من الدمام: صدر عن دار العلوم اللبنانية كتاب "المجدد الشيرازي الثاني تحول في التاريخ الإسلامي" في مجلدين كبيرين للباحث محمد سعيد المخزومي. والكتاب الذي جاء في اكثر من ألف و أربعمائة صفحة بجزئيه، يعد من أهم الكتب الصادرة حديثا عن حياة وفكر الإمام والمرجع الديني الشيعي محمد المهدي الشيرازي الذي توفي في إيران قبل سنتين.

وسيثير الكتاب الكثير من الأخذ والرد حيال الأفكار والمواضيع التي بحثها الكتاب، ربما و لاول مرة عن حياة وأفكار الشيرازي. فهناك تجديد ينظر إليه البعض بعين الريبة وعدم الفهم، وهناك مظلومية في حياة السيد الشيرازي حاول الباحث إبرازها، وكانت من المسكوت عنه في حياة السيد الشيرازي التي قضى شطرا منها في إيران عقب قيام الجمهورية الإسلامية.

ويرجع الكاتب تلك المظلومية لظاهرة الحسد التي يتعرض لها عادة الموهوبين والمجددين والعلماء من أمثال الشيخ البهائي والمفيد والحلي وهم من أعلام المراجع الشيعية في العصور المتقدمة. ويؤكد الباحث ان اسبب وراء الحسد الذي تعرض له الشيرازي هو نبوغه المبكر، حيث ان السيد الشيرازي وصل إلى مرتبة الاجتهاد وهو لم يكمل العشرين من العمر بعد، وتولى المرجعية عقب وفاة والده وعمره ثلاثة وثلاثين سنة بينما عدد كبير من العلماء ينتظرون سلم المرجعية الطويل لتقلد منصبها.

ويستند الباحث المخزومي في دراسته لشخصية السيد الشيرازي إلى ان الحياة المتردية تحتاج إلى تجديد ولا يتحقق ذلك إلا بحضور المجدد في الحياة، ولا يكون الرجل مجددا ما لم يجدد عقله ونفسه وفكره وبالتالي فهمه وإدراكه لحقائق الحياة كما هي. وبهذا المفهوم يرى الباحث ان الأمام الشيرازي عقل الحياة بعقلية المجددين. إلا ان تجديد السيد الشيرازي هو في السبل التي يمكن بها فهم الدين بما يشبع حاجات العصر، وليس التجديد في الدين نفسه كما يحلو ان يسميه البعض، ذلك لان الدين كامل.

ويمكن لنا ان نفهم التجديد الذي عناه الباحث محمد سعيد المخزومي عند السيد الشيرازي، والذي على ساسه لقب بالمجدد الثاني، من خلال منحيين : الأول التجديد في شرح الكتب المنهجية التي أسستها مدرسة الشيخ البهبهاني وذلك بعد انتصارها على المدرسة الإخبارية. و إطلاق قدرة العقل في فهم مضامينها. أما المنحى الثاني فيتمحور في تأسيس مناهجا فقهية وأصولية جديدة تمتاز بعمق في العبارة وقوة في السبك مع نوع من الاختصار عما أسسه تلامذة الوحيد البهبهاني.


ولا بد من الإشارة إلى ان التجديد في المدرسة الشيرازية، عملية دؤبة ، مستمرة لا تتوقف، ولذلك تجد كلمة المجدد والتجديد من اكثر الكلمات عذوبة واستخداما في هذه المدرسة، حتى ان البعض فهم منها إنها غاية في حد ذاتها. إلا ان الحق يجب ان يقال ان الإمام الشيرازي جاء إلى الدنيا ثم خرج منها ليقول كلمته التجديدية وفكره التجديدي، الذي لم يفهمه الغالب الأعظم من الناس. وهذه أيضا سمة من سمات العظماء الذين يأتون في عصر غير عصرهم ، ويدخلون إلى مدينة غريبة عنهم ويتكلمون بلغة لا يفهمونها.