في سليمانية العراق

اثير محمد شهاب خاص بـ"إيلاف" من بغداد: كارثة كبرى تخرج عن كل اخلاقيات الشعب العراقي بكل طوائفه العرقية والاثنية، كارثة تحمل اساها من شمال العراق الى جنوبه، ليلة بلون الحروب.
حينا غادر وفد مهرجان الجواهري - الدورة الثانية - نحو السليمانية فوجىء بعدم ترحيب وعدم استقبال. وقد افضى الامر بالوفد المكون من كبار شعراء العراق امثال الشاعر الفريد سمعان والشاعر كاظم الحجاج والقاص حنون مجيد والدكتورة خيال الجواهري والاستاذ صباح المندلاوي، والدكتور قيس كاظم الجنابي، الى المبيت في طرقات الاحياء الشعبية وبين المتنزهات العامة من دون ان يكون هنالك طرف مفاوض من قبل وزارة الثقافة في ابداء الرأي حول عدم تلبيتهم للوعود التي قدموها...

تنصل..... خيانة...سوء كرم....

يجب فهم اسباب عدم العودة سريعا الى بغداد الى جملة من العوامل الامنية في المسير ليلا باتجاه بغداد فضلا عن صعوبة الحصول على فندق يستوعب الوفد البالغ مائة شخص تقريبا ويبيتهم في موسم الاصطياف، مما اضطر الوفد الى المبيت في الجوامع والحدائق وارصفة الشوارع بانتظار بزوغ شمس كردستان الرافضة لهذا الموقف غير المبرر، جعبة من الحزن والمرارة لهذا المواقف اللانساني قبل ان يكون ثقافيا … صورة مشوهة لمشهد ثقافي اعزل لا يحمل بين افاقه الاخلاق العراقية … لذلك طالب الوفد بنقل تمثال الجواهري الموجود في متنزه سرجنار الى بغداد، لكي نعيد اليه كرامته التي تمددت على الارصفة وهي تواسي الادباء وتربت على اكتافهم المتعبة.
مثقفون وشعراء ينامون على طرقات مشحونة بالتوتر والترقب، ولقد صرخت - انا - اثير محمد شهاب بالوفد ان استعيدوا اليوم ليل بغداد المسروق....
نهضنا مع الصباح الى وزارة الثقافة فلم نجد من يدلنا على من يصحح الاشياء او يبلسم الجروح، والكارثة التي تثبت قصدية الامر وسوء النية هي اغلاق اغلب المسؤولين خطوط هواتفهم النقالة … وبعد الاخذ والرد والانتظار السقيم قررنا التوجه الى تمثال الجواهري في سرجنار لنعاتبه ونشكي له ونشاطره المرارة مرددين معه :
"باق واعمار الطغاة قصار"


ولقد اسفنا كل الاسف على عدم تقدير وزير الثقافة في السليمانية الاعتذار الى الوفد، فلم يكلف نفسه الحضور لمقابلتهم ولا حتى من السؤولين الادنى منه في الوزارة او الاتحاد. انتهت الاحداث وابتدأ حدث جديد ونحن على متن الحافلة باتجاه بغداد، حيث ا استطلعت عددا من الاراء حول هذا التنصل عن شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهلاي ومهرجانه، علما ان الاتفاقات على اختتامه مسبقة بشكل مضبوط لايقبل الشك ( مائة شخصية ثقافية، معرض تشكيلي، معرض كتاب، جريده مهرجان الجواهري ) لاسيما ان اختتام الدورة الاولى ومن وزير الثقافة فتاح زاخوي نفسه …

سألنا الاستاذ الشاعر الفريد سمعان الذي حظي بمنصب الامين العام للاتحاد ة العام للادباء والكتاب في العراق في الانتخابات الاخيرة
عن ردة فعله وتصوره لسبب عدم تقدير وزير الثقافة الاعتذار، فاجاب :
- الخلل الذي اصابنا بسبب عدم التأكيد من قبل لجنة المهرجان على ضبط الموعد لاعتقادهم ان الامور تسير بشكل صحيح مثلما سارت في الدورة السابقة، وبحسن نية وبكل طيبة بذلت اللجنة المنظمة للمهرجان جهدا كبيرا من اجل انجاح المهرجان في السليمانية مثلما نجح في بغداد....
انا مع مشاعركم وتذمركم ومع كل الطيبة التي تمتلكونها من اجل ان تفرحوا بمهرجان الجواهري، لكن فوجئنا بهذا الموقف ونتأمل في المستقبل ان نضبط امورنا بشكل لا يتكرر معه مثل هذا الموقف، انا متألم معكم ومثلكم، وكنت افرح ان يختتم هذا المهرجان - هنا- في السليمانية ونتأمل ان تمدد جسور التواصل عبر اكثر من فعالية، وانا اعتذر عن الموقف اولا واحيي صبركم واشكركم.
* ألا تعتقد ان الموقف هذا يتعلق بما حصل في الانخابات، لاسيما عدم تمثيلهم بوصفهم مؤيدي الطالباني من قبل اصحابهم ؟
- لا.. لا، انا اتصلت برئيس اتحاد السليمانية د. عز الدين والوزير، وقد قالا بعد ضبط الموعد وانا لا اسمح للشكوك بان تكون هي الموجه لتفسير ماحدث.
* ولكن تم الاتفاق على ايفاد اكثر من تسعين مثقفا لحضور فعاليات الاختتام واصدار جريدة المهرجان، فضلا عن معرض للفنون التشكيلية واخر للكتاب، وهذه الامور تعد رأس مال الاتفاق، فما هو رأيكم في ذلك ؟
- لا اقدر ان اقول لهم لفماذا لم تفعلوا هذا الشيء، لااريد ان اتهم احدا، بيد اني ارى ان ثمة تقصير لابد من ادراكه، وعلى العموم كنا نفكر ان نقيم علاقة قوية مع اتحاد ادباء كردستان فنحن نعمل في وطن واحد.
ولقد اضاف القاص حنون مجيد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد كلمة حول هذا الموقف :
- يمكن ان يحدث مثل هذا الموقف، لان الذين وفدوا الى كردستان نخبة من الادباء العراقيين الذين يمثلون الاتحاد العام للادباء في العراق كافة، وهم في مجيئهم الى كردستان من اجل التواصل مع اخوانهم الادباء الاكراد لاحياء مهرجان الجواهري.
* ولكن كان لابد على الاقل لوزير الثقافة ان يقدم اعتذارا ؟
- انا لم اتكلم ولم اتصل بالوزير، فالذي تكلم معهم الامين العام الفريد سمعان......
واضاف الناقد ناظم عودة صورة اخرى تتعلق بمسألة ادارية تحكم طبيعة العلاقة الاتصالية بين الاتحاد والوزارة تتجسد بالحصول على كتاب رسمي من اجل ضبط الاشياء بشكل صحيح، وكان من اللياقة للوزير ان يقدم للوفد اعتذاره للوفد، وانا اتساءل : لو كان الوفد سياسيا هل كان سيعامل المعاملة نفسها؟!
يجب ان تمتلك الثقافة العراقية قوة ذاتية خاصة بها ومؤثرة حتى على القرارات السياسية، ويجب ان يمتلك الاتحاد امكانية مستقلة وقرارات خاصة به، وعلى الرغم من عدم اطلاعي على حيثيات الموضوع ( اذا كان هنالك اتفاق ) فان التقصير يقع في الاخير على عاتق وزارة الثقافة في كردستان.
وقدم القاص جهاد مجيد رؤية حول ماحصل على النحو الاتي :
- التعامل سيء، فقد نام الادباء في ( مسطر عمالة ) وكانت ليلة صعبة لاتليق باديب واحد فكيف بمائة اديب، وبينهم من كبار الادباء وقسما من عوائلهم، وفي اليوم الثاني وجدنا تعليلا غير مقنع من قبل الوزارة بان لم يتم اتفاق بين اللجنة والوزارة - ولو كان الامر كذلك لكان حريا بالسيد الوزير ان يستقبل الوفد ويعتذر لهم عن الليلة التي باتوا فيها على الارصفة بعد رحلة شاقة من بغداد الى السليمانية، غير ان السيد الوزير لم يكلف نفسه حتى ولو بالسلام او يسمعهم كلمة طيبة يطيب خواطرهم من العناء الذي تجشموه، اذ كان من امانيهم ان يعقد المهرجان جلسة اختتامه في السليمانية، لان الجواهري الكبير رمز من رموز العراق ووحدته، والجواهري يجمع الشعب العراقي بعربه واكراده وتركمانه، وهو ثروة وطنية للجميع..
وزدت بعض الاسئلة حول ماجرى للشاعر المبدع كاظم الحجاج الذي تجشم عناء الحضور من البصرة، فقلت له.... ماذا تقول - بعد هذه المأساة لتمثال الجواهري في السليمانية ؟
- اختلف الاداء بين الدورة الاولى والدورة الثانية، فالاولى كانت جميلة ومنظمة وختاميتها رائعة، اما دورة هذا العام لابد ان هنالك اشكلا قد حدث اما من اللجنة او من الوزارة، فهنالك مسألة غامضة، هل الاتفاق لم يكن دقيقا ؟ الم تكن الزيارة مقررة ؟ هل للاتصالات سبب في ذلك الارباك ؟ نحن لا نعتقد بوجود نوايا سيئة من اية جهة بدليل ان لجنة المهرجان قد حفرت معنا وقد عاشت المأساة، لابد من الوصول الى الحقائق من اجل التعرف على طبيعة التقصير.


وزاد الناقد عبد الستار الاسدي في الموضوع نفسه ما يأتي :
اقول لهذا التمثال الشامخ في قلب السليمانية : ان المسؤولين قد اسأوا اليك فان وجودك بينهم ليس وجودا رمزيا بل شكليا، فعلى اقل تقدير حتى لو كان هناك ثمة حساسية تجاه الادباء العراقيين او العرب او ان هناك ثمة دوافع ومواقف ما تعود لهم يتخذ ضدها سلوك معين، على الاقل لو تذكروك ومن باب الاحترام والتقدير لك ان يوجهوا اعتذارا او جاءوا بانفسهم للترحيب ثم الاعتذار من الوفد العراقي الذي بات على الارصفة وفي الحدائق والجوامع، لذا اقول لتمثال الجواهري : اسمح لي ان اطالب بنقلك من هذه الارض التي لم تحترمك في هذا الموقف الذي تزامن مع وفاتك.

الشاعر فائز الشرع أمين الشؤون الثقافية في الاتحاد وعضو اللجنة المنظمة للمهرجان قال : كنت والشاعر حسن عبد راضي نمثل وفد الاتحاد الذي ابرم الاتفاق مع وزيرالثقافة حول إقامة فعاليات اليوم الرابع وفعاليات الختام في السليمانية وقد ابدى الوزير آنذاك تعاونا ( كلاميا) منقطع النظير الا بعض الاشتراطات حول ضرورة أن يضاف الى اللجنة المنظمة للمهرجان شخص من اتحاد الادباء الكرد في السليمانية وتكفل بتهيئة ذلك مع الاتحاد واتفقنا على موعد مجيء الوفد الذي حدد بمائة أديب وفنان كما شمل الاتفاق اقامة معرضا فنيا ومعرضا للكتاب ولكن فتاح زاخويي نكث بالوعد وأبدى تصرفا لا يليق بانسان يشغل مكانة كالتي يحتلها، فقد تجاهل وجود الوفد ولم يخطرنا بتغير نيته في استضافة الوفد قبل المجيء ولم يتصل هو أو من يمثله أو يمثل الوزارة بالاتحاد لالغاء الاتفاق أو تغييره، وثمة سر في الموضوع ولاسيما بعد إجراء الانتخابات التي قد تكون السبب في تغيرالموقف، أقول إن ماحدث يتصل بالاخلاق أولا واخير،إذ لايمكن تسويغ أن يترك مائة أديب في العراء وتوجه اليهم إهانة التجاهل والطرد غير المباشر ولاسيما بعد الالحاح في البحث عن الوزير الهارب لا يمكنني أن أصف الصدمة التي ولدتها هذه الفضيحة التي لن يمحى أثرها أقول لاأعتقد أن القادة السياسيين في السليمانية مشتركون في هذا العمل ولكن ما يدل على براءتهم هوأن يتخذوا اجراء يعيد الى الوفد العراقي هيبته التي لن ينال منها الاقزام مهما حاولوا وستبقى الثقافة العربية شامخة رغم الكيد الذي تحمله بعض النفوس المريضة.