ذلك لا أحب أن أذكره لأنه دور وطني قمت به في صمت من أجل الوطن، والحقيقة أنه إذا احتاج الوطن مهمة فإننا نقوم بها حتي لو لم تكن لنا صلة بجهاز الأمن القومي مثل موضوع «أكيلي لاورو» أنا اشتركت فيه عن طريق المفاجأة وبدون ترتيب أو انتظار ولا تكليف من أحد.
lt;المصور: ما حقيقة الدور الذي لعبته في عملية «اكيلي لاورو»؟
lt;lt;الوزير: كان الفلسطيني أبوالعباس ومعه فلسطينيان آخران وكانا داخل طائرة مصر للطيران المتجهة إلي تونس وخرجت عليها طائرات أمريكية من قاعدة بجنوب إيطاليا وطلبوا منها تحويل الطريق وإطفاء الأنوار وهددوا قائدها بنسف الطائرة إذا لم ينفذ الأوامر، وتم إنزال الطائرة في مطار «سيفونيلا» بإيطاليا وحاصر الطائرة جنود إيطاليون وأيضا أمريكيون وتمت بينهم مباحثات وتم نقل الطائرة المصرية إلي روما، وهناك كانت توجد مجموعة من الكوماندوز والمخابرات المصرية وأيضا الثلاثة الفلسطينيون بمن فيهم «أبوالعباس».
واتبعت المخابرات نظام التمويه بأنها أعلنت أنهم سيتوجهون إلي الأكاديمية المصرية في روما وأنا كنت مدير الأكاديمية وعضوا دبلوماسيا ولكن الأكاديمية ليس لها أعضاء دبلوماسيون وطلبت من مسئولة بالسفارة المصرية تجهيز 17 غرفة ولكن أنا لا أعرف من هم القادمون ووصل الأكاديمية 14 شخصا فقط وحضر لي النائب العام الإيطالي وكان يريد إحراج مصر وإدانتها بأي طريقة وطلب مني استجواب غير المصريين من الذين جاءوا الأكاديمية فأجبته أن الموجودين كلهم مصريون بدون أن أعرف ما هو الموضوع فأحسست أنني وقعت في خطأ دون أن أدري لذا طلبت السفير المصري لأعرض عليه الأمر وأطلب منه المشورة وحكيت له ما حدث فحمد الله أنني قلت للنائب العام أن كل الموجودين مصريون، وطلب مني أن أماطل النائب العام في تسليم الجوازات أثناء تنزيل الركاب وصعودهم تركت الثلاثة الفلسطينيين داخل الطائرة وأغلقت الطائرة من مطار روما إلي مطار خارج حدود إيطاليا.
وهم يعتقدون أن الثلاثة الفلسطينيين موجودون بالأكاديمية، ولذا تركوا الطائرة ترحل، وبعد أن كانت الطائرة المصرية في أمان سلمت الجوازات إلي النائب العام الإيطالي، فلم يجد فيها شيئا وهذه العملية قمت بها تلقائيا دون تكليف ودون أن يكون لي صلة بالمخابرات العامة، فقط لأنني مصري.. وهناك أبطال حقيقيون لعبوا دورا مهما في هذه العملية يفوق بمراحل ما قمت به، من بينهم وزير الطيران الحالي أحمد شفيق.

الفصل الأول:صديقي فاروق حسني